دور منظمة الحلة في عملية الهروب

نفق سجن الحلة يطرق الذاكرة مرّة ً أخرى

قصة النفق والهروب من سجن الحلة

الشيوعيون العراقيون لم تقهرهم السجون بل قهروها

من بطولاتِ الشيوعيين العراقيين... مع قصة نفق سجن الحلة

نفق سجن الحلة ملحمة الملاحم في مسيرة الشيوعيين العراقيين

البيانات الصاروخية والحقائق المخفية في المسامير المطيرية

عتاب إلى محرري طريق الشعب



دور منظمة الحلة في عملية الهروب



تمكن الشيوعيون العراقيون لعشرات المرات من تنفيذ عمليات هروب جماعية وفردية كان نصيبها النجاح،فيما أخفق البعض لأسباب وعوامل تتعلق بالتخطيط غير الدقيق،أو حدوث طارئ يفشل العملية،ومن أكبر عمليات الهروب ما قام به المعتقلون الشيوعيون في سجن الحلة،حيث تمكنوا من حفر نفق طوله(17)متر وارتفاعه (75)سم وعرضه(60)سم وكان على شكل حرف أربعه العربي،أي متعرج بأربعة أضلاع،وقد غلف بأكياس الجنفاص لمنع تساقط الأتربة أو التصاقها بملابس القائمين بالحفر،,استغلت له غرفة صغيرة كانت معدة للتداوي،وفيها فتحة للمجاري قاموا بتوسيعها حتى أمتد النفق الى الكراج المجاور لساحة السجن ،وعملت الفتحة تحت سيارة مهجورة في الكراج ,واختير لها يوم عظيم في تاريخ الإنسانية وحركتها الشيوعية هو ذكرى ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى التي غيرت مجرى التاريخ ومهدت للطبقة العاملة تولى شؤون الجزء الأكبر من العالم،ولست بمعرض الدخول في تفاصيل العملية،وطريقة الهروب،فقد كتب الكثير عن الموضوع،رغم وجود اختلافات في التفاصيل والقائمين به وهو ما تناولناه بشكل مفصل في كتابنا الذي هو تحت الأعداد عن عمليات هروب الشيوعيين العراقيين،وسأتناول في هذه العجالة الدور الذي قامت به محلية بابل للحزب الشيوعي العراقي في أنجاح عملية الهروب،وإيجاد الملاذ الأمن للهاربين،ومساعدتهم في تجاوز مناطق الخطر وإيصالهم الى المناطق التي يمارسون فيها عملهم النضالي.
كانت محلية بابل على علم مسبق بعملية الهروب،وقد هيأت المستلزمات الكاملة لإنجاحه،فقد أرسل الفقيد حسين سلطان صبي (أبو سلام) عضو اللجنة المركزية للحزب عن طريق الرفيق (سعد مجيد الشريفي) رسالة يطلب فيها تهيئة المستلزمات اللازمة لإنجاح العملية،وتهيئة السبل الكفيلة بإخفاء الهاربين،ولكن حدوث الانشقاق الكبير وخروج جماعة القيادة المركزية عن الحزب،أدى لحدوث خلافات بين المعتقلين المشاركين بالعملية،فجماعة القيادة أخذت تمارس دورا انعزاليا،وتحاول ما وسعها الجهد أبعاد الشيوعيين الآخرين عن العمل وعزلهم رغم أنهم أصحاب الفكرة والمبادرين والمخططين للعملية،ولكن جرى الاتفاق بين المجموعتين وحددت أسماء الذين يهربون من السجن ممن عليهم أحكام طويلة،ولكن عند البدء بالخروج قام هؤلاء بإثارة معركة لمنع الآخرين من الهروب ونقض الاتفاق مما كاد يؤدي لفشل العملية برمتها،وبعد أخذ ورد وصل الى حد الاشتباك بدء الجميع بالخروج حسب الاتفاق السابق،ولكن خوف انكشاف العملية ومحاولة البعض تنشق نسيم الحرية جعلهم يتجاوزون الاتفاقات السابقة مما خلق حالة من الفوضى وازدحام على الفتحة،وخروج مجموعات لم تكن هناك نية لإخراجها، وقد عرف السجناء غير المشاركين بالعملية مما هدد بافتضاح الأمر ،أضف لذلك أن الخارجين كانوا بمجموعات تثير الانتباه،فقد فوجئ حارس الكراج بخروج أشخاص كثيرين رغم عدم دخول أي سيارة للكراج مما جعل ذهنه القاصر يتوجه للاعتقاد بوجود (جن ) في الكراج ،وتوجه الى حيث يقف شرطي المرور في الساحة المواجهة للكراج ليخبره بخروج أشخاص يثيرون الانتباه لغرابة ملابسهم وكثرتهم،فليس من المعقول تلك الأيام أن يسافر أحد ببجامة النوم،أو يضع اليشماغ وهو يرتدي ملابس الأفندية،مما جعل الشرطي يشكك بالأمر فما أسرع ما نبه حراس السجن ليكتشفوا العملية في وقت مبكر،ويقوموا بغلق المنافذ المؤدية للمدينة وإعلان حالة الطوارئ وخروج المفارز المسلحة للبحث عن الهاربين بعد انكشاف الأمر،ولو جرى الأمر بحكمة،أو حسب الاتفاق المبرم لتمكن عدد كبير من الهروب ومرت العملية بسلام،ولكن الخلافات غير المبدئية تؤدي الى تعقيد الأمور وخسارة الجميع.
كان الفقيد حسين سلطان على أتفاق مسبق مع المحلية،حيث تمكن من الركوب في أحدى السيارات المتوجهة الى النجف،وأتصل بالحزب معلنا سلامة وصوله،فيما كانت أعداد ليسوا من أهالي المنطقة،ولا يعرفون أحد فيها،مما جعلهم يسلكون الطرق الريفية الخاطئة،ومن هنا برز الدور الكبير للرفاق الذين استنفروا طاقاتهم القصوى وتوزعوا على مخارج المدينة لتلقف الهاربين وإيجاد الملاذ الأمن لهم،وتمكن بعضهم من الوصول الى بعض القرى التي للشيوعيين وجود كبير فيها ،فيما توجه آخرين الى النواحي والأٌقضية ،حيث وفرت لهم الأماكن اللازمة للاختباء،فقد توجه الشاعر مظفر النواب الى مدينتنا القاسم واختفى في أريافها في منزل الفقيد الرفيق الشيخ أحمد العبد الله هناك ،وشاءت الصدف أن يكون وجوده عندما جيء بشباك جديد للأمام القاسم،فأشار لذلك في قصيدته الرائعة الذائعة التي يصف بها عملية الهروب،عندما قال:
يلي شوفتك شباج للقاسم ودخول السنه من الكاك
وتوجه بعضهم الى قرية (البو غياض) التي تبعد عن مركز المدينة بحدود(8)كم وهي قرية مقفلة للشيوعيين،وجميع سكانها أعضاء في الحزب الشيوعي العراقي وهم عشيرة الفقيد لطيف عبد هويش عضو محلية الديوانية ،وعضو المكتب الفلاحي في أوائل الستينيات،حيث أستقبلهم ووفر لهم ما يحتاجون من طعام وكساء،وقد أخبرني أنهم كانوا من جماعة القيادة المركزية ولما عرفوا أنه من اللجنة المركزية لم يرق لهم الأمر ولكنه بأخلاقه الشيوعية الأصيلة أستطاع أقناعهم بالبقاء ثم هيأ لهم السبل الكفيلة بالوصول الى الديوانية من خلال علاقته بالرفاق الموجودين على الطريق المؤدي لها ،ومن هناك توجهوا الى حيث يريدون.
وعندما شاع خبر الهروب في المدينة قامت بعض العوائل الرجعية بمساعدة قوات الأمن في متابعة الهاربين والأخبار عنهم،لأن بعضهم من مدن بعيدة ولا يعرفون الطرق أو المناطق الآمنة فأصبحوا صيدا سهلا للأمن،ومن هنا تحركت منظمة الحلة وأوعزت لمنظماتها وخلاياها الممتدة على امتداد المحافظة بالتحرك لنجدة الهاربين وتوفير الأماكن اللازمة لإخفائهم،فقامت منظمة (عنانه) بإخفاء مجموعة منهم في حفرة عميقة،يقول (أبو عادل) أخبرني الرفيق نجاح مسئول منظمة عنانه،بعد أسبوع من عملية الهروب بوجودهم في منطقته،فاتفقت معه على نقلهم الى قرية (البو شناوة)عرين الحزب في المنطقة،وفيها الكثير من الرفاق المخلصين،وجرى الاتفاق على تسليمهم للرفيق كاظم الجاسم (أبو قيود) عضو لجنة الفرات الأوسط،وفعلا تم نقلهم بسيارة تنكر تعود للرفيق سامي عبد الرزاق،كانت تستخدم في المعمل وسبق أن استخدمت لنقل البريد الحزبي بعد قرار حميد الحصونة بمنع توزيع جريدة اتحاد الشعب في المحافظات التي ضمن سيطرة الفرقة الأولى،وأوصلهم السائق الى منطقة البو شناوة،وبعد استقرارهم في المنطقة صدر قرار الحزب بنقلهم الى محلية الكوت ،ولكن بعض العناصر من جماعة القيادة المركزية بعد أن استلمتهم منظمة الكوت،وزودتهم بالمال ووفرت لهم السكن وسلمتهم مسدس للدفاع عن أنفسهم،انسلوا في غفلة عنها وانتقلوا الى مكان آخر،وأشاعوا فيما بعد أن الشيوعيين في اللجنة المركزية اعتقلوهم في سجن خاص.
ومن لطيف ما يذكر أن أحد قادة الحزب طلب من الرفيق أبو عادل الحفاظ على (التنكر) لأننا سوف نضعه في متحف الحزب لاحقا،ولكن للأسف أصبح التنكر (سكراب).
ومن غرائب ما جرى في تلك الفترة أن الحزب الشيوعي العراقي رغم انشقاق جماعة عزيز الحاج عنه،وقيامهم ببعض الأعمال الصبيانية ومحاولاتهم إيذاء الحزب والتشهير به،ألا أنه كان يعاملهم بروح رفاقية عالية،وخصوصا في هذه المحنة،لأنهم رغم كل شيء شيوعيين يجمعهم هدف واحد وطريق واحد،وأن قسم منهم قد غرر بهم فاندفعوا في هذا الطريق ثم عاد أكثرهم للحزب نادمين بعد أن ثبت لهم زيف الدعاوى التي أشاعها المرجفون،فيما أصر آخرون على مواقفهم ،وأندفع آخرون للعمل مع سلطة البعث،بعد إلقاء القبض عليهم وانهيار الحركة المسلحة،ومن المفارقات ،يقول أبو عادل،أنه في اليوم الثاني من عملية الهروب جاءني(وليد ماجد محمد أمين)فأخبرني أن السيد عزيز الحسيني أمر الحرس القومي السابق لديه(شغل معك) ويريد أن تزوره في بيته،فقلت له إذا كان لديه شغل فليأتي هو،فقال لي:أنه يريدك لأمر فيه مصلحتكم والعمل يعود إليكم،فذهبت للقائه في بيت زوجة ماجد محمد أمين،فالتقيت به وأخبرني "أن هناك شخص أسمه(صفاء) من أهالي الموصل ،هارب من سجن الحلة وهو طالب في الخامس الإعدادي وموجود لدينا،ويريد اللقاء مع الشيوعيين،وأخبرني أنه يطلب اللقاء مع جماعة عزيز الحاج،فقلت له أني لا أعرف أحدا من جماعة الحاج وأني أعرف شيوعي قديم هو سامي لذلك أرسلت ورائك" أخبرت عزيز أني سأتوجه له في الساعة الرابعة من صباح اليوم التالي لنقله الى مكان آمن،بسبب الانتشار المكثف للقوى الأمنية بحثا عن الهاربين،توجهت صباح اليوم التالي في سيارة احد أصدقاء الحزب،لأن سيارتي معروفة،وعندما طرقت الباب خرج عزيز الحسيني وأخبرني أن هذا الشخص يرفض اللقاء بي،واتهم قيادة الحزب بالعمالة،وأنه أعطاه بدله ومبلغ من المال وأوصله الى طريق (النبي أيوب) لعله يلتقي بالشيوعيين من جماعة كاظم الجاسم،شكرت السيد عزيز الحسيني مصافحا له وقلت "لن ننسى هذا الموقف في حماية رفاقنا"، وبعد أن عدت الى البيت أرسلت رسالة الى الرفيق أبو قيود أخبرته فيها بأن أحد الهاربين المنشقين من سجن الحلة قد توجه إليكم،وأنه يرفض اللقاء بالحزب الشيوعي أو أن يقدم له المساعدة،وعليكم التهيؤ للقائه وتقديم العون له وتهيئة السبل الكفيلة بتأمين سلامته،وفعلا شكلت مفرزة بقيادة الرفيق عبد زيد نصار والتقوا به وعندما سألهم أنتم من جماعة القيادة أو اللجنة المركزية،فقال له عبد زيد"ولك يا لجنة يا قيادة أنت بأي وضع حتى تسأل أمشي معنا حتى لا يلقى القبض عليك وبعد أن تهدأ الأمور اذهب الى أين تريد،لأننا ننظر إليك الآن على أنك شيوعي بغض النظر عن كونك من القيادة أو من غيرها"وفعلا ظل لديهم عدة أيام حتى استتبت الأمور وأنقطع الطلب عن الهاربين ثم مضى الى حيث يريد،وكان أحد الرفاق من منظمة عنانه قد أرتبط بعلاقة وثيقة مع أحد المختفين في قريتهم وأسمه داخل من أهالي العمارة من جماعة الحاج،وأخذ يزوره في بغداد،وتمكن ذلك الشخص من تصوير الأمور بشكل مغلوط والتأثير عليه بعد أن رسم له صورة سوداوية عن الحزب،وأستماله للعمل معهم،يقول أبو عادل وقد جاءني ذات يوم وسألني عن الرفاق وعن الحزب والانشقاق،فأخذت أشرح له الأمر،ورويت له حادثة صفاء وكيف أن الحزب لا يفرق بين شيوعي وآخر،ويحتضن الجميع،وأن صفاء رغم مواقفه الخاطئة إلا أن الحزب أعانه في محنته ووفر له الملاذ الأمن،وأرسله الى حيث يريد،فقال لي بعنجهية أنتم (شنو) أنت عندك عصابة تعذب الرفاق،وأني أبلغك بإنذار القيادة المركزية بوجوب إحضار صفاء خلال يومين وإلا ستتخذ بحقك أجراآت رادعة،أدخلته الى الكراج لأن حديثه كان في الشارع،وطلبت منه عدم المجيء ثانية أو الاتصال بي ،وإذا جاء فسيعرف ما يكون مصيره،وبعد أربعة أيام صدر بيان من القيادة المركزية يتضمن التهديد والوعيد للرفيق أبو عادل وإلزامه بتسليم صفاء إليهم،فأرسل البيان الى قيادة الحزب فنسبت محلية بابل أحد الرفاق لحماية المعمل.
ومن مفارقات الهروب العجيبة أن مدير سجن الحلة أثناء الهروب العقيد(... القيسي)قد خشي انتقام السلطة بسبب هروب الشيوعيين،فلجأ الى بيت الحاج عبد الله الملا إبراهيم لأنه من أصدقائه،فجاءني عمي وطلب مني سيارتي أل(دوج) لنقل مدير السجن الى خارج الحلة لأنها معروفة بعائديتها للشيوعيين،ولا يفكر رجال الشرطة بتفتيشها بحثا عن مدير السجن،وفعلا قمت بإيصاله الى خارج الحلة.


