شيء من التفصيل عن يوم التقاني صدام في المرحاض!

القسم السابع


كما ورد في ختام الماضي من نص هذه الوقائع عن ذاك الزمان, * اكتشفت عند الذهاب إلى مديرية السينما والمسرح, للعمل بوظيفة كاتب صادرة وواردة, أن هناك المزيد من قباحات فعل العفالقة بانتظاري.. و...بدون مقدمات ولا هم يحزنون, النذل ضابط أمن المديرية, كما عرفت مهمته لاحقا, قاد خطوات العبد لله صوب غرفة تقع في نهاية الرواق, على يمين قسم الإدارة, وعلى باب المغلق من الغرفة كانت تقبع wc مع الرمز المشير للنساء, وقال وبالحرف الواحد: الغرفة تحتاج يومين شغل وشوية تغيير, حتى تكون مكان  مناسب لعملك إستاد سمير, وردد ذلك بحياد السافل من الناس, أقصد من بمقدورهم إخفاء حقيقة ما يضمرون من دني المشاعر, أو ربما أساسا لعجز تقاسيم عار وجوههم ممارسة فعل التعبير عن المشاعر, شأن حال جميع الأسوياء من بني البشر!

و.... عند العودة بعد يومين رافقني هذا الجربوع من جديد إلى المرحاض من الغرفة, وكانت المفاجأة  أن التغيير صدقوني لم يتجاوز ما هو أكثر من مجرد وضع كرسي, وأكيد محل مقعد التواليت تماما, مع إضافة ميز أصغر من المعتاد, يتناسب حجمه مع مساحة الغرفة (مترين بالطول وأقل من نصف متر بالعرض) مع الإبقاء على المرآة والمغسلة (جرى رفعها لاحقا) وبحيث تساءل داعيكم عفو الخاطر, عن مبرر رفع مقعد التواليت,** ويبدو أن السؤال كان ينطوي على الكثير من الاستفزاز والتحدي, وبحيث راح هذا السافل يتطلع نحوي بمنتهى الحقد, قبل أن  يغادر المرحاض على عجل, وهو يدمدم بما لا أدري من العبارة, وان كان بمقدوري الجزم, أن ضابط أمن المديرية كان في غاية الغضب, وعلى كامل الاستعداد هو الأخر,, في تلك اللحظة, لطر داعيكم أربع طرات أو ربما أكثر!*** 

هذا الموضوع, موضوع تحويل المرحاض إلى غرفة لممارسة داعيكم الجديد من الوظيفة (كاتب صادرة وواردة) فضلا عن عدم وجود ما يبرر مطلقا, ومن حيث الأساس إرغام العبد لله وظيفيا للعمل, بما لا يتناسب قطعا مع طبيعة عمله الصحفي ولا مع تحصيله العلمي, ما كان يشغل الكثير من اهتمامي, بعد أن عقدت العزم, على تقديم طلب جديد للاستقالة من الوظيفة, عوضا عن تكرار ممارسة عبث الاعتراض كما حدث في المرة السابقة, وكنت أتوقع احتمال الاستجابة لهذا الطلب هذه المرة, خصوصا بعد أن بات عبد الأمير المعلة يشغل موقع المدير العام لمديرية السينما والمسرح والفنون الشعبية, والرجل ما كان يجري تصنيفه يوم ذاك, بين المسعور من أعداء أهل اليسار, كما كان هو الحال, وعلى سبيل المثال مع سامي مهدي وعبد الله الجبوري وعبد المنعم حمندي وجواد الحطاب ورعد بندر.....الخ الصفيق من العفالقة ونهازي الفرص من فرسان وقادة الفيلق الثامن في جيش صدام للترويج لثقافة الزيتوني والمسدس  ...و....لكن؟!

