عن خلل العلاقة ما بين الواقع والحلم!!

 

على صعيد الكتابة الأدبية, من الصعب تماما, مطالبة الكاتب, الفصل ما بين الحلم والواقع, أو حتى وضع لائحة بالموضوعات الواجب الكتابة عنها وفي إطارها, على النحو الذي كان يريده طيب الذكر مشعول الصفحة ستالين وصاحبه جدنوف القرضاوي, أبو المسطرة الشهيرة في مجال ما سمي زورا بالواقعية الاشتراكية!

في مجال الكتابة عن الوضع السياسي, بمعنى قراءة ما هو سائد على الأرض من معطيات ووقائع, وما هو عام من التوجهات على صعيد الرأي العام, قد يؤدي إحلال الحلم والأماني الوردية بديلا عن الواقع الملموس والمعاش, إلى وقوع الكاتب ليس فقط في خطأ التحليل, وإنما وذاك هو الأخطر, المشاركة في صناعة الوهم, وبالتالي خداع الرأي العام, بكل النتائج الكارثية, بكل معنى الكلمة, ساعة الاصطدام, اصطدام الناس, بحقيقة ما يجري على أرض الواقع, وما يتبع ذلك من الإحباط والشعور باليأس ....الخ ما هو معروف عما حدث, ويحدث, وأكيد سيظل يحدث, طالما هناك ولله الحمد جيش من المحللين والخبراء مهمتهم الوحيدة: صناعة الوهم والانطلاق في تحليلاتهم من التصورات والأماني والأحلام...الخ ما لا يستند وكفيلكم رب العباد, عما هو سائد بالفعل على أرض الواقع العملي!

هل هناك حقا حاجة إلى تقديم الأمثلة؟!

صدقوني توفرت عندي من الملاحظات والمعطيات, مادة تفصيلة, مع الأمثلة الملموسة عن ما أسميه عادة ( عقلية القطيع)  تكفي وكفيلكم رب العباد, لما يزيد عن محتوى ثلاثة كتب من النوع الثخين! ويكفي أن أشير وعلى عجل , إلى حالة الإحباط التي سادت الرأي العام, وفي سائر الدول العربية بعد هزيمة حزيران1967   نتيجة العيش في وهم عياط أحمد سعيد في إذاعة صوت العرب وخطابات عبد الناصر الحماسية وأغاني عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ....الخ, وبحيث كان الاعتقاد السائد على صعيد الرأي العام, أن الحرب أن وقعت, فأن ذلك لا يعني فقط  حتما تحرير فلسطين, وإنما سوف تقود حتما وقطعا وبدون نقاش, إلى  (ذب اليهود) في البحر!

و.........في الحقيقة, ما كان يشغل رجال الدعاية يوم ذاك, هو أين يجب أن (نشمر اليهود) ؟! هل ترى نشمرهم في البحر الأبيض المتوسط, لو في البحر الأحمر! و...قد لا تصدقون أن النقاش حول هذه القضية الجوهرية ( وين نذب اليهود) والذي دار بين المشير عبد الحكيم وعشيقته برلنتي عبد الحميد, في الليلة التي سبقت هجوم القوات الإسرائيلية, كانت السبب المباشر في أن يظل المشير ( مجطول) ساعة وقوع (المنكوسة) وإلا ....لكان المشير برلنتي سوف يراوي اليهود نجوم الظهر , قبل أن يشمرهم بالبحر !

لماذا العودة إلى ما بات اليوم, يعد تاريخ عتيك! ولدينا مثال (تازة) عمره لا يزيد على ما هو أبعد من عام ونص! يوم عاد نفس فرسان ( يا هلا بالمعارك) ونجوم ( نذب اليهود بالبحر) إلى ممارسة نفس طيحان الحظ من جديد, والتأكيد مع الخرائط والتفاصيل والصراخ والفتوى والأغاني....الخ أفلام فضائيات العهر , على أن الأمة العربية بقيادة فارسها المغوار صدام مع  غادة الشامية ,سوف تجعل من العدوان الأمريكي الغاشم....الخ ضد العراق ...بداية النهاية الإمبريالية والصليبية, خاصة وأن المدام غادة وعلى العكس من برلنتي عبد الحميد, مؤمنة مو شلون ما جان, بقدرة ( عز العرب)  دون نقاش وعندها كناعة راسخة ( أنو أبو عداوي ما في غيروه) سوف (يطحش البهود طحش) قبل أن (يزبهم) بالبحر!    ...و....صار اللي صار!