محمد علي محي الدين
13-4-2008



نفق سجن الحلة يطرق الذاكرة مرّة ً أخرى



عملية الهروب من سجن الحلة،أو حفر النفق ،هذا العمل البطولي الرائع تباينت حوله الآراء واختلفت المواقف،فقد قيل وكتب عنه الكثير وكل(يحوز النار الكرصته) فالقيادة المركزية ومن سار خلف لوائها ينسبون هذا العمل لهم رغم أن بدايات حفر النفق أو التخطيط له كان قبل أن توجد القيادة المركزية أو حدوث ذلك الانشقاق الخطير،وقد أشرت للموضوع عرضا وانأ بسبيل بيان دور محلية بابل للحزب الشيوعي في عملية الهروب واحتضان الهاربين،ولكن كتابتي أثارت الأخ الكريم الأستاذ جاسم المطير فأصدر بيانا أحمد الله أنه أخذ الرقم 111 بدلا من (1) الذي يعني بيان الثورة في مصطلحات الانقلابيين العراقيين،وأجبت حينها باني ناقل لروايات منها ما ذكره الفقيد حسين سلطان في مذكراته، وقد وردتني رسالة من الأخ الكريم نعيم الزهيري وفيها معلومات وافية عن الموضوع طلب مني التصرف بها كيف أشاء،لذلك رأيت أدراجها هنا على أمل مواصلة نشر جميع وجهات النظر وذكريات المشاركين بالعملية،وسأحاول في حلقات قادمة نشر ما ذكره الآخرين حول العملية لتكون أمام أنظار الجميع للخروج بتصور سليم عن هذا العمل الجبار .وأماطت اللثام عن أسراره خشية ضياعها بعد أن ضاعت الكثير من الحقائق عن التاريخ المجيد للشيوعيين العراقيين لعدم الاهتمام بتسجيلها في فترات كان من السهل توثيق الكثير من الأحداث ،وذلك بسبب البيروقراطية التي واكبت محاولات كتابة تاريخ الحزب الشيوعي العراقي ،وعدم أيكال الأمر إلى متخصصين أو مهتمين بمثل هذه الجوانب،ومن خلال ذلك أطرح أمام أنظار رفاقي في الحزب الشيوعي العراقي ،ومن لا زالوا داخل الحزب أو خارجه محاولة استجلاء هذه الحوادث المهمة وتوثيقها بعيدا عن الخلافات الأيديولوجية والفكرية والحزازات الشخصية،لإثبات الحقائق كما هي بغية توثيق التاريخ وكتابته من وجهة نظر ماركسية،لا على الطريقة البرجوازية في قلب الحقائق وتحويلها لوجهات تخدم هذه الجهة أو تلك لأن هذه الحوادث أصبحت ملك التاريخ وللتاريخ أن يقول كلمته،وخصوصا في المواقع المفصلية الهامة كقضية الموصل وأحداث كركوك التي لا زال الكثيرون ممن يتصيدون في الماء العكر يزمرون ويطبلون لها بقلب الحقائق والافتئات على التاريخ دون أن يتصدى أحد للرد عليهم وكتابة الحقيقة كما هي،وأن ما لدى الحزب من وثائق يستطيع من خلالها وضع النقاط على الحروف وعرض الحقائق كما هي أمام أنظار المؤرخين والرأي العام،وبهذه المناسبة أود أن أناشد القيادة الحالية وكافة الرفاق ممن يمتلكون أي معلومات عن شهداء الحزب أو أحداثه نشرها وإذاعتها ،فقد شكل الحزب لجان عدة لكتابة سفر الشهداء الخالدين، إلا أن هذه اللجان نامت نوم أهل الكهف بعد أن عهد بها إلى أناس بعيدين عن أي اهتمام تاريخي، أو يمتلكون القدرة على الكتابة،أو لهم اهتمام في هذا المجال،أن تاريخ الحزب أمانة في أعناق جميع الشيوعيين من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وعليهم الكتابة بشرفهم الشيوعي لا بعواطفهم وما في داخلهم من ترسبات،وأدناه شهادة الأخ الزهيري أنقلها كما هي،على أمل أن يكون الجزء التالي شهادة أخرى لأحد المشاركين أو المطلعين على عملية الهروب وحفر النفق.
(نشر الأخ عقيل حبش ذكرياته عن نفق سجن الحلة ،احد مآثر الشيوعيين العراقيين وبطولاتهم غير المحدودة ،وكذلك عن الكفاح المسلح في الاهوار ، في قصة بعنوان " الطريق إلى الحرية " ومؤخرا نشرت رسالة شاعرنا الكبير مظفر النواب التي وجهها إلى السيد عقيل آنذاك،وقد اخرج الرسالة المهندس علي الكناني بصورة جميلة .
ليس خافيا على احد الاندفاع الكفاحي المنقطع النظير للكثير من المناضلين الشيوعيين آنذاك ،ومنهم السيد عقيل حبش وتصميمه على الهروب من السجن بغية الالتحاق بـ " النواتات الثورية " للكفاح المسلح في الاهوار ،تلك التي أوجدتها مجموعة من الرفاق الشيوعيين في اهوار الناصرية في منطقة غموكة .ولا نخفي سرا إن نقول بأنها كانت امتدادا لامتشاق الحزب السلاح ضد انقلابيي شباط الأسود عام 1963 في بغداد وبعض المدن الأخرى .إن الدعوة للكفاح المسلح وخلق النواتات الثورية في الريف على غرار ما صار في أمريكا اللاتينية وبطلها تشي جيفارا ،كانت تستحوذ على أذهان الشباب المتقد حماسا للتخلص من الأنظمة الدكتاتورية والاستبداد .
كان على رأس تجربة الكفاح المسلح في اهوار الناصرية المناضل أمين حسين الخيون " أبو جماهير " وبعدها تشكلت قاعدة أخرى من قبل مناضلين أشداء ،وكان قائدها الملازم البطل خالد احمد زكي " ظافر " والقاعدة الأخيرة أوسع وأكثر تنظيما من سابقتها نسبيا ، وقد تبنتها القيادة المركزية التي انشقت عن الحزب في أيلول 1967 بقيادة عزيز الحاج .وقد انتهت التجربة في أول صدام لها مع قوات النظام آنذاك ،لأسباب لسنا بصدد تناولها الآن ،رغم البطولات النادرة التي أبداها رفاق المجموعة ،طبعا عدا الذين تخاذلوا وخانوا رفاقهم .
لقد انتهى مناضلوها بين شهيد ( خالد احمد زكي ) وبعض رفاقه ،وبين من غيّر موقعه وانحاز إلى صفوف السلطة التي رفع السلاح لإسقاطها ،وآخرين جلسوا بعيدين عن العمل الحزبي ،وقسم منهم صاروا معادين للحزب الذي كانوا قد تربوا في صفوفه ،والبعض الآخر اخذ يمارس مهام نضالية بصيغة أخرى كالكتابة والنشر ..وغيرها .لم يحالفني الحظ في الاطلاع على كتابات عن تلك التجربة ،سوى ما كتبه الأخ عقيل حبش وما تناوله الكاتب السوري المبدع حيدر حيدر في روايته " وليمة لأعشاب البحر " ...ومن هنا فأنني أرى إن تجربة الكفاح المسلح التي خاضها الحزب الشيوعي العراقي ضد الأنظمة الدكتاتورية قد بدأ فعلا في شباط/1963 ،ولا أريد المجازفة بالقول بان انتفاضة جنود معسكر الرشيد بقيادة الرفيق حسن سريع احد أوجهها.
إن تلك التجارب الكفاحية المسلحة ،وامتدادها تجربة الحزب في كردستان ـ قاعدة بيرموس ـ مثلا في عام 1963 ،كانت بمثابة تمرينات لحركة الأنصار الشيوعيين التي بدأت في عام 1979 في كردستان وبعض المناطق الأخرى في الفرات الأوسط وأماكن أخرى .لقد قوّم حزبنا تجربة الكفاح المسلح الأخيرة ـ تجربة الأنصار .كما الرفاق الأنصار أنفسهم الكثير عنها ،وتحدثوا عن تجاربهم الشخصية فيها .ولا يزال معظمهم يمارسون مهامهم النضالية كأعضاء في حزبهم الشيوعي في داخل الوطن وخارجه وبإشكال منوّعة كل من موقعه .
وما دمنا في موضوع الكفاح المسلح ، بودي الإشارة إلى تلك الفكرة ـ الكفاح المسلح ـ التي أراد الحزب القيام بها في عام 1967 ، فشخص بعضا من كوادره العسكرية وأرسلهم للتدريب ،سوية مع مناضلين من أحزاب شيوعية شقيقة ومنظمات صديقة ،أرسلهم للتدريب في دولة مجارة ،، لكن الفكرة ألغيت مع البدء بتنفيذها ....
لنعــــد الآن إلى موضوع ، نفق سجن الحلـة ،فقد تحدث عنه وكتب البعض ،كل من زاوية النظر التي كان فيها ،والحقيقة تقال :إن لكل حدث جوانب عديدة ولا يمكن لأي شخص الإلمام بكل الجوانب .وان كل الذين كتبوا أو تحدثوا عن النفق نسوا ذكر أحداث هامة أو تناسوها إهمالا أو تحاشيا ً ،وإنني إذ اكتب هنا بعض الإيضاحات والتصويبات ،ليس من اجل الطعن أو المناكدة بقدر ما هي كشف للحقائق حسب معرفتي الشخصية التي تكونت عبر معايشتي الميدانية أو المعلومات التي سجلتها من آخرين مشاركين بالعملية ومنهم حسين سلطان نفسه وسعيد تقي ومجيد وكمال كماله والثلاثة الأخيرين لا يزالون أحياء يرزقون ...
وبدءا ً أقول وبكل ثقة إن ما من مناضل يرضى أو يستسلم لقيوده .فبالنسبة لي فكرت بالهروب من معتقل باب المعظم / القلعة الخامسة ،بعد إلقاء القبض عليّ في مدينة الرطبة الحدودية ،بأسم وعنوان وجواز سفر مزورة ،وأرسلوني مخفورا الى المعتقل المذكور في 26/10/1962 ،وكانت عملية الهروب سهلة جدا ً ، وعندما طرحت الفكرة على مسئولي التنظيم في المعتقل آنذاك وهم كل من عاصم الخفاجي مسئول نقابة عمال المياه الغازية ،وجاسم تاجي وهو مناضل قديم ،رفضا الفكرة رفضا قاطعا ً بحجة إن العملية ستؤدي الى التضييق على المعتقلين !! فامتثلت للأمر علما إنني كنت كادر محترف للعمل الحزبي ومحكوم غيابيا ثلاث سنوات وتحت مراقبة الشرطة سنة واحدة .وذلك كان الحكم الأخر الذي صدر بحقي بعد أن خرجت من سجني الأول ...
فـــي 6/11/2006 تحدث الأستاذ جاسم الطير عن نفق سجن الحلة ،على اعتباره احــد الهاربين منه ، وكان الحديث عبر غرفة ينابيع العراق ـ غرفة أنصار الحزب الشيوعي العراقي ـ وقد أدار الندوة الأستاذ هادي الخزاعي ، (أبو أروى) ، وقد ذكر المتحدث بعض الحقائق الهامة وليس كلها ،كما صور بعض الأحداث بالمقلوب .فلقد صوّر التخطيط للنفق وحفره والخروج منه هو من عمل أشخاص في القيادة المركزية ،المنشقة عن الحزب (جماعة عزيز الحاج ) . فمجموعة القيادة المركزية في السجن شخصت مكان الحفر من غرفة الصيدلية في القلعة الجديدة ... ومظفر النواب كان ينقل التراب ، بعلب التايـد ،ويعطيها إلى جاسم ، وجاسم يرميه في المراحيض ، الى أن سدت المجاري !؟ .وقال أيضا ً :كانت سطوح غرف السجن ينزل منها الماء فطلبوا من إدارة السجن رشق السطوح بالتراب والتبن ...وغيرها .والأنكى من ذلك قوله : عندما بدأ الاستعداد للهروب ( جماعة القيادة ) احتج الآخرون أي ( مجموعة اللجنة المركزية ) وحاولوا كسر باب النفق وكشفه أو الخروج مناصفة 12= 12 ( ففتي ففتي )، ثم استطرد ؛ بعد الهروب جلس معنا شاب من اللجنة المركزية فأخذناه معنا ... وحسين سلطان هرب أيضا ً ... !! شكرا ً يجاسم ،شكرا يمجموعة القيادة على هذا الكرم الحاتمي إذ سمحتم( للمسكين حسين سلطان بالهروب وأخذتم الشاب من اللجنة المركزية معكم) ؟ . هنـا تحاشى الأستاذ (أبو يمامة) أن يشير الى بيانه الذي أصدره عشية هروبه وفحواه ( لقـد قمنا بحفر نفق في سجن الحلة وأردنا الهروب ، لكن قطب اليمين حسيـن سلطـان أراد منعنا وكشف النفق للسلطة !!)... عذرا لا أريد مناكدة العزيز أبو يمامة فهو أستاذي الذي درّسني الاقتصاد السياسي في سجن نقرة السلمان ، وعندما انحاز إلى جانب القيادة المركزية ونحن في سجن الحلة ، كان لي نقاش معه حول شرعية الانشقاقات في الأحزاب الشيوعيـة ؟ .
ليتســع صدر الأستاذ أبو يمامـة بالاطلاع على الحقائق التالية ،وباختصار كبير :
كان السجناء السياسيون في سجن الحلة يفكرون في تنظيم عملية هروب جماعي من السجن ، وشخصوا المكان المناسب للعملية وهو بالوعة التواليت الموجودة في الغرفة الصغيرة التي استعملت كصيدلية من قبل السجناء ، ((تقع تلك الغرفة في جناح المستشفى في القلعة الجديدة .وذلك الجناح يتكون من أربع غرف متقابلة وفي الأخير غرفة صغيرة مقسومة الى قسمين،الأول للصيدلية والأخرى الداخلية ، من جهة الجنوب تستعمل كتواليت .وبذلك يكون جناح المستشفى يشكل حرف "
U " وعندما الغي ذلك الجناح كمستشفى ،عند اكتضاض السجن تحوّل الى سكن عادي للسجناء .وتتوسط الغرفة الصغيرة غرفتين هما الغرفة رقم 7 من اليمين والغرفة رقم 13 من اليسار ،ولكل من الغرفتين باب يفتح على الغرفة الصغيرة ،إضافة الى باب رئيسي آخر لكل منهما يطل على ساحة السجن .))
ألغيت فكرة الهروب تلك من ذلك المكان لعدم القدرة على صيانة سر الحفر ، ذلك المكان أشار له الرفيق سالم (وهو شاب من السماوة،كريم العين ) ، في الجلسات المسائية في آذار/1967 مع حسين سلطان .
كان حسين متحمسا ًجداً للهروب الجماعي وذلك لغرض سياسي يتمثل في اهانة السلطة ،وتخليص مناضلين من القيد ،للالتحاق بصفوف الحزب .ومن جانب آخر كان السجناء الّذين نقلوا من سجن نقرة السلمان الى سجن الحلة إضافة الى بعض السجناء في نفس السجن فكروا بالهروب من مكان المطبخ وأجروا الترتيبات التي كانوا يرونها مناسبة لذلك .لكن المكان لم يكن مناسبا فتعطلت الفكرة(وقد عرف حسين سلطان ذلك منهم) ... نقل حسين سلطان الى سجن الحلة ، ولم يحالفه الحظ في الهروب في الطريق ، فعينت له الهيئة الإدارية في السجن مكانا في الغرفة رقم 6 في القلعة الجديدة . عندها عاين المكان فوجده حسب المواصفات التي أشار إليها ســالم .
فاتح حسين سلطان الحزب واقترح تنظيم عملية هروب جماعي ، وان يكون مكان الحفر من احد البيوت القريبة من السجن ، فالعملية تكون أسهل كثيرا ،لكن لم يستلم جواب ( لان قيادة الحزب آنذاك مشغولة بمشاكلها الداخلية ) أي قبل الانشقاق ، فقرر أن يأخذ العملية على عاتقة ،فاختار 20 رفيقا بمواصفات خاصة، وعقدت جلسة في إحدى قاعات القلعة القديمة ..لم ينجح الاجتماع ،لقـد سفّه العملية احد الكوادر الحزبية المعروفة وطلب إلغائها ...
فـــي نيسـان اختار سبعة رفاق وقد فاتحهم على انفراد وهم كل مـن :
ملازم فاضل :محكوم عشرين سنة لمقاومته انقلاب شباط الأسود في معسكر سعد .
كمال كماله : رسام ونحات ،كادر طلابي معروف في مدينته دهوك ،محكوم 20 سنة .
حافظ رسن : محكوم 20 سنة ، كما كان يبدو ،
مجيد : من أهالي الكاظم ومن مقاومي شباط الأسود محكوم20 سنة .
عقيل حبش : طالب من الناصرية .
اخو عقيل : اضن انه كان عسكري .
سعيـد تقي : كادر عمالي ، احد مسئولي نقابة عمال الزيوت النباتية ،محكوم 20 سنة ،مكلف من قبل تنظيم السجن باستلام الأرزاق .
وقبل البدء بالعملية ، حسبت كمية التراب وأين توضع استنادا الى حجم النفق ، وكذلك المسافة من الغرفة الصغيرة حتى السياج الخارجي الجنوبي للسجن ،حيث مرآب السيارات ،تم ذلك بمساعدة المهندس عـلي حسين سالم ... نقلت محتويات الصيدلية الى إحدى غرف القلعة القديمة . وفي إحدى ليالي نيسـان ،بعد منتصف الليل تسرب الحفارون الى غرفة النفق وتناول حسين سلطان أل ،، هيـم ،، ورفع غطاء البالوعة قائلا : ماركس انجلز لينين ، تيمنا بما قاله رفاقنا في سجن الرمادي عندما أرادوا حفر بئر للماء ، بعد إن قطعت عليهم إدارة السجن المـاء ،أثناء اعتصامهم . من هنا الطريق الى الحزب ..!!
معالجــة التراب :
صنع صندوق كبير من ، الفايبر ،بطول غرفة النفق وبعرض منتصفها ، واحتياطا خيطت بطانية سوداء على شكل اسطوانة . وضع الصندوق بملاصقة الغرفة رقم 7 وبذلك سُدَّ بابها المطل على غرفة النفق .أما الباب الآخر أي باب الغرفة رقم 13 فيمكن فتحه عليها ..... حسين سلطان يتمشى في الساحة يراقب الحرس آو أية حركة مشبوهة ، طيلة بقاء الحفارين في أداء مهمتهم .
أمــا عيــن الحفارين ومجستهم في إدارة السجن فهو سعيد تقي ، فكان يخرج الى إدارة السجن مع بدء الدوام الرسمي وحتى انتهائه ...كان الحفارون شديدي الحرص على سرية مهمتهم ،تلك التي لا يعرف بها غيرهم بما في ذلك لجنة تنظيم السجن والهيئة الإدارية ، إلا ما ندر .
فــــي 25 / أيلول / 1967 أذاع صوت الشعب العراقي نبأ الانشقاق ، بسطو رمزي ( عزيز الحاج ) وآخرين وأخذهم مطبعة الحزب واحتجازهم جندل ( زكي خيري ،عضو المكتب السياسي للحزب )...بادرت منظمة السجن بإرسال برقية تدين فيها الانشقاق ،وتؤكد وقوف الشيوعيين في السجن الى جانب اللجنة المركزية ...
فــي1،2 /10/ كانت الزيارات الاعتيادية للسجناء من قبل عوائلهم ؛ فجاءت وثائق المنشقين (( اجتمع الكادر المتقدم في الحزب وقرر طرد العناصر اليمينية وتطهير قيادة الحزب منهم ...الخ )) .انحاز اغلب السجناء إلى جانب الانشقاق وبضمنهم كوادر حزبية معروفة ، أما الأقلية ومعظمهم من الرفاق من ذوي الخبرة والذين يتمتعون بوعي عالي ،وقفوا إلى جانب اللجنة المركزية(وأنا منهم) ... استفدنا من تجارب الانشقاقات الماضية، فمنعت المهاترات والطعون ، قدر المستطاع لسد الطريق أمام إدارة السجن التي هللت للحدث . قسمنا قاعات السجن، وصارت لجنتا تنظيم حزبي ولجنة إدارية واحدة من ثمانية أشخاص، 5 من القيادة المركزية و3 من اللجنة المركزية (وكنت احدهم).
تــوقف الحفر في النفق تماما بعد الانشقاق وانحاز اغلب الحفارين الى القيادة ولم يبق منهم مع اللجنة المركزية سوى مجيد والمشرف على النفق سعيد تقي وحسين سلطان . ومن هنا عرف الآخرون من اللجنتين بسر النفق . وعبر مفاوضا ت تقرر مواصلة العمل ـ الحفر ـ على أن تكون نسبة الهروب 6 من مجموعة اللجنة المركزية و18 من مجموعة القيادة المركزية ، ومثّلَ مجموعة القيادة حافظ رسن ومثل مجموعة اللجنة المركزية حسين سلطان نفسه .وصارت اللقاءات مستمرة بينهما في هذا المجال .
استمر العمل كالسابق ، وبعد فترة اختنقت غرفة النفق بالتراب ، وصار الخوف من انهدام النفق من ثقل التراب . وبعد دراسة ونقاشات ومقترحات مطولة وانتظار مُمـِل ، تم الاهتداء إلى فكرة الطلب من إدارة السجن بالموافقة على شراء خشب (على حساب السجناء )لعمل كابينتين واحدة لعمل الشاي والأخرى لكي الملابس ،فحصل سعيد تقي على الموافقة وكذلك على إدخال كمية من التراب والتبن لوضعه فوق سطحيهما ( وليس على سطح السجن !) ...بُنيت الكابينتان بملاصقة غرفتي جناح المستشفى المذكور من جانب القاعة رقم 7 ، نقل التراب الزائد من غرفة النفق تحت جنح الليل إلى التراب الممزوج بالتبن قرب الكابينتين .
فــي مسـاء يوم 7 /11 /1967 رجع محمود ،، معلم من الناصرية ، من مجموعة القيادة المركزية ،،من المحاكمة في بغداد ولا ندري ماذا كان يحمل معه إلاّ إننا فوجئنا بحشد كبير في الغرفة رقم 13 المجاورة للنفق كما بيّنا ، وفي الساعة السابعة قطع التيار الكهربائي ...ذهب مجيد، احد الحفارين ،، إليهم فطردوه وأهانوه ، ثم ذهب إليهم حسين سلطان نفسه فسحب عليه احدهم ( وهو من أهالي الموصل ) خنجرا وأراد ضربه ومنع ، وهنا ثارت ثائرة حسين وتناول أل ( هيـم ) وكسر قفل غرفة النفق وقـال :
ـ لماذا خرقتم الاتفاق، لماذا تريدون الخروج وحدكم ؟... إن الذين سرقوا الحزب بالسطو على مطبعته واحتجاز احد قادته، ليس صعبا عليهم خرق اتفاق مع مجموعة صغيرة... ! سأغلق النفق ولا أدعكم تخرجون للتخريب ..!!
ســاد القلعة الجديدة جو من التوتر الشديد ، وصارت أية مماحكة تؤدي الى كارثة .كـان الوقت يحسب بالثواني ، ذهب مظفر النواب وحسين ياسين وحافظ الى حسين سلطان تباعا ً فطردهم بكلمات غير لائقة ، ثم تدخّل صـاحب الحميري وتكفل تنفيذ الاتفاق .
مـن جانب مجموعة اللجنة المركزية عُيّـن َ سعيد تقي مشرفا ً على هروب المجموعة، وكان الهروب واحدا من القيادة المركزية يليه واحدا من اللجنة المركزية وهكذا... ولدى خروج العنصر السادس من مجموعة اللجنة المركزية ،انتهت مهمة سعيــد فانسحب .هرب من مجموعة اللجنة :حسين سلطان صبي عضو اللجنة المركزية وعبد الأمير سعيـد وهو كادر عمالي وقد استشهد ببطولة ,لطيف ألحمامي كادر حزبي من الناصرية، الشاب مجيـد التحق بالهيئات العمالية للحزب ، حازم الجماس من أهالي الموصل وشخص أخر لا أتذكر اسمه ...
من جانبنا شكلنا لجنة تنظيم وأخرى احتياط خاصة بنا.وأتلفنا الوثائق التي قـد تقع في أيدي العدو، تحسبا ً لما سيحدث وأصدرنا توجيهات لرفاقنا حول محتوى الإفادة في حالة الاستدعاء للتحقيق. فهل يتذكر ذلك الإخوة الذين كتبوا أو تحدثوا عن النفق ؟؟
وأخيرا ً أقول وأنا واثق من نفسي : إن نفق سجن الحلة ما كان من صنع القيادة المركزية ، لست مدافعا عن اليمين واليمينيين ، فتاريخ حزبنا ( والحمد لله ) مليء بالانعطافات اليسارية واليمينية ، لكن التصحيح يتم في كل مرّة من داخل الحزب وليس من خارجه . وحتى حسين سلطان كان متطرفا يسارا مرّة ولدي وثائق تثبت ذلك ، ومتطرفا ً يمينا مرة أخرى ـ خط آب ـ المقيت ولكن ليس وحده، بل ، شاركه الرأي والتوقيع على ذلك البيان المشئوم قادة آخرون ذهبوا مع الانشقاق وصاروا ثوريين،، للكَشر،، ثم استسلموا للنظام الذي رفعوا السلاح لإسقاطه ، وفي مقدمتهم مسئولهم وقائدهم عزيز الحاج الذي انهار وطلب الغفران قبل أن يلسعه سوط الجلاد ...
وأخيرا ً أحيل القارئ العزيز ، إن رغب ، إلى موقع الناس ( http://www.al-nnas.com ) تحت باب ذكريات وبعنوان ـ القيــد وأناشيــد البطـولة وقصة نفق سجن الحلـة ـ )

نعيم الزهيري
12 /11/2006
ملاحظة هامة :
نشر الأخ الكاتب محمد علي محي الدين، موضوعا بعنوان " دور منظمة الحلة في عملية الهروب " في موقع الحوار المتمدن، بتاريخ 3/8/2008. وقد رد عليه الكاتب جاسم محمد مطير بمقال نشر في موقع الناس 1/5/2008(ومواقع أخرى) ، تحت عنوان " بيان 111صادر عن الهاربين من سجن الحلة " ... وبما إنني كنت احد السجناء في سجن الحلة آنذاك ، ولدي معلومات موثقة عن عملية النفق وقد نشرتها في موقع الناس ومواقع أخرى ، وبخصوص ما كتبه الأخ الكاتب محمد علي محي الدين قد جاء طبقا للمعلومات التي استقصيتها من الرفاق في منظمة بابل عندما كنت هناك ، وبالأخص الرفيق سامي عبد الرزاق ، أبو عادل، الذي تربطني وإياه علاقات تنظيمية ... أقول : إن دور منظمة الحلة آنذاك كان دورا مبدئيا ورائعا ، وان ما كتبه الأخ الكاتب المذكور لا تشوبه أية شائبة ...