عبد الأمير المعلة لم يوافق على طلب الاستقالة, كما كنت أريد وأتمنى للخلاص من هذه الدوامة, ولكن دون أن يرفض  الطلب في ذات الوقت, وحيث جرى إبلاغي من قبل الإدارة, أن المدير العام, سوف يستدعني لمناقشة هذا الطلب بشكل مباشر, ولكن وفي الوقت المناسب**** وبالتالي ما كان يوجد هناك من الخيار أمام العبد لله, سوى ممارسة الانتظار وفعل البطالة غصبا طوال ساعات الدوام, بصحبة مغلف أسود (أضباره من الحجم الكبير) يضم حزمة من الورق جرى تقسيمها عموديا بخط فاصل, تعلوها من جهة اليسار مفردة ( الصادر) وعلى اليمن مفردة ( الوارد) وأسفل ذلك لا يوجد غير حقول فرعية : أسم الفلم...المخرج ..أمد الفلم ...الخ ما كان هو كل المطلوب لتحديد عدد ونوعية الصادر والوارد من الأفلام الوثائقية القصيرة, وهو عدد كان محدودا للغاية ولا يتعدى حدود فلم واحد في اليوم, وفي أحيان كثيرة مرة واحدة كل أسبوع, وعلى نحو كان لا يحتاج إنجازه عمليا إلى ما هو أكثر من دقائق معدودة وفور استلام فواتير الصادر والوارد من مسؤول القسم, الفنان السينمائي المعروف صاحب حداد,الذي عاد للعراق ضمن من عادوا من أهل الكفاءة, وكان معروفا بدماثة الخلق, والجميل من ود التعامل مع الناس, الأمر الذي تحول ليكون مشكلة ومدعاة للارتباك والشعور بالشديد من الحرج, بعد إرغامه خطيه دون سواه, على تحمل مسؤولية التعامل وظيفيا وبشكل مباشر, مع واحد مثل سمير سالم داود, كان ووفقا لما سائد يوم ذاك من الانطباع والإشاعة  (شيوعي خطير ومكروه كلش عفلقيا ) ..و...عندكم الحساب!!

و....أتعمد توصيف ما تقدم بمفردة ( مشكلة) نظرا لان داعيكم كان يجهل ولا يعرف صدقا, الشكل المناسب اعتماده من السلوك, لمساعدة الفنان حداد على التعامل مع العبد لله بعيدا عن مشاعر الحرج والارتباك, وبحيث ظل الرجل يتجنب الحديث مع داعيكم على انفراد, وكان يدخل ويغادر المرحاض من الغرفة بسرعة الطيارة, عند تزويدي بفواتير الاستلام أو التصدير....الخ ما كان يجسد مشاعر القلق والخشية من تبعات ما يمكن أن يحدث, أن أخطأ في التعامل مع هذه المصيبة, مصيبة غضب الله داعيكم, وللعلم ذلك كان في البداية, حال الكثير من العاملين في مديرية السينما والمسرح والفنون الشعبية, وبشكل خاص من كانوا يعرفون العبد لله بحكم تردده صحافيا على المختلف من أقسام المديرية, أيام العمل في مجلة الإذاعة والتلفزيون! ***** 

و.... في ظل كل ما تقدم عن واقع الحال, البعيد تماما عن المألوف, والغريب حد الشذوذ, وبعد فترة وجيزة للغاية من الزمن, ربما شهر أو أكثر, وبينما كنت منهمكا تماما في إعداد مادة خاصة ومتميزة للنشر في طريق الشعب******, وقف في باب المرحاض من الغرفة, النذل ضابط أمن المديرية وراح يصرخ وعلى نحو مسعور وبدون مقدمات أو توضيح السبب, طالبا أن أضع كلتا اليدين على الطاولة والجلوس بثبات, كما لو كان ( الواحد) في حالة الاستعداد, وردد كل ذلك بجذل من يكاد أن يطير من شدة الفرح, قبل أن يضيف موضحا : يعني ممنوع وضع الساق فوق الساق, أو الجلوس مرتاح كلش, كما لو كنت كاعد بالكّهوة, وغير ذلك من سخبف الأوامر, ثم مضى ليكرر وبذات القدر من همجي الصراخ, هذا السخيف من التعليمات أمام جميع غرف العاملين في الأقسام الأخرى, وقبل أن يتلاشى تدريجيا هذا الكريه من الصوت, أقتحم عرين داعيكم واحد ثور, هكذا افترضت بحكم رائحته الكريهة, داعيا العبد لله ويا شارة من يده  للوقوف, وراح يفتش ملابسي ومن ثم أدراج الميز, وقبل أن يمضي خارجا, قال محذرا وبشكل ينم عن واضح التهديد والوعيد من مغبة الحديث أو الاستفسار إلا عند السؤال, وعلى أن يكون المبتدأ من الكلام دائما كلمة سيدي, ودون أن يوضح هذا الثور عن من كان يجري الحديث, ومن هو المطلوب تحديدا مخاطبته بمفردة سيدي!*******