و....من جديد, لماذا هذه العودة, للحديث, عما أفترض شخصيا, بات معروفا عراقيا, لكل من ينطلق في قراءته للواقع والتطورات السياسية, سواء قبل أو بعد سقوط صدام, من موقع العداء المطلق للعفالقة الأوغاد,, ومن موقف الانحياز المبدئي إلى جانب جميع من كانوا في موقع الضحية في ظل نظام العفالقة الهمج؟!

هذه العودة إلى لعنة إحلال ( الأماني والتصورات) عوضا عن قراءة ما يسود من الحقائق على ارض الواقع, تنطلق مما يسود ,في سياق الكثير من الكتابات, وأتحدث بشكل خاص على صعيد النشر على شبكة الانترنيت, التي تتعلق بموضوعة الانتخابات, ووجود اتجاه عام, أغامر بالقول, اتجاه سائد, يمارس مهمة إشاعة ( الوهم) من خلال التأكيد وبجزم على أن أجراء الانتخابات وفي موعدها المقرر, سوف يعني بداية السير نحو الديمقراطية وقيام العراق الفيدرالي المتحرر من العفالقة وقوات الاحتلال ...الخ!   

هل حقا هناك إمكانية واقعية, لتحقيق هذه ( الأماني) الجميلة والرائعة, في ظل هذا الاختلال الخطير على صعيد موازين القوى الراهن في العراق اليوم, وبالتحديد في ظل هذا الانقسام الحاد بشكل خاص بين مواقف القوى السياسية الفاعلة في كوردستان وأوساط شيعة علي في الوسط والجنوب العراقي؟!

بالعراقي الفصيح: كيف يمكن عمليا, ضمان تحويل الانتخابات إلى عملية تحشيد لجميع من كانوا في موقع الضحية, ضد عودة العفالقة الأوغاد إلى موقع القرار في الدولة والمجتمع, باعتبار أن ذلك هو الأساس والمنطلق لقيام الديمقراطية في العراق, بدون وجود برنامج عمل مشترك, حتى في إطار الحد الأدنى, بين القوى السياسية التي تحملت عبء النضال للإطاحة بنظام العفالقة الهمج؟!

سؤال يحتاج للمناقشة وبالعمق والتفصيل, ولكن بعيدا عن لعنة الأماني والتصورات, وخارج إطار أساليب إشاعة الوهم, التي لا يمكن أن تقود عمليا, سوى إلى تعميق الخلاف والفرقة بين من كانوا في موقع الضحية في ظل نظام العفالقة, وبشكل قد, أقول قد, يؤدي في الواقع ومن خلال الانتخابات, إلى تعزيز وتدعيم مواقع وفاق البعث الأمريكي, وريث عصابة صدام,  وبالتالي التعاطي مع كل من هب ودب, من القوى السلفية والوهابية في قلاع العفالقة الأنجاس, باعتبارهم وبعد كل ما مارسوه ولا يزالون من البشاعات , بعضا من معالم الحياة السياسية في عراق ما بعد صدام, حتى وأن كان هولاء الأوغاد, معادون مع سبق الإصرار والترصد فكريا للديمقراطية, ولا يعرفون حتى الساعة تشطيف مؤخراتهم مثل البشر!*     

سمير سالم داود التاسع من كانون الثاني 2005

www.alhakeka.org

 

* هل تراني أتحدث عن قيام سفير ماما أمريكا بالزحف إلى جامع أم القرى, مقر عام قيادة هيئة الإرهاب والقتل والخطف, بعد تكرم وتعطف شيخ الدناءة حارث الضاري على مقابلته, شريطة أن يدخل إلى الجامع عاريا من وره وكدام وهو يصيح بلسان كوادر ماما أمريكا ووفاق البعث الأمريكي: لك هلو بوبي!