نعيم الزهيري / أبو واثق 5/5/ 2008


محمد علي محي الدين
7-5-2008



قصة النفق والهروب من سجن الحلة



أتماما لما نشرناه سابقا عن عملية الهروب من سجن الحلة وعملية حفر النفق رأينا أثبات شهادة الفقيد حسين سلطان عضو اللجنة المركزية سابقا والذي كان مشرفا على العملية كما جاء في مذكراته،وسننشر في حلقات قادمة شهادة الأستاذ علي عرمش شوكت عن العملية ،واللقاء الذي أجراه الأستاذ صباح كنجي مع أحد العاملين في حفر النفق وما يردنا أو يتوفر لدينا من معلومات جديدة على ضوء الشهادات التي أوردها المشاركين في عملية الهروب،وسنقوم بعدها بدراسة هذه الأقوال وطرحها على بساط البحث للوصول الى الحقيقة وآمل ممن تتوفر لديه أي معلومات جديدة الإدلاء بها خدمة للحقيقة والتاريخ،وربما سنقوم بجمع هذه المقالات والمعلومات في كتاب يتحدث عن هذه العملية المثيرة في تاريخ السجون العراقية،وتمثل صفحة لامعة من صفحات النضال للشيوعيين العراقيين،الذين قدموا الكثير في نضالهم التليد لبناء وطن حر وشعب سعيد،وعسى أن تكون هذه الصفحة تتمة للسفر اللامع لكل من ناضل من أجل وطنه وشعبه لا طمعا بمنصب أو جاه وإنما أيمان بسلامة الأهداف والمبادئ التي ناضل ولا يزال يناضل من أجلها الشيوعيين العراقيين،بعد أن ظهر أنهم أصدق العاملين في الساحة العراقية،وأكثرهم بعدا عن المطامع ،بما سطروا من آيات البسالة والتضحية والفداء والنزاهة التي أصبحت مثلا أعلا لكل العاملين في الحقل السياسي ،ولم يجحدها حتى الأعداء الموتورين.
يقول الراحل حسين سلطان في مذكراته:
(نقلت الى سجن الحلة في بداية أو أواسط نيسان عام 1967 وقبل مغادرتي سجن نقرة السلمان بأيام كنا في قاعة مجموعة من الرفاق نتحدث في مواضيع شتى ومنها الهروب وقال أحد الرفاق : ) إننا سعينا في سجن الـحـلة قبل نقلنا الى حفر نفق من غرفة الصيدلية وهي تقع بين ممـرين ( قاووشين ) كبيرين في القلعة الجديدة وحفرنا بالعمق ما يقارب الـمـتر إلا إننا اضطررنا في ظروف معينه الى غلقه ( بصبة من السمنت )) وأردف قائلاً موجهاً كلامه لي : ( سوف تلاحظها إذا وصلت سجن الحلة الـغـرفـة كلها كاشي أرضيتها وستجد مساحة من السمنت تلك هي الحفرة ) . هكذا قال أحد الرفاق في حديث عرضي ، إلا إني كنت منتبهاً إليه بكل جوارحي وكانت عندي فكره سابقة إن سجن الحلة فيه إمكانية جيدة للهروب حيث تحيط سور السجن بيوت أهليه لا تبعد عن غرف السجن إلا بضعة أمتار ومثل هذه الإمكانية مغرية لمن يفكر بحفر نفق للهروب . وعند وصوليٍٍٍٍٍٍ الى سجن الحلة طلب الرفاق أعضاء لجنة السجن أن أخفي وجهي عن السجانين أثناء التعداد ، أنام وأغطي وجهي ولا أذهب الى الدائرة ولا أقترب من السجانة إذا كانوا داخل السجن ، كل ذلـك مـن أجـل أن لا يـتـعـرفوا على ملامح وجهي بصوره جيدة لوجــــود إمكانية لهروب رفيق واحد مع المواجهين ، وعملت بهذه الوصية . ويوم وصولي الى سجن الحلة كتبت رسالة الى قيادة الحزب ، طلبت فيها أن يأتيني شخص ثقة لأن لدي مشروع ( . . . ) وهذا المشروع يتطلب مساعدتكم . وقلت من الأفضل أن يكلف للإشراف على هذا المشروع آرا خاجادور حيث كنت فاهما عنه انه يميل لمثل هذه الأعمال ولكن أحيانا يكون الفرق كبيرا بين الأقوال والأفعال . وبعد أسبوعين كتبت رسالة ثانية ، تأكيدا على الأولى ، وانتظرت الى أواسط أيار 1967 ولم يأت أي جواب ولذا قررت أن نأخذ القضية على عاتـــــــقـنـا ونعتمد على أنفسنا . وأنا أفكر من أفاتح من الرفاق بهذا المشروع الخطير حيث إني لم أعرف أحداً من أعضاء اللجنة معرفة سابقة. ومعرفة شهر أو شهر ونصف لا تكفي. وقبل أن أفاتح أحداً من رفـــــاق اللجنة بالموضوع ، وصلنا حافظ رسن منقولاً من سجن نقرة السلمان وكانت لي معرفة جيدة بحافظ عندما كان في الخارج وحين وصوله انضم الى لجنة السجن بحكم مكانته الحزبية . وكان قوام لجنة السجن في ذلك الوقت ، الرفاق التالية أسمائهم :
1) المحامي الرفيق نصيف جاسم الحجاج ، كان مسئول اللجنة قبل وصولي .
2) الرفيق كمال شاكر
3) الرفيق محمد ملا عبد الكريم
وهؤلاء الثلاثة كانوا على وشك انتهاء محكومياتهم .
4) حسين ياسين
5) رفيق لا أعرف اسمه كنا نلقبه ( أبو الدناديش ) لكثرة صلاته الفردية .
6) الرفيق حافظ رسن
7) كاتب هذه السطور
وتم اختيار الرفيق حافظ رسن لتلك المهمة استناداً الى المعرفة السابقة وقبل أن أدخل في صلب الموضوع ، لابد من الإشارة الى الخطة التي كانت تراودني والتي راسلت الحزب من أجلها وهذا ملخصها :إيجار بـيـت مـن البيوت الملاصقة لسور السجن . وبعد ضبط المقاييس يبدأ حفر النفق من ذلك البيت باتجاه أحدى غرف السجن وعند إكمال العمل تقام حفلة عرس وهمية في ذلك البيت مساء اليوم المقرر للهروب وآخر سيارة تنقل أصحاب البيت وكل من له علاقة بالأمر . وبذلك نجعل جميع إدارة السجن وأفراده تتحول من سجانين الى سجناء يندبون حظهم العاثر . ولكن هذه ألخطه لم يكتب لها شيء من التطبيق أو النجاح وذلك بسبب ــ على ما أظن ــ إن قيادة الحزب كانت مشغولة بجماعة عزيز الحاج واشتداد الصراع بين مؤيد ومعارض وجميع الأمور الأخرى كانت تعتبر ثانوية . وهناك من اعتاد أن يكون بعيداً عن ساحة المعركة الفكرية ــ بعيداً عن الوطن ــ ينتظر النتائج وله الحـاصل وهذا ما تكرر في أكثر من مرة. وفي أواسط أيار 1967بدأت بالعمل بالاعتماد على النفوذ والإمكانات المتوفرة بعد التأكد من وضع الصيدلية كما ذكر الرفيق في حديثه في سجن نقرة السلمان . اختليت بالرفيق حافظ رسن ، وفاتحته بالأمر عن إمكانية فتح نفق لتحرير أنفسنا ، وأعطيته تصوري عن تلك الإمكانيات المتوفرة فأيدني بحماس وقوة وبقينا عدة أيام نتدارس الموضوع من كل جوانبه نظرياً وعملياً وأخيراً بدأنا بدراسة التفاصيل من حيث تحديد المكان وضبط المقاييس وتشخيص العاملين والأدوات التي تستخدم وعن الضبط وسرية العمل وتطرقنا بصورة عابرة الى تصريف التراب المستخرج من النفق . وبالتالي حددنا مكانا جديدا لنقل الصيدلية إليه وإفراغ مكانها القديم لنبدأ العمل به وبررنا ذلك أمام اللجنة إن لنا شغله خاصة بتلك الغرفة ، لإخفاء بعض الوثائق الخاصة ولإعطاء القارئ فكره عن تلك الغرفة ، حيث كانت في يوم ما هذه الغرفة غرفة عمليات جراحية عندما كان هذا القسم مستشفى تابع للسجن وتلاصق هذه الغرفة قاعتين كبيرتين أحدهما تمتد نحو الجنوب والثانية نحو الشمال ، وكل من القاعتين لها باب تؤدي الى هذه الغرفة ولكن بعد أن تحولت المستشفى الى قلعة سجنيه أغلقت تلك الأبواب المؤدية الى غرفة العمليات وأقفلت بمسامير حديدية كبيرة بحيث يصعب فتحها إلا بجهود كبيرة . ويمتد غرب هذه الغرفة ممر عريض على كل جانب منه ثلاثة أو أربعة غرف وينتهي في وسط ساحة القلعة ويقع شرق هذه الغرفة سور السجن الأول ويليه السور الثاني وبعده يأتي كراج كبير لسيارات الحمل . ومساحة تلك الغرفة لا تزيد على ( 20 ) متراً مربعاً وكانت الاجتماعات واللقاءات بيني وبين حافظ رسن تكاد أن تكون متواصلة حتى جلبت انتباه البعض وخاصة من أعضاء اللجنة وكنت أشير أحيانا أمام أعضاء اللجنة من إن علاقتي بحافظ رسن قديمة وجرت خلالها أحداث كثيرة والغاية تغطية تلك اللقآت الكثيرة . وعندما احتجنا صرفيات لشراء بعض اللوازم وكان مسئول المــــــــالية الرفيق نصيف جاسم الحجاج لا يصرف أي مبلغ إلا بعد إبلاغه بصرفه مع تبيان وجه الصرف ولما كان وجه الصرف لا يمكن كشفه ، أبلـــــغت الرفيق نصيف أن يصرف أي مبلغ يطلبه حافظ رسن ، وذلك لأغراض كلفنا بها الحزب ولها علاقة بمنظمة الحلة . على أن يخبرني أولاً بأول عن المبلغ المدفوع وعندما يقدم المالية الشهرية أمام اللجنة يشير الى المبلغ المصروف بأنه دفع الى الحزب . واخترنا للعمل في النفق رفيقين الى جانب حافظ رسن وهما : الرفيق مجيد الملقب (جدو ) وهو من كادحي الكاظمية ــ لا أعرف اسم أبيه ــ إلا انه عمل في مقر اللجنة المركزية لحزبنا الشيوعي العراقي أثناء الجبهة وعمل في مقر منظمة بغداد أيضاً وأخيرا عمل في مطبعة الرواد . والثاني على الأكثر اسمه فاضل وهو ضابط عسكري متوسط القامة ، أبيض اللون تعلو وجهه البشاشة دائما إن هؤلاء الثلاثة كانوا أبطالاً حقيقيين من حيث الجهادية ونكران الــــذات ، كانوا يعملون ليل نهار بلا كلل ولا ملل يتقدون حماساً من أجل إنجاز المهمة المكلفين بها بكل شرف وأمانة .
بدأنا العمل الفعلي بالنفق في نهاية أيار أو بداية حزيران من عام 1967 وبينما كنا في غمرة هذا العمل والتحضير له ، كانت هناك أحداث تشغل كل المنطقة والعالم أيضا بالتوتر الذي نتج عن الأعمال الاستفزازية الإسرائيلية وعن موقف مصر بقيادة جمال عبد الناصر بوجه تلك الاستفزازات وخلال أيام من تصاعد الأحداث نشأت فكرة تـحـريـر أنـفـسنـا من السجن بطريقة أخرى إذا وقعت الحرب بين العرب وإسرائيل ، إلا إن تلك الفكرة وطريقة تحقيقها لا يمكن أن تنجز ببضعة أفراد بل هي تحتاج الى مجهود كل السجناء الشيوعيين وخاصة الكوادر منهم . والفكرة التي نضجت لدينا هي الاستيلاء على إدارة السجن وقواته الحارسة والإمكانات كانت متوفرة تماما لمثل هذا العمل . ولأن جميع أعمال السجن الإدارية كانت بيد رفاقنا ، مثلا استلام القادمين الى السجن وتسليم الخارجين منه واستلام الأرزاق والمحاسبة مع المقاول واستلام النداءات الداخلية والمخابرات الخارجية ، والى جانب كل هذا كان معنا عدد كبير من ضباط الجيش العراقي سجناء ومن بينهم ضابط كبير هو الزعيم إبراهيم الجبوري ( الملقب بـ الخال ) وهؤلاء في أغلب الأوقات يتواجدون مع المدير أو مع مأمور السجن ويجري تعداد السجن مرتين في اليوم الأول في الساعة التاسعة صباحا والثاني في الساعة الرابعة بعد الظهر، ويدخلون الى داخل السجن كل ضباط الصف مـــــــن رئيس العرفاء الى اصغر رتبة ولم يبق في إدارة السجن إلا نفر أو نفران فقط . وكان ملخص ألخطه هو : القيام بعملية الاستيلاء على إدارة السجن خلال عملية التعداد ، وقسمت الخطة الى قسمين الأول منها يبدأ بعملية الاستيلاء على القوة الداخلة للتعداد وعندما تدخل الى أبعد قاعة عن الإدارة حتى لا يسمع صوت أو حركة وهم لا يزيد عددهم على عشرين شخصا وبالإمكان أن نجهز لهم ( 80 ) مناضلا في القاعة الكبيرة ويدعمون بعدد آخر عند الحاجة . وخلال تلك اللحظة يبدأ القسم الثاني من الخطة حيث يقوم الرفاق الضباط ومن معهم من الرفاق العاملين في الإدارة بالاستيلاء على المدير والمأمور إذا كانوا في الإدارة ومن معهم من النفرات وإلحاقهم بالمحجوزين في القاعة الكبيرة وحينذاك نستولي على مشجب السلاح ويرتدي بعض الرفاق الملابس العسكرية لاصطياد بعض السجانة الذين هم خارج السجن وإلحاقهم بجماعتهم . وأفضل وقت للحركة هو في تعداد الساعة الرابعة بعد الظهر ويمكن إذا نجحت الحركة تسريب عدد من الرفاق في تلك العصرية أما إذا كلكل الظلام يمكن في كل ساعة إخراج ( 100 ) شخص وكان مجموعنا لا يزيد على ثلاثمائة مناضل ، عدا السجناء العاديين وهم محجوزين في قلعة على انفراد ، هذه هي أوليات الخطة . إلا إني أقول وقعت الحرب علينا أن نفكر بتحرير أنفسنا عن طريق الاستيلاء على إدارة السجن وكانت الآراء غير منســجمـــة حول الفكرة لأسباب توضحت فيما بعد ، علما إن جميع أعضاء اللجنة لا يعرفون بموضوع النفق عدا حافظ رسن . وكما ذكرت سابقا إن مثل هذا العمل لا يمكن الإقدام عليه بعدد قليل من الرجال وكان التقدير الأولي هو انه نحتاج كحد أدنى الى مائة مناضل يتحلون بضبط عسكري وموحدين في الإرادة والعمل . وكان بيننا ما يزيد على ( 50 ) ضابطاً وضابط صف . وكنت أفكر بالقيام بمشاورات فردية مع الكوادر لغرض إنضاج الفكرة إلا إن الوقت أدركنا حيث طلب جمال عبد الناصر من الأمم المتحدة ، أن تسحب قواتها الفاصلة بين مصر وإسرائيل وفي ذلك اليوم وجهت دعوه الى كافة الكوادر الحزبية الموجودة في السجن وكان عددهم لا يزيد على عشرين رفيقاً بما فيهم أعضاء اللجنة الى اجتماع خاص . وكانت النية أن أطرح عليهم الفـــكرة ، ولأن مثل هذا العمل من أول مستلزماته أن يوافق عليه الكادر الموجود وعند المساء تم عقد الاجتماع ، وافتتحت الجلسة بكلمة استغرقت ما يقارب من عشرين دقيقة بدء بموضوع الضغوط الامبريالية على مصر بهدف تغيير سياستها أو الإطاحة بجمال عبد الناصر والأداة الفعالة بالضغط هي إسرائيل وختمت الحديث إن الحرب على ما يبدو آتية . فهل هناك من إمكانية لتحرير أنفسنا من السجن ، وقلت يجب أن نبحث هذا الموضوع من كل جوانبه ، وقد تعقد عدة اجتماعات لهذا الغرض من أجل أن نتوصل الى أفضل المقترحات هذا ما رغبت عرضه أيها الرفاق وبعد لحظات من الصمت طلب الكلام مظفر النواب وموجها كلامه نحوي بصيغة سؤال ، قائلاً : هل تعتقـــــد يا أبا علي أن هناك حرباً ستقع وأردف قائلاً : أن العميل الأمريكي جمال عبد الناصر ، بعد أن فشلت سياسته في المحيط العربي ، وهو يعاني العزلة ولذا تحاول الامبريالية الأمريكية أن تعيد له بعضا من بريقه السابق عن طريق هذه الألاعيب ( وفي الحقيقة أن هذا معنى الحديث وليس نصه ) . وبعده طلب الكلام الفريد سمعان وكان أكثر شدة من صاحبه في العرض حيث قال : إن إسرائيل لا تجد في المنطقة أفضل من جـمـال عـبـد الناصر وسياسته وتكلم كثيرا وختم قوله ( لا حرب ولا هم) . وتكلم الكثير من الرفاق ، ولكن الحديث أصبح إطاره هل تقع الحرب أم لا وهل جمال عبد الناصر وطني أم عميل . ولم يتطرق إلا القليل الى لب الموضوع . وتبين لي من خلال تلك الجلسة إن عدداً غير قليل من الحاضرين في ذلك الاجتماع يناصرون أفكار عزيز الحاج . ويعتبرون إن أغلبية قيادة الحزب يمينية ودليلهم على تلك اليمينية لهذه الأغلبية ، حيث لها موقف من القضايا القومية ولذا يناصرون جمال عبد الناصر ويعلقون عليه الأمل . واستمرت أحاديث الرفاق بهذا الاتجاه أو باتجاه معتدل الى ساعة متأخرة من تلك الليلة وقبل انقضاء الاجتماع كان حافظ رسن جالسا الى جانبي همست بإذنه قائلا : ( نبقى بشغلتنا أفضل بكثير ) ، وتبادلنا الابتسامات . وأعلن عن انتهاء الاجتماع دون أن تطرح أية فكره عن تحرير أنفسنا . بل وتحول الحديث الى الانجرار الى السياسات القومية . وعن المواقف اليمينية بكلمات يسارية متطرفة خالية من أي محتوى في الحياة العملية . حقا إن المناضلين الذين يذهبون بعيداً بالتــــــــطرف اليساري يجدون كل اليسار يمينهم . ويقال إن ثوار الملايو في الستينات عقدوا مؤتمراً وتوصلوا في تحليلاتهم عن سياسة الصين حيث اعتبروا في ذلك الوقت سياسة ماوتسي تونغ ، إنها سياسة يمينية ( وعلى هذا النغم جيب ليل و خذ عتابة ) .وهكذا وضع المشروع على الرف ، وبعد بضعة أيام بدأت الحرب ويوم استقالة جمال عبد الناصر ، جاء بعض الرفاق ممن كانوا حاضرين الاجتماع المشار إليه أعلاه يخبرني بأن مظفر النواب نائم على وجهه ويبكي ، قلت لهم إن مظفر يبكي على نفسه ولا يبكي على أحد . والمهم خلال الحرب نشطنا سياسياً في تلك الفترة في تقديم المذكرات والمطالبة بإطلاق سراحنا للمساهمة في معركة الشرف ، وخاصة رفاقنا الطيارين العسكريين الموجودين في السجن ، وعلى كل حال بعد أسبوعين عاد كل شيء الى وضعه الطبيعي في داخل السجن ، وبعد فترة أخذنا نواجه مشكلة تصريف التراب الذي نخرجه من النفق وأصبحت هذه المشكلة تضايقنا يوما بعد آخر ، وخلال حزيران وتموز استخدمنا عدة طرق لتصريف التراب . كنا نجمع علب الصابون الفارغة ونملؤها بالتراب ونـرمـيـها فـي بـرامـيل الزبـل ورمينا كمية قليلة من التراب في مجاري إلا إن المجاري سدت ونرمي كمية من التراب مع فضلات المطبخ ولكن كل ما كنا نصرفه من التراب يوميا وفي مختلف الوسائل لا يزيد على صفيحة من التراب ، في حين كانت طاقة العمل تستخرج ما يزيد على عشرين صفيحة من التراب يوميا . لذا كان يخزن التراب في غرفة النفق بعد أن عملوا الرفاق أكياسا كبيرة من البطانيات تملأ بالتراب ويوضع بعضها فوق بعض حتى امتلأت الغرفة من الأرض والى السقف . وفي أواسط آب 1967 على ما أتذكر توقف العمل في النفق لأن لم يبق مجال في الغرفة لأي كمية من التراب ، وأصبح حتى الوصول الى فتحة النفق فيه شيء من الصعوبة . ما العمل ونحن نشعر بوجع الرأس من خلال طيلة ثلاثة أشهر من التشاور في هذا الموضوع بين الرفاق العاملين في النفق من جهة ، وبيني وبين حافظ رسن من جهة أخرى . وجاء مقترح من العاملين في النفق ، أن نفرغ جميع الأفرشه ــ الدواشك ــ من القطن ونملؤها بالتراب . فرفضنا هذا المقترح كما رفضنا العديد من المقترحات غير العملية . أو التي تؤدي الى كـــشـــــف العمل برمته . وبقينا مشدودين الى تلك المعضلة نفتش عن حل حتى وان كان جزئيا وبطيئا فلم نجد حلا لمشكلة التراب المعقدة والتي نعاني منها أشد الآلام حيث لم ينجز من النفق الا ما يزيد على ثمانية أمتار وأمامنا ما يزيد على خمسة أمتار أخرى يجب انجازها ولكن أين نذهب بترابها . وبقينا ما يقارب من نصف شهر في حالة لا نحسد عليها وشعرت ان حالتي الصحية ازدادت سوءا بسبب ذلك التوتر العصبي والغذاء الرئيسي كان الشاي والسجائر فقط وقطعت التدخين استعدادا لمقتضيات الهروب . وفي أحد الأيام ــ وعلى ما أظن في مطلـع أيلول ــ جاءني حافظ رسن ، وهو يبتسم من بعيد ابتسامة ألفرح وعندما جلس بقربي قلت له : بشّر . قال: والله عثرنا عليها وأخذ يشرح لي المقترح . ومن أجل إيضاح المقترح للقارئ . أشرنا أعلاه : يوجد أمام باب غرفة النفق غرباً ممر عريض وعلى كل جانب منه ثلاثة أو أربعة غرف وفي الجانب الجنوبي من تلك الغرف وعلى جدارها الخلفي عندنا ما يشبه الغرف مبنية هياكلها من أنابيب الماء والبطانيات . واحدة منها معدة للحلاقة والثانية لكوي الملابس ، والثالثة مـخزن والرابعة مقهى .
وكان المقترح : أن نقوم هياكل هذه الغرف بأخشاب متينة للقوائم والسقف ونقدم طلباً للإدارة من إننا نريد أن نلبخ تلك الغرف بالطين حيث قادم علينا الشتاء ونطلب سيارة من التراب وكمية من التبن لهذا الغرض . وعندما نكمل الهياكل الخشبية ونستر الغرف من كل جوانبها ونخلي أحدى الغرف القريبة من غرفة النفق من سكانها ، حينذاك نبدأ بنقل التراب من غرفة النفق عبر الغرفة المجاورة ومن الشباك نرمي التراب الى أحدى الغرف المراد لبخها بالطين . إن هذا المقترح أنقذ الموقف وأخرجنا من حالة الى أخرى مفرحة ويؤسفني لم أتذكر من هو صاحب المقترح من الرفاق الثلاثة . أهو الرفيق فاضل . أم هو الرفيق جدو وقد يكون حافظ رسن هو صاحب الاقتراح . ولا بد أن يكون الجميع ساهموا بجعل المقترح أكثر كمالاً . وذات يوم قدمنا طلبا الى مقاول الأرزاق عبر الإدارة عن كمية الخشب التي نحتاجها لقيام هياكل الغرف وأجلنا بقية خشب السقف الى وقت آخر ولأن مجموع الكمية تلفت النظر وبعد أسبوع قدمنــــا طلباً لخشب السقـف ولعدد من لوحات البلـــيــــت ( الجينكو) المضلع للسقف أيضا . وطلبنا سيارة كبيرة من التراب وكمية من التبن وأوضحنا الغرض منها . وبسرعة فائقة أكمل هيكل الغرف وانتقل العمل الى السقف . وأدخلنا جميع التبن وعربتين من التراب فقط وترك البقية من التراب في الشارع يلعب عليه الأطفال وعند إكمال السقف وغلق أبواب الغرف الجديدة ومنافذها بدأ نقل التراب ، بعد منتصف الليل من غرفة النفق والى الغرفة الثانية وعـبر الشباك والرفاق الثلاث هم الذين أنجزوا هذا العمل الشاق . وخلال بضعة أيام وقبل وقوع انشقاق ( رمزي ــ وليد )* انتهى كل شيء وتخلصنا مــن كل التراب وعاد العمل في النفق من جديد .
قضايا مقلقة
في أحد الأيام كنت جالسا في قاعة كبيرة وكان عدد الحضور يزيد على أربعين مناضلاً وإذا بأحد الشباب يناديني بصوت مرتفع يقول: يا أبا علي قطعت الدخان وأراك تتجول كثيراً في سور السجن، ألا تخبرني ماذا وراء هذا الموضوع. وأردف قائلاً : أخاف تريد تهرب . قلـــــــت له : أنت شاب وتفكر هكذا وأنا شايب أفكر بالرحيل قريبا الى جوار ربي فضحك البعض على هذا الحوار ولكن بالنسبة لي وكما يقول المثل ( إلي بعبة عنز يمعمع ) وبقيت أفكر بدافع هذا الشاب الى مثل هذا السؤال وقد تكون هناك رائحة تظهر من النفق . وبعد ساعة التقيت بحافظ رسن وأخبرته بسؤال ذلك الشاب ، الذي هو وأخوه الكبير يلقبون بـ ــ أبناء ثالثة ــ والأخوين من أبناء الموصل ، وقال حافظ رسن : حقاً إن السؤال مقلق ولكن لا يستبعد انه رمى حجارته بالظلام . وأخيرا طلبت منه أن يستطلع الأمر من خلال معارف الأخوين . وعلى الهيئات الحزبية أن تخبر اللجنة الحزبية بما يجري من الأحاديث الخطرة في القاعات تلك التي توجهها الإدارة وعملاؤها من شائعات وبعد هذا الحدث بأسبوع وصلنا خبر من إن الدوائر الصحية في محافظة بابل تريد أن تــفــتـــــش صيدليتنا . وسألنا رفاقنا القــدماء : هل جرى سابقاً مثل هذا الـتـفـتـيــش
وكان الجواب: لأول مره يقدم مثل هذا الطلب. صار عندنا بعض الشكوك من إن إخبارية وصلت إليهم عما يجري في الصيدلية أو في مكان الصيدلية وحاولوا أن يكتشفوا ألموضوع عن طريق التفتيش.
وبعد أيام جاءت هيئة التفتيش واستقبلوها الرفاق المعنيين بالصحة في داخل السجن وأدخلوهم الصيدلية وبعد عشرة دقائق عادوا من حيث أتوا
أحداث متفرقة
في نهاية آب حصلت مشكله بين الزعيم إبراهيم الجبوري ــ الخال ــ وبـيـن أحـد السجناء السياسيين . رغم ان التنظيم تدخل لصالح الخـال ألا إن الخال تـعـنت وأصـر وذهـب الى مـدير الـسجن وطلب منه مكاناً آخر بحيث ينعزل عنا . وفعلاً خصص لهم مدير السجن جناح بجانب الدائرة . وهذا الجناح لا يفصله عن الشارع العام إلا جدار لا يتجاوز سمكه أكثر من ( 9 ) إنجات وانتقل مع الخال عدد من الضباط تضامناً معه . وبعد انتقال الزعيم الخال وعدد من الضباط ، ساورني شك من إن انتقال الزعيم بهذه الصورة وبهذا الإصرار قد يكون عنده نية الهروب . وهذا يعني ضياع كل مجهودنا ولذا كلفت أحد رفاقنا الضباط سراً أن يخلق مشاجرة مع أحد الرفاق وعلى أثرها يزعل وينتقل مع الخال لاكتشاف ما يجري هناك ، وبعد أسبوعين تبين إن الأمر لا يتجاوز حدود الراحة من حيث وسائل التسلية وانتهى الأمر وتصالح الرفيق وعاد الى مكانه .ولما كان وضعي الصحي رديء كنت بين فترة وأخرى أدخل المستشفى وهو داخل السجن وفي أحد الأيام زارني في المستشفى أحد الرفاق وهو كبير السن وكان يعمل معلماً أو مدرساً من أبناء الموصل جلس بقربي على السرير وأخذ يستفسر عن وضعي الصحي ــ مع العلم لم تكن لي به معرفة سابقة ــ وبعد دقائق من الاستفسارات والمجاملة مد يده الى جيبه واخـرج مـنـه حـزمـة مـن الـنقود ذات فئة خمسة دنانير ومد يده لي وقـال : يـا أبـا علـي أرجـو أن تـسـتـلـم مـنـي هـذا المبلغ وسكت . قلت له : تبرع الى الحزب . قال : احسبه كما تشاء ، إن جوابه جعلني في ريبة من الأمر قلت له : أفصح ماذا تريد ، انطلق يحدثني بعاطفة إنسانية كونه محكوم عشرين عاماً وعنده عائلة وأطفال ويعاني أزمـــــة نفسية ، ...الخ . قلت له ارجع النقود الى مكانها وحدثني بالملموس ماذا تريد مني وأرجوا أن تحدد بالاسم نوع المساعدة . وأخذ فترة تأمل مشوبة بالارتباك وفعلا أعاد النقود الى جيبه وهو يهمس بكلمات شعبية مع نفسه عرفت منها الجملة الأخيرة بهذا المعنى ( إذا لم نتساعد فيما بيننا من الذي يحررنا من السجن ) إن هذه الجملة الأخيرة والتي فهمتها منه جعلتني أتشكك من إن أخبار النفق تسربت الى بعض السجناء وقد يلتقطه عملاء الإدارة والنتيجة تكون إحباط كل مساعينا بالإضافة الى تشتيتنا وتعرضنا الى العقوبات قبل أن نعمل أي شيء وحاولت أن أسـتـدرج الرجـل : ( الله وأيدك ) إذا كان عندك مقترح أو مشروع أو أي شيء آخر دعنا نتناقش به وقد نتوصل الى أفضل الحلول . أنا وإياك وكل سجين سياسي يفكر بتحرير نفسه ولكن وفق الإمكانات المتوفرة هذا من جهة ومن جهة أخرى إن رأي الحزب هو فوق كل شيء . وانبسطت معه وكأننا أصدقاء منذ الطفولة وطلبت (إستكانين ) من الشاي وحاولت أن أضفي على الجلسة شيئاً من المرح ، لكي ينطلق صـاحـبـي ويـذكـر مـا هـو خـفـي أو ما يجول في خاطره . أشرت له مازحاً: أتعتقد إن مفاتيح أبواب السجن عندي وأنا باخل على نفسي وعلى رفاقي . قال : كلا وأنا أعرف ذلك جيداً . قلت له إذن تكلم لي الحقيقة حتى نستطيع أن نتوصل الى حل ممكن التحقيق والأمر يحتاج الى الصراحة . قال : كل ما تكلمت به صحيحا وأنا واثق من أخلاصكم ولكن أعتقد توجد هناك بعض الإمكانيات يجب علينا أن نستغلها مثلا بين فترة وأخرى يمكن أن نعبر رفيق أو رفيقين خلال المواجهة هذا أولاً وثانيا مثلا حمام المستشفى هو خارج سور السجن ويقع على الشارع العام يمكن أن نعمل به فتحة ونعبر عددا من الرفاق ولما كانت مثل هذه الأعمال لا يمكن القيام بها إلا بتخطيط وإشراف لمنظمة السجن لهذا الغرض عرضت الأمر عليكم ، أرجوا أن يكون أحد المقترحين موضع رضاكم ورضا المنظمة وهذا كل ما عندي . إن المقترحات التي قدمها الرفيق الذي لا أعرف اسمه إلا أبو فلان وهنا يمكن أن نصطلح عليه الرفيق ــ س ــ كانت وجيهة ومنطقية وبدأ الشك يضعف من إن أخبار النفق متسربة ومع هذا يبقى احتمال ضعيف إن تلك المقترحات التي قدمها الرفيق ــ س ــ ما هي إلا تغطية ولجس النبض . وعلى كل حـــــال
أعطيته الجواب التالي : إن المقترحات وبصورة أوليه تبدو منطقية بحيث المقترح الأول محدد بهروب رفيق أو رفيقين . أما المقترح الثاني قد يكون أوسع عدداً ولكنه أقل ضمانة ً. وفي الحالتين لا بد من مساعدة الخارج وموافقة الحزب على تلك الخطوات ولاحظت إن وقع الجملتين الأخيرتين كانت عليه ثقيلة ، حيث كان يحاجج باتجاه إن الحزب لا يعارض الرفاق إذا حرروا أنفسهم من القيود وهذا أمر مفرح له ويناقش بمساعدات الخارج ويقول جيدة ولكن الإنسان يعتمد على نفسه إذا لم تحصل المساعدة الخارجية وخاصة إذا كان يحمل مبلغاً من المال .