سمير سالم داود 5  تموز 2008

* طالع الماضي من نص هذه الوقائع عن ذاك الزمان: www.alhakeka.org/625.html

** هذا الغريب من السؤال, عن مبرر عدم وجود مقعد التواليت في الغرفة, تحول بعد عقدين من الزمن, لمحور قصة قصيرة بالسويدية تحمل عنوان ( الغرفة) وإن كان الأمر, يتعلق بغرفة أخرى, وفي مكان أخر من العالم, وفي إطار وقائع مختلفة تماما, عن واقع ما حدث وجرى في المرحاض من الغرفة في مبنى السينما والمسرح ذات يوم من عام 1975 ومن يجيدون السويدية بمقدورهم مطالعة هذه القصة في التالي من العنوان :www.geocities.com/novelse/ettrum.html

*** بمقدوري اليوم الزعم أن طرح هذا السؤال, كان يستهدف بالفعل السخرية أو التحدي أو ما هو أكثر من ذلك بكثير, ولكن وكفيلكم الله وعباده, في تلك الساعة من الزمن, لا أدري صدقا الدافع لطرح هذا السؤال, وراهنا ما عندي من التفسير سوى القول, أن العبد لله ربما فعل ذلك وعفو الخاطر, من قبيل التأكيد على أن اعتماد هذا الدنيء من السبيل في التعامل مع داعيكم , لا يمكن أن يكون باعثا للشعور بالخزي أو الإحباط,, وعلى النحو الذي كان يريد ويتمنى هذا الجربوع عفلقيا, وإنما على العكس من ذلك تماما, التعرض لهذا الضرب من الجناية والظلم, يعكس مدى الاستعداد, لدفع كل ما هو مطلوب من فادح التبعات, بفعل سلوك درب الرفض, وعلى نحو كان عندي مدعاة للفخر والاعتزاز حد التباهي, وذلك ماكان في تلك الساعة, يجسد تماما مشاعري بالفعل وحقا, وأعتقد أن ذلك لابد وأن يكون حتما, شعور كل صاحب مبدأ يرفض عار المساومة والخضوع لما هو بالضد من القناعة والفكر !

**** ذلك  ما حدث بالفعل لاحقا, وبعد أيام معدودة, من ذلك اليوم المشهود من عام 1975 حيث التقاني طاغية العراق للمرة الأولى والأخيرة, ولحسن الحظ حتما وبالتأكيد, وعلى النحو الذي سوف يجري التوقف عنده لاحقا في سياق ملحق خاص عن نضال داعيكم العنيد من اجل التحرر من مصيبة وبلاوي الوظيفة!