وانتهى ذلك اللقاء مع الرفيق ــ س ــ بوعد من المنظمة ستدرس تلك المقترحات وإذا أقرت أحد المقترحين سترسله الى الحزب وتنتظر الجواب وانتهت القضية . هذا واستفسرت من الرفيق جاسم الحجاج باعتباره كان المسئول الحزبي في السجن عن الرفيق ــ س ــ بعد أن عرفته عليه ، وكان السؤال محدداً عن سلوكه وعن مدى ارتباطه بالحزب . فأجاب الرفيق الحجاج : ان سلوك هذا الشخص جيد جداً وارتباطه بالحزب متين ومحكوم ( 20 ) سنة وتطرق الى ما تحمل أبناء الموصل من آلام واضطهاد طيلة أكثر من ثمانية سنوات . وأعطاني الرفيق الحجاج فكرة عن أحد الرفاق من أبناء الموصل محكوم ( 20 ) سنة أيضا وهو ابن ثالثة الكبير والذي جاء ذكر أخيه الصغير أعلاه والذي ناداني عن الهروب قال : إن هذا الرفيق فاتحني أكثر من مرة عندما كنت مسئول السجن حول هروبه في إحدى المواجهات . وهذه الملاحظة الأخيرة التي عرضها الرفيق الحجاج أوضحت بصورة جلية طلب الرفيق ــ س ــ علماً إن الرفيق ــ س ــ والرفيق ابن ثالثة أصدقاء وبعد خروجي من المستشفى ببضعة أيام سمعت من خلال حديث عرضي إن الرفيق ابن ثالثة الكبير أدخل المستشفى وعند سماع الخبر قفز الى ذهني حديث الرفيق ــ س ــ ومقترحاته وحمام المستشفى وملاحظات الرفيق الحجاج عن طلبات ابن ثالثة وعند المساء التقيت مع حافظ رسن وأعطيته صورة عن الموضوع وطلبت منه أن يسأل من الرفاق العاملين مع الأطباء ــ وهم شغيلة صيدليتنا ــ عن مرض الرفيق ابن ثالثة ويجب أن يكون السؤال بصورة طبيعية ولا يثير انتباه أحد . وفي اليوم التالي جاء حافظ وأخبرني برأي الرفاق الصحيين من ان رفيقنا ابن ثالثة لـيس
مريضاً إلا إن لديه الرغبة في أن يدخل الى المستشفى ونفذنا له ذلك بواسطة الأطباء والأطباء لا يخالفون رأينا في مثل هذه القضايا . لقد حسبنا الحساب لهذا الخبر وفي ذات الجلسة اتخذنا قراراً أن نضع رفيقنا ابن ثالثة تحت المراقبة الشديدة وخاصة ليلاً وكلفنا رفيقين من نزلاء المستشفى بهذه المهمة السرية تحت حجة الخوف من أن يعمل ابن ثالثة " مكسورة " بهروبه وتضيع كل المكاسب السجنية والحزب أوقف الهروبات الآن . وبهذه الحجة حمسنا الرفاق للمراقبة الشديدة . علماً ان أبناء ثالثة الاثنين هربا معنا فيما بعد من النفق .
وكان العمل مكثفاً في النفق والعادة المتبعة ان حافظ رسن يأتيني في كل يوم صباحاً ويقدم تقريراً شفهياً مفصلاً عن النفق والعمل به ومقدار المنجز ووضع العاملين وما يعترضهم من مصاعب وكيفية حلها وهذه العادة بقيت مستمرة من البداية حتى يوم الهروب واني لم أعمل عملاً مباشراً مثل الحفر أو نقل التراب نظراً لوضعي الصحي وزرت النفق مرتين فقط . الأولى في بداية العمل وعند نهاية البئر والثانية عند أزمة التراب والزيارتين كانتا في وقت متأخر من الليل. وكان تقدير كافة العاملين في النفق بعد حل أزمة التراب أن ما يستخرج من تراب النفق حتى النهاية تستوعبه غرفة النفق ولا حاجة لأي طريقة أخرى. هذا ما كان يتعلق بالنفق والعاملين به. أما ما يتعلق بالمنظمة في داخل السجن فكانت اجتماعات اللجنة الحزبية والهيئات التابعة لها مستمرة بصورة طبيعية. ومن كل تلك الممارسات كانت واضحة العناصر والكوادر الذين يحملون فكرة عزيز الحاج ولديهم بعض الملاحظات على سياسة الحزب والضجيج عن اليمينية وكان أكثر هؤلاء حماساً مظفر النواب والفريد سمعان وعناصر أخرى أما من الناحية الفكرية وإخراجها بعد التحليل فكان جاسم المطير الأساس لها إلا انه لا يستطيع أن يكون وجهاً للجماعة لأسباب معروفة . إلا إن الصراع الفكري يشتد يوما بعد آخر ويبدو إن جماعة عزيز الحاج أوجدوا قاعدة لهم في وسط منظمة السجن أخذوا يراسلونهم سراً ومن خلف ظهر المنظمة ويعدونهم لعمل أكبر . وفي أحد أيام أيلول 1967 جاءني أحد الرفاق من جهاز إنصات وأخبرني بحدوث انشقاق في حزبنا يقوده عزيز الحاج والحزب أصدر بـيـاناً أذيـع مـن صـوت الـشـعـب الـعـراقـي ضـد الانـشـقـاق ، قـــلـــــــت
لـه : أنقلو الـبـيـان عـلى الـورق ولا تنشروا الخبر وعلى الفور دعوت اللجنة الحزبية في السجن الى الاجتماع وعلى ما أتذكر كان نصيف جاسم الحجاج وكمال شاكر ومحمد ملا عبد الكريم خرجوا هؤلاء من ألسجن قبل هذه الإحداث وحضروا بقية أعضاء اللجنة وأخبرتهم بما وقع وقررنا أن نعقد اجتماعا عاما لكل السجناء ونقرأ عليهم بيان اللجنة المركزية ونشجب الانشقاق ، وفي تلك الجلسة لاحظت إن حافظ رســــن وضع غـيـر طـبـيـعي وحتى عندما يتكلم كان يتعثر في كلامه وكلفت الرفيق حسين ياسين أن يشرف على تفريغ البيان ونشر إعلان باسم لجنة السجن في جميع القاعات يدعوا الى اجتماع عام في الساعة الخامسة من عصر ذلك اليوم . وبعد نصف ساعة من انتهاء الاجتماع جاء لي حسين ياسين وقال إن البيان ليس عليه توقيع فقلت له البيان صادر من اللجنة المركزية فيمكن أن تذيله باسمها. وفعلا تم الاجتماع العام وقرأ بيان الحزب وأعلن عن شجب الانشقاق وكانت النية أن نتحدث بصورة أوسع إلا إن المجتمعين دخلوا في مناقشات جماعات وإفراد مما اضطرنا الى إنهاء الاجتماع . وأمسى السجن يغلي كالبركان في تلك الليلة ولا تخلو قاعة إلا ويعلو فيها النقاش الحاد والى ساعة متأخرة من الليل. وأصبح السجن كما أمسى في الهياج وأخذ الفرز يتضح يوما بعد آخر ولاحظت حافظ رسن يتحرك لصالح الجانب المنشق ودعوت اللجنة للاجتماع لدراسة الوضع المستجد إلا ان حافظ رسن عارض عقد الاجتماع وعقد الاجتماع بدون حافظ رسن ولاحظت المجتمعين في حالة من الارتباك . وكان حسين ياسين عنده قضية مع الحزب معلقة وأخبرني بوقت سابق بجزء منها ويبدو إن حافظ رسن وهو من الجنوبية أيضا يعرف بتلك القضية وقد يكون جاسم المطير هو الآخر يعرف نقطة الضعف عند حسين ياسين أيضاً . ولان أخبار أية منطقة تنتشر من خلال المواجهين بالإضافة إن الكوادر الواحد يعرف الآخر معرفة جيدة إذا كانوا أبناء منطقه واحده ولذا جرى التأثير على حسين ياسين ، وخاصة حينما أخبر أن يكون المسئول الأول على رأس منظمتهم وأنحاز إليهم في اليوم الثالث أو الرابع من إعلان البيان . ومنذ انحياز حافظ رسن وحسين ياسين والتردد عند باقي أعضاء اللجنة . فكرت بتشكيل لجنة جديدة يكون قوامها من الرفاق التالية أسمائهم:
1) الرفيق الشهيد عبد الأمير سعيد
2 ) الرفيق جميل منير
3) الرفيق ألحمامي
4) الرفيق محمد النهر
5) الرفيق صاحب الحميري
6) كاتب هذه السطور
وأخذت اللجنة المشار إليها أعلاه تمارس مهماتها السياسية والتنظيمية في داخل السجن بعد الانشقاق ويبدو إن المنشقين أصابهم الغرور من ان كل كوادر الحزب والقاعدة معهم . والأمر الذي ساعدهم على هذا التصور ان بعض الرفاق أعطيت لهم مسؤوليات في إدارة شؤون الـسجناء قــبـل الانـشـقاق مثلا مظفر النواب ورفيق آخر لا أتذكر اسمه ــ وهو قائد نقابي ــ هو الآخر مسئول أرزاق السجن في الإدارة والتحق معهم أغلبية أبناء الموصل عدا عدد قليل بقى مع الحزب وهكذا أوحى لهم هذا الوضع ان جميع الأمور أصبحت بأيديهم وسوف يخضعون البقية الى ما يريدون ولكن الحقيقة غير ذلك . وفي اليوم الرابع أو الخامس لإعلان بيان الحزب في السجن وجهت دعوة الى جميع الكوادر الـحـزبـيـة لـعـقـد اجـتـمـاع لـــهـم على أن يكون جدول العمل نقطتين فقط : الأولى منها كل واحد منا يدلي بما عنده في المجالات الفكرية والـسـياسية والتنظيمية والأحداث الجاريــة بصورة حرة . والنقطة الثانية : بعد الاستماع الى ما يقدم يقرر كل واحد منا موقفه مع الحزب أو مع الانشقاق وبصورة حرة أيضاً وأما القاعدة الحزبية وبقية السجناء وهم الأغلبية كل واحد منهم يقرر موقفه دون أكراه مع هذا الجانب أو ذاك . ان هذه الدعوة استجاب لها الجميع عدا نـفر قليل حاولوا أن يعرقلوا مثل هذه الدعوة إلا ان تلك المساعي باءت بالفشل وانعقد الاجتماع فعلاً وحضره جميع الرفاق بما فيهم أولئك الذين كانوا يسعون لعدم عقده وفتحت النقاش بكلمة مطولة تحدثت فيها عن أهمية وحدة الحزب وقلت ان الخطأ في السياسة يمكن إصلاحه بالنضـال الهادي الصبور وتكلمت عن تجربتي في انشقاق راية الشغيلة وختمت كلمتي أنا مع وحدة الحزب ومع صيانة مبادئه التنظيمية والتي بواسطتها نعدل ان كان هناك خطأ في السياسة أو الفكر وعلينا أن ندرك ان الانـشقاق لا يؤدي إلا الى خدمة أعداء الشعب والطبقة العاملة مهما كانت النوايا . وتعاقب المتكلمون مع التشديد على الشرط المسبق ، هو عدم السماح بالمقاطعة والمتكلم حر باختيار الجمل التي يعبر بها عن أفكاره وتكلم الجميع ومنهم من أطنب ومنهم من أخذ بقاعدة خير الكلام ما قل ودل . وبعد انـتـهاء الـنقاش اتفقنا على أن ينادى بالأسماء وكل من يرد اسمه
يعلن انه مع هذه الجهة أو تلك وكانت النتيجة (8) مع الحزب و (8) مع المنشقين. واثنين رفضا إعطاء أي رأي بحجة لا نستطيع تحديد موقف في هذه الساعة وكان مجموعنا ثمانية عشر رفيقاً وبعد ذلك انتهى الاجتماع في ساعة متأخرة من تلك الليلة . ومع هذا الوضوح في الفرز خاصة في الكوادر إلا ان المنشقين بقوا يدعون ان معهم الأكثرية من القاعدة الحزبية وينبغي أن يبقى كل شيء من الأعمال الإدارية بيدهم وأسمعونا بعض التهديدات . وكان رد الفعل عندنا عنيفا قلنا لهم نحن مستعدون لكل طارئ وترجوا أن لا تحملونا على الانفصال عنكم مكانياً ومعاشياً وفي كل شيء وهذا ما يفرح أعداءنا وأكدنا لهم في الحديث : لا تستطيع قوة في الكون إخضاعنا ونحن أحياء فكيف بوضعكم الهزيل . وأنتم منشقون تطمحون بذلك ، وبعد هذا اللقاء بـبـضـعة سـاعـات جـاء حـافـظ رسن وتحدث معي حديثا لطيفاً وليناً وقال : أن افترقنا الآن ولكن لا بد أن نلتقي ويجب علينا أن نبقى موحدين أمام إدارة السجن وكل أعداءنا . وحصة كل منا نصف واتفـقـنا على ذلك وشكلنا لجنة من الطرفين لبحث القضايا تفصيلياً وخلال أسبوع من الإرهاصات ليل نهار. إلا ان بعد هذا الاتفاق أخذت الأمور تهدأ تدريجيا وتعود الى وضعها الطبيعي عدا ان التنظيم الموحد صار تنظيمين منفصلين ورغم أحداث الأسبوع وما جرى فيها من تهديدات وإرهاصات إلا ان حافظ رسن بقي على عادته حول النفق يأتي كل صباح ويقدم تقريره كالسابق وكأنما لم يحدث شيء بيننا ومن سوء الصدف عند حدوث الانشقاق ذهب مع المنشقين اثنين من أصل ثلاثة من الرفاق الذين كانوا يعملون في النفق وهم حافظ رسن وفاضل ، بقى مع الحزب جدو فقط . وعند تقسيم قاعات السجن بين المجموعتين كانت القاعة الجنوبية الملاصقة للنفق للحزب والقاعة الشمالية الملاصقة لـلـنـفـق أيضاً للانشقاقيين . هذا وأكدت على حافظ رسن أن تبقى قضية ألنفق كما كانت سابقا محصورة بيننا وقرب التنفيذ يمكن أن نتفق على العدد وعلى الكيفية وكان حافظ متحمساً لهذا الرأي ولكن فيما بعد ظهرت الحقيقة ليست هكذا بل ان بعض الكوادر والعناصر الأخرى كان كسبها عن هذا الطريق ، طريق الإغراء بالتحرر من السجن في حيــــن من جانبنا بقينا محافظين على سرية العمل حتى إكمال النفق وبدأت التشاور مع كل رفيق من الكوادر على حدة لاختبار استعداده إذا توفرت الفرصة للهرب .
نعود قليلا الى الوراء أي قبل الانشقاق كنت وحافظ رسن ندرس قضية توفير الحد الممكن من الضمان في كراج السيارات الذي تكون فيه فتحة النفق دون إحساس حارس الكراج أثناء العملية وتدارسنا ثلاثة حلول وفضلنا أحدهما والحلول هي :
1) أن تساعدنا منظمة الحلة بإيجاد علاقة مع حارس الكراج وإقامة حفل شراب ــ كحوليات ــ في الوقت المحدد لبدء عملية الهروب .
2) أن تساعدنا منظمة الحلة بثلاثة رفاق مجربين اثنين منهم يلبسون ملابس شرطة والثالث يكون بهيكل مفوض أمن ويأتون في الوقت المحدد لإجراء التحقيق مع حارس الكراج عن سيارة ( وهمية ) تحمل أموالاً مهربة خرجت من الكراج في الساعة كذا والسؤال عن سائقها أما الشرطة أحدهم يلزم باب الكراج والأخر باب غرفة الحارس وأثناء التحقيق تبدأ عملية الهروب .
3) بعد استشارة الجهات المختصة قالوا عندنا مخدر ــ بنج ــ يمكن أن يخدر الشخص لمدة من الوقت بزرقه أبرة .
وكنا ميالين الى الطريقة الثانية وفعلا دفعنا مبلغا من النقود لأحد الرفاق أن يشتري لنا بواسطة أخيه مسدساً مع بدلتين رسميتين من ملابس الشرطة إلا إننا لم نحصل على نتيجة بسبب وقوع الانشقاق . وفي أواخر تشرين ألأول أخبرني حافظ رسن من ان النفق أوشك على نهايته وان في المواجهة القادمة يجب أن نرتب أمورنا مع جماعتنا ونقرر سوية يوم العملية . واتفقنا على ذلك وقال : توفرت لدينا إمكانية لعمل هويات شخصية ويمكن أن تعطينا صوراً شمسية لجماعتكم حتى نضعها على الهويات . وفعلاً في اليوم الثاني أعطيته خمسة تصاوير لتلك الهويات . وكان مسموحا لزيارة السجناء مرتين في الشهر: الأولى في بداية الشهر والثانية في أواسطه . وفي نهاية تشرين الأول جاءت الرفيقة وابلة الشيخ الى السجن لزيارة أخيها عزيز الشيخ وطلبت اللقاء بي . وعند المقابلة قالت : يقولون الجماعة ــ وهي تعني الحزب ــ إننا لا نستطيع إيواء الهاربين من السجن في المدن بل توجد إمكانية لإيوائهم في الريف وسألتها عن إمكانية المساعدات الأخرى قالت : والله لم يذكروا شيئا آخر قلت لها : نحتاج الى بعض النقود وإذا أمكن مساعدات أخرى . قالت : يمكن في المواجهة القادمة أجلب إليك شيئاً من النقود وأخبرك بما يتقرر من مساعدة . وانتهى الأمر عند هذا الحد . وفي عصر ذلك اليوم ــ يوم المواجهة ــ وهو على ما أظن الأول من تشرين الثاني ، جاءني حافظ رسن وقال : ان جماعتنا طلبوا منا أن نوقت يوم الهروب في مساء يوم المواجهة القادمة فما هو رأيكم قلت لـه : ونحن هكذا وسألته عن الكراج فقال لا يشغل بالك هذا الموضوع وقدرت ان هنالك عملاً للجماعة في هذا المجال . وبقينا في كل يوم نلتقي ويتحدث حافظ رسن عن النفق وما جرى فيه من تاسيسات مثل إنارته بالكهرباء وتغليف سقف النفق بالبطانيات لئلاً يقع التراب من السقف وغير ذلك من الأحاديث الشيقة . وحتى يوم السادس من تشرين الثاني جاء حافظ رسن وفق العادة ولكنه أول ما تكلم به قال لي : إننا في عصر هذا اليوم عندنا اجتماع في هذه القاعة ــ وأشار بيده الى القاعة الشمالية وهي قاعتهم والملاصقة لغرفة النفق ــ قلت له : هذا أمر يخصكم وتحدث عن النفق وأحاديث أخرى ولكن عندما أراد أن ينهض كرر القول ــ في عصر هذا اليوم عندنا اجتماع في هذه القاعة ــ قلت لـــه : هذا شأن يعود لكم إلا إني أرتبت في الأمر وذهبت الى تفسيرات عدة وقدرت ان الحالة لم تعد طبيعية وإنما لا بد أن يكون خلفها قــــصد ــ ولكن في الحقيقة لم أتوصل أنهم يضمرون الغدر بنا والهروب من خلف ظهرنا ــ وكنت أقدر قد يكون لهذا علاقة بالاحتفال بذكرى ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى حيث كانت الاستعدادات . وبعد ذهاب حافظ رسن بساعة ونصف جاء مظفر النواب وجلس بقربي وبعد كلمات المجاملة انحنى نحوي وهمس بإذني قائلاً : الرفاق أصحاب الصور للهويات من الأفضل أن يختاروا أسماءهم التي تدون في الهويات حتى لا ينسوها عند السؤال والـــجواب ، غداً أأتي لاستلامها منكم .
وفي ذات اليوم عصراً والساعة تقترب من السادسة مساءاً وأنا أتجول في جانب من ساحة السجن لاحظت بعض العناصر المنشقة تأتي مـــــن القلعة القديمة الى القاعة التي أشار لها حافظ رسن صباح ذلك اليوم باعتبار عندهم اجتماع فيها ولكن ما يجلب الانتباه ان القادمين الى تلك القاعة كل واحد منهم يحمل بيده كيساً من القماش أو من النايلون ومنهم من يحمل لفة ــ بقجة ــ والى هنا أخذت أقترب من هدف الجماعة وحيث كان يظهر الارتباك حتى في سيرهم وكانوا واضعين برنامجاً للدخول الى القاعة ، دقيقة بين واحد وآخر وحارس يقف على باب القاعة منهم وبقيت أراقب الحالة وجو السجن هادئ تماماً وقد دخل القاعة ما يقارب خمسة عشر شخصاً ومرت عدة دقائق ولم يأتِ أحد للدخول وخلال تلك اللحظات مر أمامي أحد الرفاق وهو شجاع وصدامي ــ مع الأسف لا أتذكر اسمه ــ إلا إني أعرفه من أبناء الموصل ، نادينه فجاء مسرعاً قلت له : اذهب الى تلك القاعة وانظر من فيها فذهب وبقيت أتبعه بنظري وعند الباب منعه الحارس من الدخول فعاد لي وقبل أن يصل نادينه وبنبرة لا تخلوا من الحدة ، أدخل عنوة ً، فعاد الى القاعة بعزيمة أشد ومسك الحارس من يده ودفع به الى ساحة السجن ودخل وعاد لي مسرعاً وقال لا يوجد أحد في القاعة . وقفت في ساحة السجن وإمامي الرفيق الموصلي وجاء الرفيق جدو تواً وساحة السجن خالية تماماً ، وقلت لنفسي : أمامي بضعة دقائق ينبغي أن أتخذ خلالها موقفاً وأتحمل مسؤوليته شخصياً وكان القرار النهائي ان أذهب إليهم بالعنف وأرغمهم على مشاركتنا بالهروب وإذا رفضوا نخوض معهم معركة والنتائج هم يتحملونها . وخلال تلك اللحظات كنت أشاهد الرفيقين الموصلي وجدو متوترين الأعصاب واقفين وقفة شبه عسكرية شاخصين بنظرهم نحوي وكأنهم يقرؤون ما في وجهي . وكان بقربنا قطعة من الحديد يكسرون بها الثلج ، قلت الى جدو هاتني بذلك ــ الهيم ــ الحديد وعندما جلبه لى قلت لهم اتبعوني وتوجهنا نحو غرفة النفق ومعلوم لدي ان باب غرفة النفق لها قفلين واحد من الخارج والثاني من الداخل فوضعت ــ الهيم ــ الحديدي في رزة القفل وقبل أن أكسره قلت لجدو أطرق الباب عليهم فسأل حسين ياسين من الطارق ، قال له أنــــــا
جدو ، فأجابه حسين ياسين اذهب يا جدو وبعد ساعة عد ألينا . والى هنا كسرت القفل وقلت لحسين ياسين : يكلمك أبو علي افتح البــاب وإلا كسرتها وفتح الباب وهو يشد بربطة عنقه ومن شدة الانفعال بصقت على وجهه ورفعت يدي وقلت أهكذا الغدر يا . . . وخلال دقائق معدودة صارت ساحة السجن ساحة معركة بين الطرفين وكان أحدهم ينوي طعني بسكين لكن الشهيد عبد الأمير سعيد هو الذي حال دون تحقيق هدفه. وخلال تلك الحالة طلبت من أحد الرفاق أن يأخذ معه رفيقاً آخر ويمسكوا باب القلعة ولا يسمحوا بالدخول أو الخروج منها وأحاطني عدد من الرفاق حتى أدخلوني الغرفة وقبل أن أولع سجارتي جاء حسين ياسين الى باب غرفتي ، إلا ان الرفاق أبعدوه بالدفع والاهانة وسمعت منـه كـلامـاً : أريـد أبـو عـلـي وكـان بـقـربـي الـرفـيق ألحمامي ، فقلت له : اذهب الى حسين ياسين وافهم منه ماذا يريد مني ذهب وعاد لي يقول : انه يريد اللقاء بك شخصياً ، قلت : افرغ الغرفة المجاورة من الرفاق وآت به . وعندما التقينا في الغرفة وقبل أن يجلس قال حسين ياسين : اغفر لنا يا أبا علي ما فعلنا وعالج الأمر بحكمه لئلا تذهب كل الجهود أدراج الرياح ، قلت له : جيد أتوافقون أن نخرج في البدء عشرة رفاق خمسة منكم وخمسة منا ويمسك النفق خلال ساعتين وبعدها يخرج من يريد . قال : موافقون ، قلت : إذن خلال خمسة دقائق يكون الجميع جاهزين . وعدت الى غرفتي وأبلغت الرفاق الأربعة أن يكونوا جاهزين خلال دقائق . وأخرجت ما لدينا من وثائق وأعطيتها الى الرفيق جميل منير ، قلت له : احرقها بسرعة وكانت لدينا من النقود ثمانية عشر دينارا فقط فوزعناها بيننا وشكلنا حلقة كبيرة في الغرفة ورقصنا رقصة الفرح وقبلنا بعضنا البعض وذهبنا الى القاعة المجاورة للنفق واجتمعنا نحن العشرة في القاعة وتكلمت معهم حول الاستفادة من الوقت وقلت لهم : من يخرج سالماً الى المدينة عليه أن يخرج منها بأسرع وقت وإذا لم يجد واسطة لنقله الى مكان آخر خلال عشرين دقيقة عليه أن يخرج سيراً على الأقدام نحو الريف . وإذا حصلت له واسطة نقل فعليه أن ينزل منها قبل الوصول الى سيطرة الشرطة ومن هناك يذهب سيراً وسألتهم عن الكراج فقالوا لم نستطيع فعل أي عمل ، قلت لهم مع الأسف عملنا يفتقر الى بعض المستلزمات والى هنا أشار حسين
ياسين الى ساعته فقلت : حل الظلام ، قال : نعم . قلت له : اذهب أنـــت وجدو وافتحوا النفق والرفيق فاضل يقف في وسط النفق لإعلامنا بالنزول وانتم اذهبوا ولابد من ذكر العشرة الذين تم اختيارهم للوجبة الأولى للهروب :
جماعة الحزب : 1) الرفيق الشهيد عبد الأمير سعيد
2) الرفيق لطيف ألحمامي
3) الرفيق جدو ــ العامل بالنفق ــ
4) رفيق لا أتذكر اسمه ولا صورته
5) كاتب هذه السطور
الجماعة المنشقة : 1) حسين ياسين
2) حافظ رسن
3) الرفيق فاضل ــ العامل بالنفق ــ
4) مظفر النواب
5) جاسم المطير
ورغم كل انطباعاتي عن حسين ياسين إلا انه في ذلك اليوم بانت شجاعته ورباطة جأشه وكان حقاً متماسكاً ومتميزاً عن بعض جماعته . وانتقلنا الى غرفة النفق ونزل الجماعة لفتح النفق وبقينا السبعة واقفين على فتحة النفق . وبينما كنا ننتظر الإشارة من فاضل وإذا بموجة كبيرة من السجناء دخلوا علينا يتدافعون وكلهم يريد الخروج من السجن ولما كانت غرفة النفق ضيقة بسبب أكياس التراب الصاعدة الى السقف انحشر فيها عدد كبير من الأشخاص وكذلك القاعة المجاورة كان فيها أكثر من خمسين سجيناً كلهم متوجهون نحو النفق وعلى كل حال أختل النظام ولم يبق أي ضبط أو ربط وخاصة عند الناس غير الملتزمين وهم يرزحون تحت أحكام ثقيلة ، وخبر النفق أنتشر خلال المعركة بين السجناء في قلعتنا . وخلال دقائق جاءت الإشارة بالنزول ونزلت ونزل الرفاق الواحد بعد الآخر وعند الخروج وجدت فتحة النفق جاءت في مكان مناسب حيث تبعد عن جدار السور أقل من متر ويبعد عنها بحدود المتر الواحد عدد من سيارات الحمل على امتداد سور السجن وهذا يعطي إمكانية إذا خرج مائة سجين بهدوء وانتظام يمكن أن يبقوا لمدة
ساعات دون أن يلاحظهم أحد بـفـضـل ذلك الحاجب من السيارات وخلال لحظات تجمع خلف السيارات أكثر من ثلاثين سجيناً وهنا أدركت ان الحالة قد تكشف خلال دقائق ولا بد من الإسراع ورأيت حسين ياسين يرمي بحجر كلباً صغيراً ينبح بكل قواه ضد الغرباء المختفين خلف السيارات ، همست بإذن ياسين : أترك هذا العمل وأسرع بالخروج وسألته أين الباب فقال : ( ذيك ) وفي تلك اللحظة وإذا بقربي حافظ رسن مسكته من يده وسلكت به بين سيارتين متجهاً نحو الباب ووجدت حارس الكراج واقفاً الى الجانب الأيسر من الباب وكان حافظ على جانبي الأيمن وعندما وصلت بمحاذاة الحارس قلت له : مساء الخير ودار رأسه نحوي ورد التحية بصورة مرتبكة : أهلاً . . . أهلاً أساتذة أهلاً وسهلاً ، واتجهنا نحو الساحة الرئيسية والتي لا تبعد عن باب الكراج إلا بضعة أمتار ونحن نسير قلت لحافظ تعال معي وحافظ قال أنت تعال معي . وافترقنا حيث ذهب هو نحو مركز المدينة وأنا ذهبت الى مـوقـف سـيـارات الـنـجـف وناداني حافظ رسن : ( انفض سترتك من التراب ) وغاب كل منا عن الآخر وبعد بضعة خطوات وجدت سيارة يـنـادي صـاحـبـهـا الـى الـنـجـف وعندما صعدت الى السيارة قلت للسائق : يا ولدي أنا مستعجل جداً فهل يمكن أن تحرك وكان في داخل السيارة ثلاثة أو أربعة مسافرين . قال : يا عم ننتظر قليلاً قد يأتينا واحد أو اثنين ، قلت له : أنا أعطيك أجرة هؤلاء ويبدو ان السائق يعرفني ولكنه لا يعرف أية قضية من قضايا الساعة فصعد على الفور وشغل المحرك واتجهنا بسرعة فائقة نحو النجف والمسافة لا تزيد على (60 ) كيلومتراً . وكنت أفكر أن أنزل في الكفل التي تبعد (30) كيلومترا عن الحلة وأذهب الى النجف سيراً على الأقدام ولكن وجدت الوقت لازال مبكراً حيث لم يمض على تحررنا إلا (20 ) دقيقة ولاحظت من بعيد الشارع فارغاً من كل شيء ، قررت أن أنزل بالكوفة وحينما صرنا في ضواحي الكوفة والوقت لم يمض عليه إلا ( 35 ) دقيقة قدرت لو كشف الأمر خلال هذا الوقت فحينما تبدأ المخابرات وتجمع مفارز الشرطة فالوقت يتطلب أكثر من ساعة ولذا واصلت ركوب السيارة حتى مدينة النجف وفي الساعة الثامنة والنصف من مساء ذلك اليوم ــ وهو يوم مـجـيد حـيث تم فيه الإعداد لثورة أكتوبر الاشتراكية في عام 1917 ــ كنت جالساً مع أقاربي في البيت لتناول طعام العشاء معهم . ونـتـنـــــاول أطراف الحديث في مواضيع شتى وبقيت عندهم يوما كاملاً وفي مساء اليوم الثاني جاء أحد الرفاق ونقلني الى بيت الحزب وبقيت هناك ما يقارب عشرين يوماً ثم ذهبت الى بغداد ومنه الى الكونفرانس الثالث عام 1967 .
أعود بكم لى موضوع النفق والكراج عند وقت الهروب وقبله .
مواصفات النفق :
1) الطول (14) متراً تقريباً . عدا البئر التي يزيد عمقها على مترين .
2) الارتفاع غير متساو ولكن أعلى نقطة منه تبلغ متراً وربع وأقل ارتفاع فيه متر واحد .
3) العرض متر واحد في أبعد نقطة فيه ، الا ان العرض والارتفاع ليسا مستويين وإنما فيه شيء من شكل الدائرة ولكنه ليس دائرة والطول فيه شيء من ( الزكزاك ) ولكنه ليس ( زكزاك ) أيضاً .
الأدوات المستخدمة في حفر النفق :
أدوات بسيطة للغاية ، كركات يدوية صغيرة وفؤوس صغيرة أيضاً وحتى استخدمت في البداية الملاعق و ( الدررنفيزات ) .
القياسات :
كنا نقيس الأماكن المستورة بـ ( الفيتة ) إلا ان الأماكن المكشوفة مثل السور كنا نفرش عليه بطانيات ظاهرياً لغاية التشميس ثم ننقلها الى الأماكن المستورة ونقيسها هناك . الا ان السور الثاني قدر تقديراً بمسافات السور الأول وظهر التقدير صحيحاً وكانت الجدران تقاس مسافة سمكها وتضاف الى مجموع المسافات .
مدة العمل في النفق :
بدء التخطيط دام شهر آيار كاملاً وفي بداية شهر حزيران 1967 بدأ العمل في النفق واستمر فيه الى شهر تشرين الأول . أي استمر العمل به خمسة أشهر متواصلة عدا التوقف الذي حصل بسبب أزمة التراب .
الكراج عند الهروب :
قلت ان الحارس كان واقفاً في الباب عند خروجنا من الكراج أنا وحافظ رسن وبعد خروجنا بلحظات خرجوا ثلاثة من الكراج وسلموا عليه أيضاً وبـعـد أقـل مـن نـصف دقـيـقـة وإذا بأربـعة أشخاص يـخـرجون من الكراج دفعة واحدة . وتوالت الدفعات بالخروج من الكراج الواحدة تلو الأخرى .
وهنا أصيب حارس الكراج بالذهول ، وأخذ يـفـسر الأمـر بالغيـبــيـات مـن ان كراجه مسكون من قبل الجن ، وهاهم يخرجون من الكراج على شكل بشر ولابد أن يشهد على هذا الوضع أناس آخرون . وانطلق نحو شـرطـي الـمـرور الواقـف تـحت المظلة في وسط الساحة وأخبره قائلا ً: يا أخي ان كراجي تخرج منه ناس في حين لا يدخل إليه أحد . أظنه مسكون وهؤلاء يخرجون من تحت الأرض ، وطلب أن يحضر معه ويشاهد المنظر ، الا ان الشرطي رفع سماعة الهاتف وأخبر إدارة السجن بما قاله حارس الكراج ، وقال لهم أن صح الخبر فالأمر خطير وعلى أثر ذلك أطلق الرصاص بغزارة في الهواء وهجم السجانة على الكراج وطوقوا من فيه وألقوا عليهم القبض ومسكوا فتحة النفق ثم أخبروا سلطات المحافظة ونزلت قوات حامية الحلة وطوقوا المدينة وأصدروا أمراً بمنع التجول وأوقفوا في تلك الليلة آلاف الأشخاص وعثروا على القليل من الهاربين واستلم الجيش مقاليد الأمور في السجن وفي ذات ألليله يقال ان طاهر يحيى الذي كان رئيس الوزراء حينما سمع بالخبر توجه الى سجن الحلة فوراً وشاهد غرفة النفق والقطعة المكتوبة على باب الغرفة ــ ممنوع الدخول ــ وشاهد أكياس التراب التي التحمت مع السقف، ودخل في النفق وشاهد فيه انارة الكهرباء والأعمال الفنية الأخرى . وعندما خرج من فتحة النفق رغم ضخامة جسمه صاح بصوت غاضب ، فاقداً الصبر والاتزان ، أأتوني بهذا ( . . . ) مدير السجن والمأمور وكل جهازهم ، وأخذ يردد بعصبية أين كانوا نائمين .
ومجموع الذين تحرروا من السجن في تلك الليلة ما يزيد على ( 45 ) مناضلاً .

حـسـيـن سـلـطـان
شباط عـام 1987

بعض ردود الأفعال حول عملية الهروب من
سجن الحلة المركزي 1967
*تصريح لمدير السجون العامة على أثر العملية
نشرت صحيفة الإعلان وهي من الصحف القديمة تصريحا لمدير السجون العام حمدي سعيد بعد العملية نسجل هنا بعض الفقرات منه :
بعد هروب عدد من السجناء من سجن الحلة قررنا إلغاء السجن نهائيا أن النفق ينتهي عند جدار السجن المطل على أحد كراجات السيارات ومدة حفر النفق بما لا يقل عن ستة أشهر وطوله أربعة عشر مترا وهروب السجناء الأربعين قد تم في الساعة الخامسة والنصف مساء بعـد أن هدأت حركة العمال في الكراج حيث كانت قد وصلت الى الكراج سيارة حمل من بغداد ، وجاءت بعدها سيارة ركاب من النجف فركبوا بها بحجة إنهم ركاب وبعد خروج السيارة شاهد الحارس ثلاثة منهم يخرجون من الكراج فاعتقد بأنهم لصوص ، وقد تعرف الحارس في حينه على النفق .
ان عمليات حفر النفق كانت شاقة للغاية واستعملوا فيها السكاكين والحديد ، وشرعوا بالحفر في غرفة تستعمل كعيادة طبية للمرضى منهم توجد فيها أدوات وأثاث طبية متروكة فكانوا يحفرون ليلا ويضعون الأدوات في مكانها فوق الحفر الى أن أتموا الحفر . أني قد أشعرت مدير الأمن العام بعد زيارتي الى هناك قبل أيام بأني غير مرتاح من وجودهم في هذا السجن ، واني أتوجس خيفة من ذلك ، وأننا كنا في طريق اتخاذ إجراءات لنقلهم فسبقونا وتمت عملية الهروب . ان أربعة عشر سجينا قد ألقي القبض عليهم من أصل الأربعين سجينا الهاربين وما زالت التعقيبات جارية لإلقاء القبض على الآخرين وان الإجراءات الأصولية قد اتخذت لإحالة الهاربين المقبوض عليهم للقضاء لمحاكمتهم .
أما السجناء الهاربون مع سنوات محكوميتهم فهم كل من :
1 ) جاسم محمد المطير / 20 سنه
2 ) حمادي عبد ألله / 20 سنه
3) حسين علي طراد / 20 سنة
4) حافظ رسن / 5 سنوات
5 ) حسين ياسين / 3 سنوات
6 ) عبد العزيز الحامد / 20 سنة
7 ) عبد الجبار علي الجبر / 20 سنة
8 ) عبد اللطيف حسن / 20 سنة
9 ) عبد الأمير سعيد / 20 سنة
10) عبد الحميد غني / 20 سنة
11) عدنان ابراهيم / 20 سنة
12) رياض كريم حبش / 10 سنوات ونصف
13) عادل عباس الزبال / 7 سنوات
14) عبد تام الجبار مال ألله / 20 سنة
15) مظفر عبد المجيد النواب / 20 سنة
16) ريمان عبد ألله / 15 سنة
17) نبيل حسين / 15 سنة
18) غانم داود الموصلي / 5 سنوات
19) عدنان عبد ألله سمعو / 20 سنة
20) أسعد عبد العاقولي / 20 سنة
21) عقيل كريم / 10 سنوات
22) سعدان فهوي / 20 سنة
23) سعد ألله ملا محمد / 12 سنة
24) جياد تركي / 20 سنة
25) كمال مدني / 11سنة
26) محمد حسن حمدي / 10 سنوات
27) صدام حميد / 20 سنة
28) قحطان عارف / 27 سنة
29) محمد موسى كاظم / 5 سنوات
30) حز علي جاسم خلف / 20 سنة
31) بشير الزرعو / 20 سنة
32) صلاح حسن شاهين / 20 سنة
33) هادي صالح / 3 سنوات
34) محفوظ يونس / 20 سنة
35) جاسم حذو / 15 سنة
36) جواد عبد ألله / 10 سنوات
37) حسين سلطان / 9 سنوات
38) عبد الواحد خلف / 20 سنة
39) حازم صابر / سنة واحدة
40) فاضل عباس / 17 سنة