***** للعلم مر بعض الوقت, قبل أن يجري كسر حصار الخوف من الحديث مع العبد لله, وعلى النحو الذي ساد بالفعل خلال الأيام الأولى, وبحيث كان جميع من يعرفون بسالفة معاقبة داعيكم لرفض الكتابة للعدد الخاص بولادة حزب العفالقة, يتجنبون وقدر المستطاع المباشر من الحديث مع داعيكم ( ..الشيوعي الخطير ...الخ...الخ) وضمن ذلك حتى بعض من كنت أرتبط معهم بالوثيق من العلاقة صداقيا, وحيث كان نعتمد لغة الإشارات, وعلى نحو كان يتحول بدوره, وبالخصوص عند تفسير هذه الإشارات بشكل مغلوط, لمادة للتصنيف والمفرط من الضحك, عند اللقاء مع بعضهم في المساء, لتمضية الوقت بصحبة بنت الكروم في سرجون أو سواه من مقدس حانات أبو نؤاس....! 

****** أتذكر تماما هذه المادة باعتبارها كانت أوليات لقاء مطول مع رائد الحركة النقابية لعمال العراق صالح القزاز, وأقول متميزة لان هذا النص, وخارج إطار الهدف المباشر من اللقاء, كان يهمني بشكل خاص واستثنائي جدا, باعتباره يفيد عملي يوم ذاك في كتابة رواية تسجيلية طويلة عن ملحمة مسيرة عمال نفط H3 صوب بغداد في نيسان عام 1948, ومن فرط الاهتمام واصلت مهمة إنجاز هذا العمل, بعد الاختفاء عن الأنظار أواخر عام 1978 وحتى بعد المباشرة بالعمل السري, وتحديدا بعد أن اكتشفت في سياق رسالة لرفيق يريد إعادة الصلة تنظيميا, إشارة إلى أن والده كان شيوعيا ومن بين من شاركوا في إضراب عمال نفط H3 ...الخ ما يحتاج ويتطلب ومن الضروري في الواقع التوقف عنده بالمزيد من التفصيل ذات يوم, أن تجاوزت بالفعل وحقا المرير من وجع الذاكرة, بحكم أن هذا العمل الروائي وبعد إنجازه وتسجيله من غير الورق على 13 كاسيت وطمره في حديقة الدار انتهى طعما للنار, نتيجة خشية والدي من مداهمة البيت من جديد, وعلى النحو الذي حدث يوم جرى اقتياده من قبل جلاوزة الأمن وتعرض للضرب ولكل صنوف الإهانة من أجل إرغامه على الذهاب إلى مبنى طريق الشعب لمعرفة مكان اختفائي وشقيقتي وهو ما نفذه والدي بالفعل مرغما لفرط الرعب, وعلى النحو علمت تفاصيله لاحقا من العزيز زهير الجزائري, حيث كنت يوم ذاك أختفي في شقته ....و....للعلم هذا السافل من السبيل, كان واحد من بين أقذر وسائل العفالقة خلال تلك الهجمة الوحشية ضد الشيوعيين وأصدقائهم, أقصد تعمد الهمج من عناصر الأمن, اعتقال أحد أفراد أسرة, من يجري البحث عنهم من الشيوعيين, وتعريضهم لكل ما يثير في نفوسهم الخوف وحد الرعب, وبحيث يباشرون شخصيا, البحث عن مكان اختفاء  أبناءهم والقريب من الناس, للخلاص مما ينتظرهم من بشع المصير, أن تقاعسوا عن تنفيذ هذا الأمر, وتلك والله عندي, جريمة تكفي بمفردها, لوسم  جميع العفالقة, باعتبارهم أوسخ ما خلق الله على أرض العراق!

******* الطريف أن هذا الثور وقبل أن يغادر المرحاض من الغرفة, تطلع بشيء من الدهشة للمرآة, عفوا أقصد تطلع ببلاهة, لان ممارسة فعل الدهشة, يتطلب قدر من وجود العقل في المخ, وكم تمنيت صدقا في تلك اللحظة, لو أن هذا البليد تساءل عن مبرر وجود المرآة في هذه الغرفة بالذات, ولكن هذا الثور الصدامي, كان على عجلة من أمره, أو ربما لعجزه أساسا عن ممارسة فعل التفكير, وبحيث يطرح مثل هذا السؤال المعقد, بحثا عن المناسب من الجواب!