حسين سلطان


محمد علي محي الدين
9-5-2008



الشيوعيون العراقيون لم تقهرهم السجون بل قهروها



تحت هذا العنوان كتب الأستاذ علي عرمش شومكت عن عملية النفق،ويبدو أن الأستاذ الكريم يشير إلى عملية سابقة هي التي ذكرها الراحل حسين سلطان في حكاية النفق(وقبل مغادرتي سجن نقرة السلمان بأيام كنا في قاعه مجموعة من الرفاق نتحدث في مواضيع شتى ومنها الهروب من السجن وقال أحد الرفاق ( إننا سعينا في سجن الحلة قبل نقلنا الى حفر نفق من غرفة الصيدلية وهي تقع بين ممرين ( قاووشين ) كبيرين في القلعة الجديدة وحفرنا بالعمق ما يقارب المتر إلا إننا اضطررنا في ظروف معينه الى غلقه ( بصبة من الأسمنت )) وأردف قائلا موجها كلامه لي : ســــــوف تلاحظها إذا وصلت سجن الحلة ، الغرفة كلها كاشي أرضيتها وستجد مساحة من الأسمنت تلك هي الحفرة ) . هكذا قال أحد الرفاق في حديث عَرضي ، إلا إني كنت منتبها إليه بكل جوارحي وكانت عندي فكرة سابقة إن سجن الحلة فيه إمكانية جيدة للهروب حيث تحيط سور السجن بيوت أهلية لا تبعد عن غرف السجن إلا بضعة أمتار ومثل هذه الإمكانية مغرية لمن يفكر بحفر نفق للهروب . . . .
وأضاف . . . واني لم أعمل عملا مباشرا مثل الحفر أو نقل التراب نظرا لوضعي الصحي وزرت النفق مرتين فقط . الأولى في بداية العمل وعند نهاية البئر والثانية عند أزمة التراب والزيارتين كانـتا في وقت متأخر من الليل)
يقول الأستاذ علي عرمش شوكت(في الرابع عشر من أكتوبر عام 1963 حكم علي لمدة سنتين من قبل المجلس العرفي العسكري الثاني وأرسلت الى سجن الحلة ، وهناك التقيت برفاق كنت اعرفهم قد سبقوني الى السجن وهم الشهيد حليم احمد من بغداد الجديدة وقاسم ناجي حمندي من أهالي الشواكة في بغداد و اسأمه جلميران من ا بناء الموصل و علي رديف من منطقة الصليخ وعبد علي سلمان ومحمد علي إسماعيل من أهالي النعمانية و كاظم حمود من المحمودية وكان كل هؤلاء مازالوا يحتفظون بعضويتهم في الحزب لصمودهم أمام جلادي انقلاب شباط الأسود عام 1963 فتباحثنا في أمر تشكيل تنظيم سري داخل السجن واتفقنا على تكوين لجنة قيادية في المرحلة الأولى فتكونت من الرفاق المذكورين أعلاه زائدا علي عرمش شوكت كاتب هذه السطور وبعد حين التحق بها الشهيد عبد الزهرة مزبان من أهالي البصرة بعد ان وصل مرحلا من سجن نقرة السلمان ، ووضعت اللجنة مهام لها كان أولها إعادة الصلة بالحزب خارج السجن وتشكيل تنظيم بصلات فردية وسرية للغاية والعمل على الهروب من السجن وانيطت هذه المهمة الأخيرة بالشهيد حليم احمد ، واختير قاسم ناجي سكرتيرا للجنة الحزبية كما كانت مهمة الاتصال بالحزب على أكثر من رفيق من أعضاء اللجنة القيادية وكان ذلك في الاجتماع الأول للجنة بتاريخ 28/10/1963 وفي مجرى سعينا للاتصال بالحزب رغم قسوة الوضع مسكنا أول خيوط الاتصال وذلك عن طريق والدة علي عرمش حيث أرسل ألينا بواسطتها من خط تنظيمي بقى سالما وتحديدا من الرفيق جبار موسى عيسى جريدة الحزب مكتوبة بخط اليد وبعض التوجيهات ومنها للهروب من السجن لحاجة الحزب ألينا ، وقد وصلتنا هذه التوجيهات بعد انقلاب 18 تشرين 1963 في يوم المواجهة 1/12/1963 وكانت سعادتنا غامرة أولا بسقوط نظام الفاشست و ثانيا بارتباطنا بالحزب ، بعد ذلك أتيحت أمامنا فرصة اكبر للتحرك على الرفاق الصامدين ، وبودي هنا ان اذكر بعض أسماء اولئك ويؤسفني سلفا إذا لم تحضرني الآن كل الأسماء ومنهم : المرحوم سامي جليل من الشواكة والشهيد حميد شلتاغ من الاعظمية وعبد الأمير سعيد وكلف وروسي ورشيد عباس الترف من الشواكة أيضا وحنون مجيد والمرحوم معن جواد وفاضل كسل والشهيد بدران رسن وسعدي أبو عمار ولعيبي خلف وعبد خلف ولطيف كشكول وتركي عجمي من الكرخ وعزيز مشاري وخليل الجنابي وسالم ضهد وصباح نوري وجبار خضير وبنيان عزيز من العسكريين والمرحوم عباس سميج وجواد كاظم فنير وجبار عليوي و عبد الأمير كاطع من العطيفية ومن أبناء الحلة عارف مجيد و عبد الأئمة هادي وعباس مرعب وحميد عبد الحسين وآخرين وكان عدد السجناء آنذاك يربو على 1400 سجين كلهم من الشيوعيين.

عندما حولتنا الإدارة من السجن القديم الى السجن الجديد نظمنا أوضاعنا بشكل أفضل ووزعنا أعضاء اللجنة الحزبية على جميع الردهات وشكلنا لجنة إدارية مسئولة عن تمشية الأمور الحياتية واستلمنا المطبخ الذي كان بيد السجناء العاديين من اجل الاعتناء بالطعام وبناء على طلب إدارة السجن لتشخيص ممثل للسجناء شخصت اللجنة الحزبية سكرتيرها قاسم ناجي ممثلا عن السجناء وبعد فترة رأينا إن ذلك ليس صحيحا من ناحية الصيانة فبدلناه برفيق آخر من خارج اللجنة وهو سامي جليل، وكرسنا جهدنا على المهمة الأكثر إلحاحا إلا وهي عملية الهروب، كان احد السجناء من الضباط لديه خطة للهرب بصورة فردية وهو الملازم قيس ابلغنا بها وبعد ان نفذت وهرب من السجن بدأنا بتهيئة مستلزمات خطتنا فطلبنا من رفاقنا في الخارج إرسال( انكر) جنكال وحبل ومنشار حديد فوصلنا الطلب بواسطة الشهيدة ام ثائر زوجة الشهيد عبد الرزاق احمد شقيق حليم التي كانت بطلة وشجاعة حيث استطاعت ان تضلل السجانين في المواجهة وتضع الانكر ومنشار الحديد في قدر من الرز المطبوخ مع الباقلاء وفوق الرز دجاجة مقلية وعندما شاهدها السجان سال لعابه حينها بادرت ام ثائر وأعطته الدجاجة فسمح لها بالدخول دون تفتيش وكانت الخطة الأولى للهروب هي قطع القضبان الحديدية للشباك الذي يفضي الى الممر الخلفي الفاصل بين الردهات وسور السجن الخارجي وعند الخروج عبر الشباك ليلا يتم التسلق بواسطة ( الانكر) والحبل علما ان الجهة الخلفية من السجن لا توجد عليها حراسة مشددة ، و عندما مضينا في العملية شوطا وقطعنا القضبان ونحن بانتظار ترتيب بعض الأمور اللوجستية من رفاقنا في الخارج اكتشف امر (الانكر )حيث كنا قد أخفيناه في تانكي الماء وعندما ذهب احد السجناء العاديين واسمه صفوك لتنظيف التانكي عثر عليه مما أدى الى إلغاء الخطة والبحث عن طريقة أخرى ، ونحن في صدد البحث عن سبيل آخر جاءنا خبر عبر احد السجانين الطيبين الذي كسبناه صديقا لنا وهو من أبناء الحلة مفاده إن هناك حملة تفتيش ستجري من قبل الإدارة في جميع الردهات بسبب العثور على الانكر وحينها كانت لدينا بعض الأدبيات والرسائل الحزبية فقررنا إخفاءها ولم نجد غير دفنها تحت الأرض ولا يوجد في السجن ارض قابلة للحفر كلها من الاسمنت المسلح ما عدا غرفة صغيرة تسمى الصيدلية مكسوة أرضيتها بالكاشي ( البلاط) وعندما باشرنا بقلع البلاط عثرنا على مجرى للمياه الأسنة مغلق وقديم ويمتد باتجاه السياج الخارجي ولا يحتاج إلا لتوسيع قليل وقمنا بتهيئة أدوات الحفر وكانت هذه العملية يتولى تنفيذها الشهيد حليم احمد ورفاق آخرين وفقا لمخطط اللجنة الحزبية ، كان ذلك في نهاية عام 1964، في بداية عام 1965 انتهت محكومية الرفيق قاسم ناجي وعلي عرمش وآخرين من رفاق التنظيم على اثر ذلك تم تأجيل العملية وكذلك نشأت بعض الإرباكات في العلاقة بين السجناء الحزبيين وغير الحزبيين مما أدى الى تخلي المنظمة الحزبية عن اللجنة الإدارية الى الطرف الآخر ، ولكن بقى بعض الرفاق كمسئولين إداريين في ردهاتهم وذلك ما زاد صعوبة العمل في حفر النفق لكن بعد ذلك واصل الشهيد حليم احمد والرفاق الآخرون العملية خصوصا بعد مجيء مجموعة جديدة من السجناء مرحلين من سجن نقرة السلمان ومنهم الشاعر مظفر النواب والمرحوم حسين سلطان وغيرهم وهذا عام 1967 حيث تمت عملية الهروب بنجاح باهر رغم حصول بعض الإشكالات على اثر الانشقاق في الحزب في تلك السنة) .
وبذلك يتبين لنا أن عملية الهروب التي أشار إليها الأخ على عرمش هي الأولى،وأن كانت العملية الثانية التي أشرف عليها حسين سلطان امتدادا لها بالاستفادة من فكرتها ،وإكمالا لها،وبذلك تكون شهادة الأستاذ علي إلى جانب قولنا أن المشرف على العملية هو الراحل حسين سلطان،بالتعاون مع الشيوعيين الآخرين المعتقلين في تلك الفترة والذين أشرنا إليهم في الحلقات السابقة،وأن العملية كانت مخططة قبل أن يحدث الانشقاق الكبير في الحزب،وبذلك لا يمكن لجماعة القيادة المركزية القول بانفرادهم بالعملية وقيامهم بها لأنهم لم يكونوا منشقين في بدايتها وان الانشقاق حدث في الأيام الأخيرة لعملية الهروب وما رافقه من إشكالات تطرقنا إليها سابقا.


محمد علي محي الدين
10-5-2008



من بطولاتِ الشيوعيين العراقيين... مع قصة نفق سجن الحلة



نشر الأستاذ والصديق الكريم صباح كنجي لقاء مع الأستاذ(كمال ملكي) الرسام والمشرف التربوي المتقاعد والشيوعي المعروف في جريدة (ريكان كردستان )الأسبوعية العددان 84 و85 الصادرين بتاريخ 23 و30/11/1993،وهو من الذين خططوا ونفذوا العملية وأسهم بشكل فاعل فيها ولأهمية هذا اللقاء الذي تفضل الأخ الكريم بإرساله ألينا ارتأينا نشره إلى جانب الوثائق الأخرى الخاصة بعملية الحفر والهروب والأشخاص القائمين بها لوضع القارئ الكريم بالصورة الحقيقية لهذه العملية وبعد الانتهاء من نشر هذه الوثائق،سيكون الأمر مطروحا أمام الأخوة الباحثين لبيان رأيهم وحسم الأمر في هذه العقدة الشائكة التي يدعي الكثيرون قيامهم بها،وسيكون لنا دراستنا عنها على ضوء الوقائع والأدلة التي ستنشر تباعا،يقول الأستاذ( سجل الشيوعيون العراقيون، وأصدقاؤهم، منذ اليوم الأول لتأسيس حزبهم في آذارعام1934، العديد من المواقف البطولية المشهودة، في صراعهم ضد الأنظمة الدكتاتورية والرجعية، دفاعا عن مصالح العمال والكادحين وجماهير الشعب، بالرغم من البطش والإرهاب الذي رافق مسيرة الحزب على امتداد أكثر من ستين عاما، وارتقى البعض من هذه الأحداث، إلى مستوى الأسطورة ومنها قصة النفق في سجن الحلة عام 1967، الذي استمر العمل والحفر فيه لمدة ( 58) يوما ً.
وهي أحداث لم تسجل ولم يطلع عليها جيل الشباب الثوري المنضوي في صفوف الحزب بسبب الظروف القاهرة التي رافقها الإرهاب والاضطهاد.
في مدينة دهوك ... كان لنا هذا اللقاء مع الأستاذ ( ك،م) الفنان والمشرف التربوي المتقاعد، ذلك الشاب الكادح الذي انخرط في صفوف الحزب منذ نعومة أظفاره، حينما كان طالبا ًفي ثانوية دهوك، حيثُ اطلع على الماركسية وقرأ قصة الأم لمكسيم غوركي، وأول عدد من جريدة الشرارة وقع بين يديه. فكان ذلك بداية التعميد الثوري لهذا الشاب الممتلئ حماسا ًوقوة للدفاع عن مصالح الكادحين.
وشاءت الظروف، أن يكون واحدا ً، من الذين خططوا وحَفروا نفق سجن الحلة،و على امتداد أربعة جلسات متتالية، كانت الحصيلة هذه الرواية-الأسطورة، لتلك الأحداث الهامة من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي المجيد الذي كان يسير الخطى من أجل:
الوطن الحر و الشعب السعيد.

******

كيف بدأت محاولاتكم الأولى للشروع بقصة حفر النفق في سجن الحلة؟

الرفاق داخل السجن كانوا قد قدموا مذكرة إلى منظمة الحلة يطالبون فيها المساعدة لأجل مشروع هروب جماعي من داخل السجن وبعد موافقة الحزب من خلال قيادة منظمة الحلة.
جاءني الرفيق ( حسين ياسين ) وقال لي:
رفيق كمال لك عدة محاولات للهروب من السجن ولكنها فشلت لان الرفيق (زوران) كان يدركها ويقنعك بالعدول عن هذه الفكرة،وأضاف طالما كان لديك هذه الرغبة وهذه الشجاعة، لماذا لا نتفق على مشروع هروب جماعي ؟

قلت له :
لديّ كامل الاستعداد، أستطيع أن اخطط لهذا العمل، كنتُ آنذاك مسئولا ًً عن الفرن ، يحقُ لي الصعود إلى السطح، يوفر لي هذا الحق رؤية السجن ومشاهدة ما حوله خارج السور، وأستطيع أن احدد الطريقة والوسيلة الملائمة والناجحة..

بعد أنْ اتفقتم على الفكرة وبدأتم بالتخطيط والعمل ماذا كان أول إجراء ؟

شخصت المهمات الإدارية للسجن وكانت لجنة مكونة حسب ما اعتقد من عبد القادر البستاني وعبد الصاحب مع خمسة رفاق لتنفيذ المهمة.
من كانوا هؤلاء الخمسة المشخصين لهذه المهمة؟

كنا .. أنا والرفيق حسين وفاضل عباس ومجيد الملقب جدو وسمير الذي كان مصابا ً بالقرحة المعدية.
كيف شخصتم المكان الملائم للنفق ؟

في اليوم الثاني استطلعتُ السجن بإمعان، حددتُ المكان الملائم للحفر، وجدتُ أفضل مكان هو الصيدلية، في داخلها فوهة بلوعة مغطاة، حينما طرحتُ الفكرة على الرفاق اقتنعوا بها، في أول يوم نزلتُ، نظفت البالوعة من القاذورات التي فيها، لم تكن كثيرة.
هل بقيت الصيدلية في نفس الغرفة وأنتم تواصلون العمل؟

كلا فقد رتبنا لها حجة وقدمنا مذكرة إلى إدارة السجن نطلب فيها تحويل الصيدلية إلى قاعة أخرى لأنها بعيدة خاصة وإن عدد السجناء قد قلّ و قلنا سوف نحول الصيدلية إلى مخزن وتمت الموافقة.

هل تستطيع أن تحدد بالضبط اليوم أو الفترة التي تم فيها الحفر ؟

كان ذلك في نهاية تشرين الأول من عام 1967، استمر العمل لمدة( 58 ) يوما ً فقط علما ً، تقديرات السلطة كانت بعد هروبنا ( 9 ) أشهر ليلا ً ونهارا ً لإتمام الحفر.

كيف بدأتم تحفرون بأية وسائل وأدوات ؟

حفرنا النفق على شكل درج وكنا نحفر بأدوات بسيطة وبدائية حصلت عليها بحكم تواجدي في الفرن.
كيف كنت تراوس بين عملك في الفرن والحفر وهل كنت تزاول أعمال أخرى ؟

كنتُ أعملُ في الفرن من الساعة الخامسةً لغاية الثامنة صباحا ً، في النهار كنتُ أمارس عملي الفني حيثُ أصنع الباجات وأرسم صور الرفاق ، كذلك عملتُ نصبا ً من البورك بحجم ( 6 ) أمتار داخل فناء السجن وحولتُ الصيدلية القديمة إلى مرسم للتغطية على عملنا في النفق، نحفر في الليل فقط، نتعاون على إخراج التراب، أحيانا ً نعملُ في حفر النفق لغاية الساعة (4)فجرا ً، نواجه الإرهاق والتعب بإصرار الشيوعيين الذي لا يكل.

كيف كنتم تتخلصون من التراب ؟ الم يخلق لكم مشاكل ؟

في المرحلة الأولى قدمنا شكوى إلى إدارة السجن حول تصليح السطح الذي كان من التراب بحجة انه ينقط ماءً أثناء المطر وطلبنا من إدارة السجن جلب لوري تراب، واستجابت الإدارة و قد تخلصنا من أول دفعة من التراب بوضعه فوق السطح و كان يخلط في نفس اليوم مع التراب الذي جلبوه وقد جبل ليصبح طينا ً...هكذا تخلصنا من أول كمية كنا قد حفرناها، انطلت حيلتنا على السلطات داخل السجن وبالمناسبة الترابُ جُبلَ بعرقنا، كنا نشربُ بحدود 20 كأسا ً من الماء يوميا ً مخلوطا ً بالملح، لأن طبيب السجن أوصانا بعدم شرب الماء العذب.

إذن الطبيب أيضا ً كان على علم، من كان هذا الطبيب وكيف عرف بذلك؟

إنه محفوظ معاون طبيب، عرف من خلال الهيئات الإدارية داخل السجن.

استمرَّ الحفر.. المْ تواجهكم صعوبات ومخاطر جديدة؟

نعم استمر الحفر... العمل أصبح أسهل... وصلنا إلى منطقة مكونة من الطابوق ، كان الحفر أسرع، إلا أن المشكلة التي واجهتنا إنّ للتراب الجديد الذي نستخرجه عمق النفق مع الطابوق رائحة خاصة تجلبُ الانتباه، حِرْنا كيف نتخلصُ من هذه المشكلة ؟.

كيف تخلصتم منها ؟!

قدمنا طلبا ًإلى إدارة السجن لأجل جلب قلاب جديد من التراب لوضعها في سطح الكابينات المخصصة لمحو الأمية التي كانت ترشحُ ماء ً، اتفقنا مع منظمة الحلة خارج السجن على رشها بالديتول و الا سفنيك كي تقضي على رائحة التراب الذي نستخرجه من تحت الأرض وبهذه الطريقة تخلصنا من التراب الجديد ورائحته المتميزة.

لقد نفذ صبري أيها الرفيق وكذلك صبر القراء، كم كان طول النفق بالضبط ؟

26 مترا ً كخط ٍ مستقيم، تختصر الى 20 مترا ًلوجود انحناءات بسبب خطأ في تحديد في الاتجاه أثناء العمل داخل النفق.

وبقيت مشكلة رمي التراب، كيف ذللتم هذه القضية فيما بعد ؟

بعد إتمامنا لأكثر من نصف النفق واجهتنا فعلا ً مشكلة كبيرة بخصوص رمي التراب، قلتُ للرفيق حسين من الضروري أن نفاتح إدارة السجن بفتح دورة لهواة الرسم وتهيئة معاكس و أدوات العمل الفني بما فيه الخشب بكميات جيدة، بعد موافقة إدارة السجن، اخترنا أن تكون القاعة المتاخمة للنفق لهذه المهمة وقدمنا طلبا ً بإخلائها خاصة وإن العدد قد قلّ و استجابوا لطلبنا،وكانت القاعة بطول ( 8 ) متر فوضعت منضدة تمويهية بطول ( 6 ) متر في القاعة وبعرض (120) سم وارتفاع (120) سم أيضا ً، عملتها من الخشب الذي جلبوه للرسم، وكتبت إعلان بقرب افتتاح دورة لهواة الرسم، كنا نضع التراب في هذه المنضدة التمويهية.

وبعدها ؟

عملتُ ثلاث زوايا داخل القاعة نفسها ... ملأناها بالتراب المستخرج أيضا ً.

يتضحُ من حديثك إنّ العبء الأساسي قد وقع عليك الم تصاب بالإعياء؟

نعم كنتُ اعمل مدة ( 6 ) ساعات في الفرن وأكثر منها في النفق ليلا ًوكنت تعبا ً بشكل لا يوصف إلاّ أنّ إرادتي وإرادة بقية الرفاق والشوق للخروج من هذا السجن الرهيب و مواصلة النضال قد غطى كل تعبنا وكنا نحفر بشوق ..بلا تماهل.

سوف لن أسألك أيها الرفيق فواصل حديثك شيئا ً فشيئا ً كما يحلو لك..

في اليوم التالي لهذا الحديث خطرت لي فكرة داخل النفق، تساءلتُ بوجل هل نحن نسير في الحفر بالاتجاه الصحيح؟ كيف يمكن أن نؤكد صحة اتجاهنا ؟

كيف تأكدتم من هذا ؟

بايرسكوب بدائي عبارة عن صندوق بسيط فوقه مرآة أنزلته معي للنفق، حفرت هذه المرة باتجاه الأرض هرما ً إلى أن جعلتُ فوهتهِ الصغيرة موازية لسطح الأرض، شاهدتُ من خلال المرآة حرسان يتحركان، وشاهدت السياج أيضا ً.

وكانت هذه مغامرة من مغامرات حفر النفق بالذات ؟

نعم كانت مغامرة فعلا ً، لكنني كنت فرحا ً للغاية، وسعيدا ً بهذا الإنجاز، حينما عدتُ قلت للرفيق حسين لا أستطيع أن استمر لأني تعب جدا ً، احتاجُ استراحة للنوم قليلا ً، كانت الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل، عليّ النهوض من جديد في الخامسة صباحا ًلأجل العمل في الفرن.

أكيد انك غفوت و نمت بعمق بعد هذا التعب والعمل المتواصل خاصة إنك تأكدت من اتجاه الحفر الذي كان يؤرقك قبل ليلة ؟

ضحك بصوت عال وقهقه، كلا لم أنم إلا ساعة واحدة وإذا بصوت الرفيق حسين يوقظني بوجل ٍ وخوف شديدين، لقد انكشفنا، لقد انكشف النفق ...كان مذهولا ً لم يتجرأ التقرب من فوهة النفق، تقدمتُ ... رفعتُ الغطاء، كنت في حالة من اللاوعي ... نزلتُ في النفق إذا بأصواتٍ غريبة تأتي من داخله، خرجتُ لأجلب حبل معه قطعة حديد( جنكال) وسكين صغيرة، عدتُ مجددا ً، فإذا بعينين تتلألأن داخل النفق تتقدمُ لتقترب مني ببطء ٍ، لم تكن إلا قطة صغيرة قد سقطت من الفتحة التي فتحتها باتجاه الأرض لمعرفة الاتجاه، رميتُ ( الجنكال )، تقدمتُ نحوها، أمسكتها بيدي بقوة وفي حالة من العصبية لويت عنقها فماءت بصوت عال ٍ، إلا ّ أني كسرتُ رقبتها وسلسلة عامودها الفقري، رميتها ميتة ً، كنت في حالة متوترة اقربُ إلى الهياج.
خرجتُ فورا ً، طلبتُ من حسين أن يأتي بكيس من البورك الذي جلبتهُ للتمثال الذي انوي صنعهُ، هدأت نفسي بعض الشيء ونزلت من جديد للنفق، بدأتُ ببناء هرم من الداخل، وضعتُ قطع الطابوق والبورك والقطة مع قطعة تنك صغيرة في الفتحة وأغلقتها من جديد، بالمناسبة أخرجتُ رأسي من هذه الفتحة قبل أن أبدا بالبناء، شاهدتُ الحرس هذه المرة بأم عيني، المهم سددتُ الفتحة وأنا واثق لو مشت من عليها بقرة أو جمل سوف لن تهدم ومن المحتمل إن تلك المواد وذلك الحائط لا زال قائما ً تحت الأرض.. لست ادري.

وماذا بعد كل هذا أيها الرفيق هل أسالك أم تستمر أنت في الحديث ؟

خرجتُ من النفق بعد إتمام هذا العمل الساعة الرابعة والنصف وكان موعد إيقاظ العاملين في الفرن الساعة الخامسة صباحا ، إلا ّ إني كنت تعبا ً ومرهقا ً، لم انهض في الموعد المطلوب، لكن الحرس أيقظني في الخامسة، طلبتُ منه استراحة، لم يستحب لطلبي، نهرني وطلب مني النهوض بلغة حازمه، تمالكت نفسي، نهضت، توجهت المغسل، استحممتُ بالماء البارد كي أتدارك الإعياء الذي كاد أن يشل جسدي.. كان ذلك في تشرين الثاني والجو بارد ، خبزتُ الوجبة الأولى وفي الوجبة الثانية أمام الفرن أغمي علي من شدة التعب والإعياء، أكمل الخبز رفيق آخر كان يتدرب على الخبز، أخذوني إلى القاعة للاستراحة.... أعطاني الطبيب ( محفوظ) مسكنات ونبهني إلى ضرورة اخذ راحة ، خلدتُ للنوم العميق، لم انهض في وجبة الغذاء.
عند العصر نهضت، توجهت من جديد إلى اخذ حمام بارد وبعدها ذهبتُ للحانوت لأشرب الشاي، فوجئت بالرفيق حسين كان ينظر إلي ّ بحنان وعطف، قلت له لا تهتم يجب أن نسرع في إنجاز المهمة وأن نواصل العمل بلا تباطؤ.

هل توقف العمل مؤقتا ً وخلدت للراحة كما أوصاك الطبيب؟

كلا بالعكس فقد نزلت في الليل من جديد لمواصلة الحفر وكان فاضل وحسين يسحبون التراب ويضعونه في أماكن عديدة ، كان يوما جميلا ً حيث و صلنا ونحن نحفر داخل النفق إلى بئر يابسة جافة بعمق نصف متر تحت النفق على شكل تنور، اعرض من النفق من جهة بأكثر من متر، أخذنا نضع التراب فيها، عملنا في داخلها رفوف لوضع التراب عليها فوق النفق .. كنا حينها نعمل ونحن سعداء بشكل لا يوصف، تجاوزنا ثلاثة أرباع النفق، كلما تقدمنا يتباطؤ العمل بسبب طول المسافة لنقل التراب، خاصة بعد أن مليء البئر بالتراب.
وتجددت مشكلة التراب وأين ترمونه من جديد أليس كذلك؟
نعم تجددت المشكلة أين نضع التراب بعد أن امتلأ البئر ؟
كيف ذللتم هذه المشكلة وانتم في الجزء الأخير من هذه المهمة، حتما ًإنّ إصراركم هو أقوى واكبر من المشكلة التي تواجهكم؟

بنينا حائط موازي للصيدلية من الداخل وصبغناه بنفس لون الجدار لوضع التراب وراءه كان هذا الحل الوحيد لنضع فيه التراب المستخرج، معاناتنا لا توصف من شدة التعب والقلق.

الم تفكروا باحتمال كشف الموضوع من قبل إدارة السجن ؟

كلا بالنسبة لإدارة السجن لم نفكر باحتمال دخولها هذا المكان، لكن حدثت مفاجأة، حينما جاء ذات يوم مفتش عام وأراد أن يدخل الصيدلية القديمة التي بنينا فيها الجدار، لكي لا يدخل بشكل طبيعي أسرعت ووضعت استاد الرسم بالقرب من باب الصيدلية وبدأت أسرع في رسم لوحة، وعندما جاء وأراد الدخول، اشمئز من هذا التصرف قائلا ً:
أنتم جمهورية قائمة بذاتها في هذا السجن.... لهذا سوف لن أفتش أي زاوية فيه، إحتجّ وذهب..

كان هذا في الوقت الذي وصلتم فيه إلى نهاية النفق أليس كذلك ؟

نعم بالضبط..
إذن كيف تهيأتم للخروج بعد إتمام النفق وماذا كان ينتظركم ؟

هيأنا أسماء الذين يهربون واخذ صور لهم بحجج واهية لأجل عمل هويات مزورة، وهم لا يعرفون شيئا ًعن قصة الهروب ومراحلها، أو انهم سيكونون أحرارا ًبعد أيام معدودة، جهزنا ملابس كرديه وعربية منوعة.

انتم الآن في المرحلة النهائية بما ذا تتصفُ ؟وماذا تنتظرون ؟

ونحن في المرحلة النهائية لم يبقى لنا مكان نضع فيه التراب فطلبنا عشرة بطانيات قديمة وضعنا التراب فيها ورصصناها مع الجدار، وكذلك بنينا جدار داخل النفق ووضعنا التراب فيه وفرشنا أرضيته بالبطانيات كيلا تتسخ ملابس الذين يخرجون وأيضا ً مددنا سلك كهربائي وأشعلنا الضوء داخلة كي نسهل عملية المرور وننجزها بسرعة قياسية.

وبعد حدثنا أيها الرفيق عن المزيد من تفاصيل القصة المثيرة التي تفوق قصص السندباد والألف ليلة وليلة.. قل ما تشاء...

أنجزنا النفق بطول( 26 ) كما قلتُ، انتهى بعد اختراق ستة سياجات من الكونكريت المسلح باتجاه كراج كربلاء الذي ينتهي بفتحة هي عبارة عن طابوقة.
أعطينا الهويات من هذه الفتحة إلى الرفاق خارج السجن، كانت طابوقة صغيرة ترفع من داخل الكراج وتم إرجاع الهويات بعد تغليفها من نفس الفتحة وفي نفس اليوم بعد ساعات قليلة.

الآن كل شيء جاهز وسوف تخرجون بعد قليل؟

نعم ولكن حدث ما لم نكن نتوقعه فقد حدث شجار داخل السجن، أدركنا إن الحزب منشق بين ما يسمى باللجنة المركزية القديمة واللجنة المركزية الجديدة، وكان احد أسباب الانشقاق داخل منظمة السجن النفق وعرفت إن زميلي على ملاك اللجنة المركزية القديمة واني على ملاك اللجنة المركزية الجديدة (القيادة المركزية) من حيث لا ادري، وان الخلاف كان بسبب حصول البعض على الهويات والبعض لم يحصل عليها وعلم الجميع بقصة النفق إلا السجناء العاديين.

وفي هذه الأجواء المؤلمة ماذا حدث؟ كيف تداركتم الوضع ؟

لقد تقرر تقديم فكرة الهروب (22) ساعة أي يوم كامل وكان من المتفق عليه أن تجري عملية الهروب في 10 عاشوراء لأنّ الكراج مزدحم بالمواطنين وبدل التاريخ بتسعه عاشوراء وتطور الخلاف ليصبح معركة بالأيدي، فخرجت نحو الحانوت لأحتسي الشاي كأني لا ادري شيئا ً ، أراقب الموقف بقلق وألم.

تحتسي الشاي وأنت الذي فعل كل شيء، هل هذا معقول ؟

كنتُ في حالة من الفزع الشديد، الرفاق يدخلون النفق ويخرجون من الطرف الآخر، لكن الكراج كان خاليا، بسبب تقديم الموعد من دون إعلام المكلفين بالمساعدة والاستعداد في الخارج.

يعني أن البعض اخذ يتوجه للخروج ، أي أن عملية الهروب بدأت وأنت في الحانوت ؟

نعم توجه البعض للدخول إلى النفق ..اخذوا يخرجون تباعا ً

ماذا فعلت بعد كل هذا الجهد؟

كنت في حالة من الصراع مع النفس، هل اهرب أم لا ؟ وفي حالة عدم هروبي سيقول الرفاق أني جبنت، لهذا توجهت فورا إلى فوهة النفق ودخلته بملابس السجن
وماذا وجدت فيه؟
وجدتُ أكثر من (15) رفيقا ً وحرس الكراج يصرخ جنيّ يخرج من تحت الأرض، اجنه تخرجون من تحت الأرض وبصوت ٍعال للأسف، كان صديقا ً للحزب لكنه لم يكن يعرف شيئا ً عن الموضوع فاستمر في الصراخ إلى أن نبهَ حرس السجن.
خرجتُ وجدتُ كلبا ًصغيرا ً ينبحُ مع الحرس والحرس يصرخُ هذا احدهم وقفت بالقرب منه، قلتُ له ماذا بك هل لم ترى إنسانا ً ألا تدعنا حتى بالتبول؟ ماذا تعني هذا واحد منهم؟! مسكتُ الكلب ربطهُ بعيدا ً، لمست كتف الحرس كان مذهولا ً.
ها أنت خرجت، الذين سبقوك قد مشوا وهناك من ينتظر الخروج؟

نعم خرجتُ وتألمتُ، علمتُ فيما بعد كنتُ آخر سجين يخرج فقد سبقني ( 46) مناضلا ً ، أما الآخرين فلم يخرجوا بقوا داخل النفق وعادوا للقاعة حينما علمت إدارة السجن بكل شيء...

وبدأت المطاردة خارج السجن ؟

عدتُ للعمل السري في ظل أجواء القمع والإرهاب، أتجول من منطقة لأخرى لحين وصولي المناطق الآمنة في الأهوار .. من لحضتها بدأت قصة جديدة من حياتي لا علاقة لها بالسجن، لكنها كانت في البعض من تفاصيلها وأحداثها اخطر وأفظع من قصة حفرنا لنفق سجن الحلة...
- نشر السجين نعيم الزهيري (أبو واثق) تعقيبا ً في حينه على هذه المقابلة للأسف لا املك نسخة منه يمكن إعادة نشره توثيقا ً للأحداث كما يمكن أن يروي الأحياء من المشتركين في عملية الهروب المزيد من التفاصيل لأجل تسجيلها.
- يمكن لوزارة الثقافة أنْ تتأكد من ما ورد في اللقاء من وجود آثار تحت الأرض في موقع السجن والنفق..


محمد علي محي الدين
13-5-2008



نفق سجن الحلة ملحمة الملاحم في مسيرة الشيوعيين العراقيين



لعل من نافلة القول أن ما كتبته عن دور منظمة الحزب الشيوعي في عملية الهروب من سجن الحلة كانت له أكثر من نقطة ايجابية في مقدمتها أنها كانت الحافز المباشر لأن يكتب الأستاذ العزيز جاسم المطير ما تختزن ذاكرته عن هذه العملية الجبارة التي نفذها الشباب الشيوعيين،وكانت ضربة موجعة للنظام ألعارفي البغيض،جعلت النظام ومن يدعمه من الخارج يحسبون ألف حساب لقوة الشيوعيين وقدرتهم على العمل في أحلك الظروف،وأن هذا الدرس الشيوعي قد فتح الأذهان لأن تحاول دوائر الاستعمار العمل لتغيير الوجوه في المنطقة والإتيان بأصحابهم الذين هم أكثر خسة ودناءة من العارفيين لإكمال المشاريع التي تخطط لها الدوائر الاستعمارية،فكان انقلاب تموز1968 تحصيل حاصل لهذا العمل الجريء،ورد مباشر على الصفعة الموجعة التي أذهلت القوى الرجعية.
وما من شك أن هذا العمل شيوعي الخالص خرج من رحم شيوعي بغض النظر عن التسميات،والاختلافات التي كان لها ما يبررها بسبب السياسة المهادنة آنذاك والبرود الذي رافق العمل الشيوعي تلك الفترة،وبروز أفكار جديدة أعماها البريق الثوري للحركات التي ظهرت على الساحة العالمية،وهي تمثل طريق جديد في العمل الشيوعي ينزع للقوة والكفاح المسلح لتحقيق الطموحات والأحلام،فكان أن وجد هذا البريق أرضية خصبة في ذهنية الشباب الذي لم يجد في الواقع المعاش ما يحقق له شيئا مما يصبوا إليه فكان الكثيرون يحاولون الخروج من الرتابة المملة وتجربة طرق جديدة في النضال،وهذه الطرق دفعهم إليها الدماء الحارة للشباب التي لا تنسجم وحكمة الشيوخ لذلك كان للجيل الجديد تصوراته الثورية التي ترفض العمل ألسلحفاتي الذي لا يمكن له الوصول إلى نهاية الطريق،ورغم أن الاختيارات كانت غير صائبة رافقها الكثير من الأخطاء إلا أنها تجربة علينا استثمارها والاستفادة منها ودراسة جوانبها السلبية والايجابية للوصول إلى قناعات مشتركة تأخذ بالجانب الايجابي لهذه التجربة أو تلك.
لقد أثبت العمل السلمي للشيوعيين العراقيين خواءه وعدم قدرته على تحقيق الطموحات والآمال وبناء ما يريد الشيوعيين بناءه،وتجربة الأعوام الطويلة أثبتت أن الشيوعيين بحاجة إلى أعادة النظر بالكثير من التصورات التي كانوا عليها فالعمل السلمي لوحده لا يمكن له تحقيق الأماني والتطلعات إذا لم يرافقه العمل المسلح ويواكبه التنسيق مع القوى العسكرية القادرة على التغيير في مجتمع مثل العراق،وعلينا الاستفادة من تجارب الآخرين في هذا المجال وعدم ألاعتماد على جانب نضالي واحد وإغفال الجوانب الأخرى في النضال ،وهذا التفكير الأحادي كان وراء ضياع الكثير من الفرص للوصول إلى السلطة،أضاعتها القيادات المتعاقبة نتيجة أخطاء تكتيكية،وخلافات هامشية بين هذا الطرف أو ذاك ،ونحن لا نحاول الخوض في هذا الأمر ونبش الماضي ولكن علينا الإقرار بأن الأخطاء الكبيرة كانت ورائها عوامل أكبر منها لم نستطيع التخلص منها رغم تشخيصنا لها ومعرفتنا بها،ولا زالت الأخطاء ذاتها تقف في طريق التقدم والوصول إلى الهدف المنشود.
والحصيلة الثانية التي خرجت بها بعد قراءتي لمعضلة الذاكرة أن جميع من كتب عن عملية الهروب كان ينظر للأمور من زاويته وضمن الحدود التي حددتها مساراته في هذه العملية ،فما كتبه الأخ عقيل حبش يمثل الجانب العملي لعملية الهروب وما رافقها من إشكالات وإخفاقات والمعالجة لبعض العقبات التي أحاطت بالعمل ،فيما كان لذاكرة أبو يمامة أن تكون ضمن الجانب التخطيطي الذي له أسهامه المباشر فيه،فلم يكن من العاملين في الحفر أو المكتوين بمرارته،ولكنه في الجانب الآخر له دوره الواضح في التهيئة والتخطيط وما يحتاجه العمل من متممات أخرى،وهناك دور لحسين سلطان في العملية علينا أن لا نغبن الرجل حقه ولعل المفاوضات الجارية معه تثبت بما لا يدع مجال للشك أنه عالم بما يجري عارف بالخطوات التي وصلت إليها العملية أن لم يكن من المخططين لها،ولا يمكن لأحد أن يستغني عن رأيه بما يمثله من مكانة حزبية بوصفه أكبر الشيوعيين درجة،أو معرفته بما وصلت إليه الأمور من خلال الجندي المجهول أبن الكاظمية الذي لم يعرف عنه رفاقه الذين معه إلا لقبه(جدو)مع إن الواجب يدعوهم لمعرفة قضه وقضيضه إذا علمنا أنه عمل سنوات الجبهة لفترة طويلة في الجريدة أو اللجنة المركزية كمستخدم هناك،فقد غمطه الجميع حقه وتناسوا دوره لأنه على ما يبدو بسيط بساطة الحقيقة نفسها يعمل بوحي الآخرين لذلك لم يشكل شيئا في ذاكرتهم رغم أنه العامل المجد الذي لم يتبرم أو يشكوا أو يتبجح بما عمل أو أدى من دور.
والحقيقة الثالثة أن هذا العمل الجبار كان سيكون له الفائدة الكبيرة،والنتيجة الأكبر لولا الخلافات التي عصفت بوحدة الحزب تلك الأيام وجعلت الأخوة ألأعداء يحاول كل منهم العمل بمعزل عن الآخر ومحاولة تهميشه وعزله للاستحواذ وحده على مجمل العملية،ورغم أن الأخ المطير قال في البداية أن العملية كانت شيوعية خالصة بغض النظر عن هذه الجهة أو تلك وأنها انطلقت من رحم شيوعي لا علاقة له بهذا أو ذاك الا أن البعض حاول أن يوجهها بالوجهة التي تخدم مجموعته مع التقليل من دور الآخرين،وهو ما لمسته في مذكرات عقيل حبش التي تفضل أخي المفضال الأستاذ أحمد علي الناجي فأعارها لي وأطلعت على ما فيها من وقائع وأحداث كنت أجهل الكثير منها، وكان ما كتبه الأخ المطير أكثر تفصيلا ووضوحا وأكثر حيادية ومنهجية.
ختاما لابد لي من تقديم الشكر والعرفان لكل الأخوة الذين ساهموا في مداخلاتها بما يغني الموضوع وخصوص ألأحبة نعيم الزهيري وعلي عرمش شوكت وصباح كنجي، وتحية لأخي الكريم جاسم المطير الذي كان يحاول ما وسعه الجهد أن يكون موضوعيا وعليه الاعتراف بأن ما كتبته عن عملية الهروب كان وراء هذا السيل من المعلومات التي أغنت الموضوع وأنارت الكثير من جوانبه،وتحية الإكبار والإجلال لمن خطط وفكر ونفذ وأسهم وساعد بيده وبقلبه وبلسانه في أنجاز هذا العمل الشيوعي الخالص وتمنياتنا للجميع بالصحة والتوفيق والنجاح.


محمد علي محي الدين
22-7-2008



البيانات الصاروخية والحقائق المخفية في المسامير المطيرية



رغم أني لست طرفا في السجال الجديد الذي دار بين حميد غني جعفر المعروف باسم(جدو) والذي كان من ضمن المشاركين بعملية حفر نفق سجن الحلة وبين ألأخ الكريم جاسم المطير ،ولكن تبدت لي أشياء جديدة أثرت طرحها مع طلب بسيط من الأخ جاسم المطير أن لا ينفعل ويرسل علينا راجماته وصواريخه العابرة للقارات فيدك الرؤوس ويزهق النفوس أو يشحذ مساميره التي أصبحت هذه الأيام كالسهام الماحقة تدمي وتصيب، لما يمتلك من قدرات استثنائية في صياغة الجملة وما يعرف من طرق ودروب صحفية يجهلها الفقراء أمثالنا ممن لا زالوا يتدربون في مدارس الصحافة المتعددة التي تمثل منهجين رئيسيين المنهج الأول الصحافة التجارية التي يجيدها المتحذلقون ممن يستطيعون تزويق الباطل وإظهاره بمظهر الحق المبين،والقادرين على التلاعب بعقول ومشاعر القراء بما يمتلكون من قابلية على المناورة والمداورة والضحك على الذقون بأساليب بهلوانية لا يستطيع مجاراتهم فيها إلا اللاعبين في السيرك،وهؤلاء لديهم قدرات استثنائية في أفحام الخصم وجعله مضغة في الأفواه رغم أنه صاحب حق وينطق بالقول الواضح والصريح ولكنه لا يجيد ما يجيد أولئك فيكون (صدقه المخربط،ضحية لكذبهم المسفط) وبذلك يكون الحق باطلا والباطل حقا وكفى الله المؤمنين شر القتال.
والنوع الثاني من المدارس الصحفية هي المدرسة المنهجية الملتزمة التي تنشد الصدق وتبحث عن الحق وتبتعد عن الكذب والافتئات وتزييف الحقائق،والتزامها المبدئي يجعلها بعيدة عن المناورات والمداورات التي ينهجها الآخرين فتطرح ما لديها بمصداقية غير أبهة بما يتطاير حولها من رذاذ،بل أنها تصم آذانها عن سماع أي صوت يحاول جرها إلى مهاترات لا تجدي شيئا في موازين الحقائق،فتبتعد عن المناكفات والسجالات التي قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة وتداعيات لا تخدم الحقيقة التي تسعى إليها.
والأخ المطير من المدرسة الثانية لالتزامه الحقيقة وبحثه عنها لذا لن يضيره ما يقوله هذا أو ذاك ولكن بياناته هذه الأيام جعلته في مصاف الانقلابيين الذين لا يتورعون عن الهجوم بدلا عن الدفاع مما يعني أن بصرة لاهاي تختلف عن بصرة العراق،وأن برحي لاهاي ليس برحي البصرة لاختلاف الأجواء وتباين الأمزجة لذلك بتنا نخشى بياناته خوفا على أنفسنا مما تحمل من قنابل ومفرقعات صوتيه قد تطيح بالبقية الباقية لنا في زمن كثر فيه الانقلابين حتى بات المطير أحدهم وعهدي به باحثا حصيفا وقاصا ناجحا وصحفيا ملتزما ومناضلا له في أيام النضال آثار وآثار،فربما أن العدوى قد نالته فأصبح انقلابيا على الانقلابيين،فقد كثرت بياناته وأولها من نصيبي وكان رقمه 111 وثانيهما من نصيب المسكين جدو الذي تناساه الكثيرون وأهملوا دوره مع أنه من المشاركين الذين لا ينكر دورهم إلا مدع أو مكابر،لذلك أتمنى عليه أن يبتعد عن البيانات ويسير في دربه السابق بمقارعة الحجة بالحجة بعيدا عن الصياح الذي لا ننال منه غير الصداع ووجع الدماغ.
لقد قرأت كل ما كتب عن عملية الهروب من سجن الحلة وحفظت عن ظهر قلب ما قاله الجميع ولأني لست مع هذا أو ذاك و لا أبحث لنفسي عن مكان بينهم لذلك سيكون لقولي طعمه الخاص البعيد عن الذاتية والنرجسية التي عليها الكثيرون وسأناقش الحقائق التي أراها راجيا من الجميع عدم اللجوء إلى كيل الاتهامات وتوجيه اللعنات لهذا أو ذاك فأن عملهم البطولي هذا يستحق منهم أن يكونوا بمستواه صدقا وأمانة وأن لا يأخذهم البريق الزائف فيحاول كل منهم إنكار فضل الآخر،أو يتهجم عليه بكلمات تصلح لمهاترات أبناء الشوارع فالجميع طلاب للحقيقة والحقيقة لا تزعج إلا الخائفين من بريقها الوهاج ،لذلك على الجميع أتباع المرونة والهدوء وعدم الانجرار للكلمات الموجعة التي تسيء أكثر مما تنفع وتغيظ أكثر مما تسر دون أن يكون لها نفعا في موازين الاحتجاج والنقاش الهادف الموضوعي.
وقرأت كما قرأ أخي الأستاذ جاسم المطير ما كتبه الأخ حميد غني جعفر،وقد أورد الأخ الكثير من الحقائق عن عملية النفق ودوره فيها ،وقد يكون بالغ أو حجم من دور الآخرين ولكن هذا لا يعني أن نبخس الرجل حقه ونرميه خارج المضمار ،فهو من العاملين في حفر النفق والمساهمين في عملية الهروب وكل عيوبه أنه مع اللجنة المركزية وقريب من الفقيد حسين سلطان لذلك كان معه في الهجوم عندما حاول الآخرون الانفراد بالهروب وتهميش رفاقهم مما يعني أنه كان في قلب الحدث وهذا ما لا يمكن إنكاره أو التغاضي عنه أما عن رأيه في عدم اشتراك الأخ المطير في التخطيط فلا يعطينا المبرر لشن هجوم كاسح يحرق الأخضر واليابس،نعم أنه تجاوز أو لم يحسن الخطاب ،وكان متشنجا بعض الشيء في رده ولكن ذلك لا يعطي المبرر لأن نواجهه بالمثل وخصوصا الأخ العزيز جاسم صاحب الإرث الخالد في الصحافة العراقية فليس من المشرف له أن يكون هجوميا كالكاسحة يكتسح ما أمامه دون أي اعتبار،وهو القادر بما يتلك من قدرات وقابلية أن ينهج نهجا هادئا في نقاشه ليصل إلى ما يريد ،وأن يحاول ما وسعه الجهد الاحتفاظ بالهدوء للوصول إلى ذات النتيجة.
يقول ألأخ المطير" أن ما كتبه الصادق لا يستحق الرد لكثرة ما ورد فيه من مغالطات وتعال ٍ وتحريف ٍ للأحداث والوقائع ، خاصة وان هذا الرجل لم " يقرأ " ، كما يبدو ، ما قاله نبي الشعر والصمت والصوت والصدق والحكمة مظفر النواب خلال لقائه في أمسية دمشقية مع الأستاذ الدكتور قاسم حسين صالح المنشورة في 5 – 9 – 2008 في الحوار المتمدن حين وصف عملية الهروب بأنها أسعد لحظة في حياته .
قال مظفر النواب أيضا أن جاسم المطير هو أحد المخططين الأربعة لعملية الهروب وحفر النفق وبذلك ينفي ادعاءات ومزايدات حميد غني جعفر ( عليه السلام ) نفيا تاما جازما . هذا القول دليل يؤكد أن حميد غني جعفر رجل " لا يقرأ " قبل أن " يكتب " ، فلو كان قد " قرأ " لقاء مظفر النواب لمــَا " كتبَ " هجومه العنيف ضد جاسم المطير الذي جاهد أن يكون موضوعيا في قصة الهروب الجماعي من سجن الحلة وأن يعرض حق كل مشارك من المخططين والمنفذين بما أنجز وفعل من دون أن يهمل أية حقيقة من حقائق عملية الهروب .
للقراء الأعزاء ولحميد نفسه انقل ما قاله مظفر في مقابلة الأمسية الدمشقية :
قال الدكتور قاسم حسين صالح :(( تتنوع لحظات السعادة عند الناس ، فقد تكون ليلة الزواج من الحبيبة أو عودة غائب أو ولادة طفل .. لكنها عند مظفر كانت من نوع أخر. فمعروف عنه أنه حين كان في سجن الحلة عام 1966 عمل مع آخرين على حفر نفق من السجن إلى كراج الحلة
وأجابني : إن أجمل لحظة في حياتي كانت لحظة خروجي من هذا النفق.. كان الليل لحظتها أجمل ليل ..وأجمل نجوم .وأضاف إن قصة حفر هذا النفق طويلة .. استغرق حفره أكثر من عشرين يوما بحسب ذاكرتي . وكان المخططون له أربعة بينهم الكاتب المعروف جاسم المطير ، فيما الذين خرجوا معنا بحدود 28 لم يمسك منهم سوى واحد بسبب الكلب الذي كان ينبح ونبّه الحارس ، برغم أننا أعطيناه قطعة لحم فيها سم ولكنه لم يأكلها ، فعمد اثنان منا إلى مسكه .. فصارت فوضى واخذ الحارس يصيح فمسك احدنا هربنا وكنت لابسا دشداشة وعقال قلت له : انك في نظر كثيرين مثل غيفارا إن لم تكن أعظم منه ، لكنك لم تنل التقدير الذي تستحقه ، فعلى من تعتب ان تكون بهذا الحال ؟ .أجاب : ما عندي عتب على أحد .. وطني مظلوم ، فهل اعتب على مظلوم مثلي !".
والذي لاحظته أولا أن استهزاء الأخ المطير بالفقير (الصادق ) جدو ليس من الموضوعية بشيء ونعته بالأمية والجهل عندما وضع (يقرأ) بين قوسين ليس مما يعيب جدو بل يزيد من قدره وحجمه فهذا الذي لا يقرأ ذو التاريخ النضالي الزاهر الذي قاوم الانقلابيين في 8 شباط ،حين هرب أو انزوى الكثيرون لا يستحق منا هذا الازدراء،وأن من وقف بوجه الحاكم في المجلس العرفي مستهزئا به مما يستحق أن نضعه تاجا فوق رؤوسنا ،وليعلم أخي الكبير المطير أن الأمية لا تزري بصاحبها ورفيقنا الصحفي الكبير أبي كاطع الذي لا يطاوله أحد من صحفيي هذه الأيام كان أميا تعلم في مدرسة العراق الكبرى الحزب الشيوعي العراقي مبادئ القراءة والكتابة وأصبح ممن يشار لهم بالبنان،وكثيرون غيره أقعدتهم الظروف عن أكمال الدراسة ولكنهم كانوا شيئا مذكورا في عالم الفكر والمعرفة منهم مئات القادة في الحزب الشيوعي العراقي ممن لم يحصلوا على شهادات تخرج توضع في إطارات مزججة ولكنهم حصلوا على الأفضل منها وهي شهادة المواطنة والإخلاص والسير في درب الشيوعية الخالد الذي جعل من الكثيرين شيئا ولولاه لما كانوا شيئا مذكورا ومنهم أنا وكاتبنا المطير فهل ينكر على الحزب تقويمه وتهذيبه وتربيته وأعداده ليكون في واجهة الكتاب والصحفيين،و(جدو) منهم ولكنه للأسف الشديد لا يحسن هز الأرداف أو الطبطبة على الأكتاف ولكنه جهادي لا يهاب الموت أو يرهب الردى ومقدام يتقدم الصفوف في كل زمان ومكان،وموقفه عندما حاول البعض الهروب وخيانة رفاقهم يعرفه أخي العزيز المطير،ومثل هذا البروليتير الكادح لا يستحق أن يعامله الماركسي جاسم المطير بهذا الأسلوب الذي يخرج ماركس عن ماركسيته فما بالك بالمطير.
والأمر الثاني تهكمه اللاذع عندما يقول" ادعاءات ومزايدات حميد غني جعفر ( عليه السلام )" نعم عليه السلام وألف سلام فالمناضل هو من يستحق السلام والاحترام،والتقديس والتكريم فلم يتوسل (جدو) إلى مناصب عالية أو مكانة رفيعة أو يسعى لكسب أو مغنم من خلاله انتمائه للحزب الشيوعي ،بل كان عاملا يحفر لتهريب رفاقه،وحارسا أمينا لمقر حزبه ويقدم الخدمات لرفاقه فهو ليس من الطامعين بالمناصب أو اللاهثين خلف الكراسي ولم يكن في يوم من الأيام يسعى ليكون مديرا أو وزيرا بل كان عرضة للاستشهاد عندما واجه الحرس القومي ،وعرضه للنهاية عندما هزأ برئيس المجلس العرفي فهل تستكثر عليه السلام أخي الكريم،أن التكبر والخيلاء من الصفات المذمومة لدى الإنسان العادي فكيف لدى الشيوعي الذي هو في مرتبة أعلا من الصفات الإنسانية.
والأمر الثالث أن استشهاد الأخ جاسم بما يقوله الشاعر الكبير مظفر النواب اعتمادا على ذاكرته القوية قد جعله يقع في مطب كبير ،فأن ذاكرة النواب على ما يبدو لا تختزن شيئا من ذكريات الهروب ولعله يجهل الكثير عنها لعدم الدقة في كلامه بسبب العمر والظروف التي يمر بها الشاعر الكبير،فقد ذكر أن الفترة التي أستغرقها حفر النفق أكثر من عشرين يوما بحسب ذاكرتي،فيما ذكر الأخ عقيل حبش أن المدة كانت من أواخر أيار وحتى ت1،وكذلك ذكر أستاذنا النواب أن عدد الهاربين بحدود 28 لم يمسك منهم سوى واحد بسبب الكلب،فيما أن عدد الهاربين كان45 سجينا وقد أمسك منهم 14حسب رواية حسين سلطان والأسماء التي نشرت في مذكراته وعقيل حبش الذي ذكر ذلك أيضا ،وما ذكر الأستاذ عبد الحسين الساعدي في مقاله عشاق الحرية المنشور في الحوار المتمدن أن عدد الهاربين كان 45 سجين شيوعي القي القبض على 14 منهم،وأن مدة الحفر كانت من نهاية أيار حتى أواسط تشرين الأول /1967 ،من هنا يظهر لنا أن معضلة الذاكرة كانت وراء الخلط وعدم الدقة في المعلومات وأن لا أحد يمكن أن يؤخذ كلامه كشيء مؤكد.
لقد زارني الأخ عقيل حبش قبل أيام زيارة أخوية مثمرة تحدثنا فيها عن كثير من جوانب عملية الهروب وما واكبها من أحداث وما تلاها من أمور ،وهو يؤكد بشكل جازم على دوره الكبير في عملية الحفر مع فاضل عباس حتى النهاية فيما كانت مشاركة (جدو) وكمال كمالة حتى المتر الثامن ،وقال أن كل ما كتب عن النفق أعتمد مذكراته أساسا في الرواية وأن ما ذكره من أحداث كانت المعين لجميع هؤلاء في الكتابة والاستذكار بما فيهم جاسم المطير في معضلة الهروب الذي أعتمد بشكل كامل على كتابه وأورد أمورا كثيرة لا يعلمها أحد غير عقيل ،وقد أعطى لنفسه حجما أكبر بكثير من حجمه في عملية التخطيط والأشراف، وأن دوره كان من خلال علاقته بمظفر،وقد ذكر الأخ عقيل أنه قد أتصل بالمحامي نصيف الحجاج وسلمه جميع المقالات وما كتب عن عملية الهروب لإثبات الحقائق الكاملة عن المخططين والمنفذين لاطلاعه الكامل على مجمل ملابسات تلك الفترة ولأن ذاكرته لا زالت نشطة تحتفظ بالكثير من المعلومات التي تعيد الأمور إلى نصابها،وقد عرفت من خلال محادثتي مع الأخ عقيل أنه يختلف مع جميع الذين أوردوا أنصاف الحقائق وأعطوا لأنفسهم حجما يزيد كثيرا على حجمهم وأنه بسبيل الرد على هؤلاء وتفنيد ما ذكروه،لذلك سأترك الأمر له لأنه العامل الرئيسي في عملية الهروب وعليه وله وحده الحق بالرد وتفنيد ما ذكره الآخرين.
بقي هناك أمر واحد استخلصته من خلال ما كتب عن عملية الهروب أطرحه راجيا سعة الصدر من الجميع وتقبله كرأي محايد لا يميل إلى هذه الجهة أو تلك،ويحاول أن يلم بشيء من الحقيقة الغائبة في هذا الخضم الواسع من الروايات.
*أن عملية الهروب عملية شيوعية مائة بالمائة،وتخطيط شيوعي خالص ،قام به الشيوعيون العراقيون قبل حدوث الانشقاق وعندما كانوا كتلة واحدة لا تمزقها الأهواء والاختلافات،وان الادعاء بأن القائمين به هم جماعة القيادة المركزية هو محض اختلاق مرفوض لأن العمل كان قائما قبل الانشقاق وظهور القيادة إلى الوجود ،وقد ذكر لي الراحل معن جواد أنه عندما كان معتقلا في تلك الفترة كانت البداية للعمل،وبعد خروجه من السجن أعلم قيادة المنطقة بما يخطط له من عملية للهروب،وأن منظمة الحلة قد قدمت المساعدات للهاربين بغض النظر عن انتمائهم لهذه الجهة أو تلك،بل أن شباب القيادة بما يتوفرون عليه من نفس شابه لا تأبه لعقابيل الأمور أغروا الآخرين بالانضمام إليهم على أمل أخراجهم من السجن وأنهم استعملوا مختلف الأساليب الميكافيلية لكسب الآخرين بما يتعارض مع المبادئ الشيوعية الصادقة،والدليل أن أكثرهم بانت معادنهم بعد اعتقالهم وانهيارهم وعملهم مع أجهزة الأمن ومساعدتهم للسلطة ،أستثني منهم الأبطال المحكومين بالإعدام (الأربعة)فقط والذين استشهدوا في معارك الأهوار أما البقية الباقية فقد أسلمت لحيتها إلى البعثيين ليحلقوها بالطريقة التي يريدون فأصبحوا واجهة الأعلام البعثي ،وممثلين للعراق في اليونسكو والمؤسسات الدولية الأخرى وغير ذلك من الأمور التي من المعيب استعراضها لأنهم أخوة ورفاق رغم كل سلبياتهم وسيئاتهم.
*ألأمر الثاني أن حسين ياسين المعروف بتذبذب مواقفه وأنانيته،وتفكيره بمصالحه الخاصة دون الاهتمام بمصلحة المجموع كان على اتصال دائم بالراحل حسين سلطان ويطلعه على ما يجري أولا بأول ويستلم التعليمات منه قبل الانشقاق وبعد الانشقاق ،وكان يتعامل مع كل جهة على حدة دون علم الجهة الأخرى،ولأنانيته التي ذكرها عقيل حبش في مذكراته عندما حاول أغراء أحد الحراس بالمال ليسهل له عملية الهروب وعندما حاول الهروب منفردا وأحدث ثقبا في النفق يتبين لنا أنه كان لا يعير اهتماما للروح الرفاقيه وأنه ليس مع القيادة أو اللجنة ولكنه مع نفسه ومصالحة،والدليل أنه هرب في البداية وترك الهويات دون أن يسلمها لجماعته ،ونجا بنفسه دون أن يفكر بالآخرين ،وكان أول الخونة المتعاونين مع السلطة وقد أودى انهياره بالمئات من الشيوعيين الذين وشى بهم وذهب الكثيرون منهم ضحية خيانته،وهذه النهاية المخزية تثبت أنه ليس مع ألقيادة أو اللجنة وأنه شخص ألعبان لا يؤتمن جانبه وعلى استعداد لخيانة الجميع من أجل مصلحته الذاتية.
أن الأمر أصبح في ذمة التاريخ وعلى الكاتب الذي يتصدى لتناول هذا الأمر توخي الدقة بعيدا عن الأنانية وحب الذات وأن تكون الحيادية طريقه للوصول إلى الحقيقة وبدوري أدعوا الأخ عقيل حبش أن يكون وفيا لمبادئه ويقول كلمة الحق،وأن تكون ذاكرة نصيف الحجاج قوية بما فيه الكفاية لاستذكار كلمة الحق وقولها ووضع النقاط على الحروف دون محاباة أو مزايدة لهذه الجهة أو تلك،ختاما لا يسعني إلا تقديم الشكر للأخ جاسم المطير على سعة صدره في قبول عجري وبجري وله مني المحبة المقرونة بالاحترام.


محمد علي محي الدين
17-9-2008



عتاب إلى محرري طريق الشعب



رغم أني من أكثر الملتزمين بالضوابط والالتزامات التي تفرضها الأنظمة سواء كانت حكومية أو حزبية ،إلا أن الواقع يفرض بعض الأحيان الخروج عنها وتناسي صرامتها بعد أن ينفذ الصبر ويتوفر العذر ،لذلك يبدو أن الالتزام أصبح في عالم اليوم خاضعا لما طرأ على العالم من انفلات في مختلف الميادين وعلى جميع الأصعدة وحق لنا نحن العراقيون أن ننفلت على قاعدة (على حس الطبل خفن يرجليه) وأن لا نلتزم بما كنا نراه من الفروض التي لا يمكن تجاوزها أو نسيانها في أصعب الظروف والأحوال.
وما دفعني إلى هذه المثاليات الفارغة ما قرأته في جريدتنا طريق الشعب من أخطاء ليس من الصحيح أن تقع بها جريدة لها هذا الاسم الكبير في عالم المطبوعات ولها قدمها التاريخي بوصفها أقدم جريدة تصدر عن أقدم الأحزاب العراقية وأكثرها مصداقية والتزاما وضبطا،والأغرب من هذا أن صفحاتها مغلقة على البسطاء من أمثالي ممن لا يعرفون الهز والنطز ،أو يرتبطون بعلاقة مع الحريري أو غيره ممن يسودون صفحاتها أو يشرفون عليها ،ولأن الدكتور الجميلي حفظه الله ورعاه لا يقبل النقد النزيهة والتوجيه الصائب لأنه فوق النقد وأعلا من التوجيه لذلك لا يأخذ رأينا طريقه عبر الأطر الرسمية ولا عبر الوسائل الإلكترونية فنضطر إزاء ذلك إلى نشر الأمور على الملأ عسى أن يرعوي هؤلاء ويشعرون بقيمة الكلمة وما يفرضه عليهم وجودهم في الأعلام الشيوعي من دقة ونباهة وبساطة وتواضع فيتقبلون الرأي حتى أن كان من المعادين أو المغضوب عليهم ولا الضالين ولا يتصورن أحد أني أوجه هذا النقد للحزب ،وإنما لأشخاص هيمنوا في غفلة من الزمن على أعلامه فساروا به في الطريق الخاطئ،واستبدوا بآرائهم فصدرت منهم الأعاجيب.
ومشكلتي معهم ليس هذا أوانها وربما لنا عودة إليها ولكن الأمر الذي أثارني وجعلني أضطر للتصريح والتوضيح هو ما ينشر في صفحة شهادات التي يشرف عليها محرر لا يعرف عن الحزب أو تاريخه شيئا ،فتجوز عليه الكثير من الهفوات الفاضحة وكان الأولى أن يعهد بأمرها إلى كفء قادر عارف بتاريخ الحزب ومنعرجاته النضالية حتى لا تكثر الأخطاء وتتراكم وتكون الجريدة محلا للانتقاد بسببه ،والحزب فيه الكثير من الأفذاذ العارفين بتاريخ الحزب وخفاياه والقادرين على تجنيب الجريدة مثل هذه الأخطاء المعيبة فلماذا لا يعهد إليهم أمر الأشراف عليها بدلا من أيكال الأمر إلى من يجهلون أي شيء عن الحزب وتاريخه.
لقد نشرت الجريدة قبل أيام مقالا لأحد محرريها المدعو علي شنشون عن عملية الهروب من سجن الحلة ،وقد شرق وغرب وأنث وذكر وطاف حول الموضوع وأورد أمورا ما أنزل الله بها من سلطان وليس لها من أثر إلا في خيال الكاتب ولا تمت إلى الحقيقة بصلة لا من قريب أو بعيد ،فقد أخطأ في تاريخ الهروب وطريقته وأسماء الهاربين وما حدث قبل الهروب أو بعده وكان على المشرف على الجريدة أو رئيس تحريرها الباحث النحرير إبراهيم الحريري صاحب التنور الحارق والفكر البارق أن يراجع هذه المسائل التاريخية ولا يسمح بتمريرها لما فيها من أخطاء واضحة لا يمكن لجريدة رسمية أن تخطيء بها،وبما أن سمة الشيوعيين القراءة فلابد أن يكون الأستاذ رئيس التحرير أو أحد المحررين قد قرأ ما كتب عن العملية في المواقع الالكترونية والذي تجاوز مئات الصفحات بين تأييد وتفنيد واثبات ونقض للوقائع ولو كان أحد منهم يقرأ لما فاتت عليهم هذه الأخطاء وقادتنا إلى هذا الخروج عن الضوابط وكشف الأمور علانية،وكان بودي أن أرسل إليهم التصحيح عن طريق البريد ولكن الحجر الصارم بحقي من قبل السيد الجميلي ورئيس تحريرها جعلني أضطر لسلوك هذا الطريق وانشر ذلك في المواقع.
أنني أدعو الرفاق العاملين في الجريدة والمشرفين عليها أن يكونوا بمستوى الطريق ولا يخرجون عن الطريق لأن الخروج عن الطريق يعني في أبسط أشكاله أنهم غير أهل لمثل هذا الموقع وعليهم التنحي وإفساح المجال لمن هو أفضل منهم ليقوم بواجبه في الحفاظ على صحافة الحزب من تطفل المتطفلين،وإيكال الأمر إلى القادرين على القيام بمثل هذا العمل (وانطي الخبز الخباز ته حتى لو تأكل نصه) ولا أعتقد أن شيوعيا يأكل الخبز بمعزل عن رفاقه النجباء ،لذلك أتمنى على قيادة الحزب حسن اختيار العاملين في الصحافة لأنها الواجهة الإعلامية للحزب وصورته التي يراها الناس ولا نرضى أن تكون الصورة هكذا وعذرا من قوارص الكلم وشدة الهجوم فهؤلاء يستحقون الأكثر لأنهم دون المستوى المطلوب للصحافة الشيوعية.


محمد علي محي الدين
12-11-2008