مشغل الشرق للثقافة الديمقراطية

 

هل يمكن الحفاظ على الهوية الثقافية للمهاجرين من الدول العربية في الشرق دون التفاعل مع الثقافات السائدة في بلدان اللجوء وخاصة على صعيد مواكبة التطورات المتسارعة التي يشهدها ميدان العلم في مختلف مناحي الحياة العصرية؟

والجواب بالتأكيد أن الثقافة كوسيلة للتعبير عن الذات الإنسانية تحتاج باستمرار إلى التفاعل الإيجابي مع الثقافات الأخرى, ذلك يعني بالدرجة الأولى, أن المرء لا يمكن أن يحافظ على هويته الثقافية على الصعيد الثقافي والفكري عموما, من خلال تأكيد الذات بصيغتها الراهنة, وإنما السعي إلى تأكيد الذات بإطارها المتطور, لان الثقافة بدورها (كائن) حي وتحتاج إلى جميع مستلزمات النمو والتطور وبدون ذلك تفقد الثقافة قدرتها على تأكيد وجودها الفاعل قبل أن ينتهي الأمر بها إلى الاضمحلال.

نشير إلى هذه البديهية, لان هناك للأسف, الكثير من المهاجرين من دول الشرق, يتصورون أن الحفاظ على الهوية الثقافية الخاصة, تعني البقاء خارج إطار مجتمعاتهم الجديدة في المنفى. هذه الخشية التي ترقى في أحيان كثيرة إلى مستوى الخوف, هي من بين أهم الدوافع التي تؤدي بالكثير من هولاء المهاجرين إلى التقوقع على الذات وعدم السعي بشكل جاد إلى البحث عن حلول واقعية تساعدهم على مواجهة تبعات المشاكل الحادة التي تعصف بحياتهم وخاصة على الصعيدين الثقافي والاجتماعي.

هذا التعارض المحتدم ما بين منظومة قيم وأفكار متناقضة جذريا في الغالب والذي يتصاعد باستمرار جراء تفاقم المشاكل الاقتصادية في بلدان اللجوء وانتشار البطالة وتصاعد مشاعر العداء للأجانب, لا يمكن بالتأكيد مواجهته عبر التقوقع على الذات وإنما بالعمل وباستمرار من أجل أيجاد السبل الواقعية التي يمكن أن تساعد المهاجرين الحفاظ على ما هو إيجابي في إطار موروثهم الثقافي والاستفادة في ذات الوقت من الجوانب الإيجابية في إطار الثقافات السائدة في إطار مجتمعاتهم الجديدة وخصوصا على صعيد اكتساب الوعي الديمقراطي واعتماده على صعيد الممارسة كوسيلة حضارية للتفاعل بين مختلف وجهات النظر والتوجهات الفكرية.

هذا التفاعل الإيجابي على الصعيد الثقافي, هو السبيل الواقعي , أن لم يكن السبيل الوحيد, لإغناء وتطوير ثقافة المهاجرين وتعزيز دورهم في مختلف مناحي الحياة في إطار مجتمعاتهم الجديدة, وهو جدير ببذل الكثير من الجهود والصراع من اجل تحويله إلى ممارسة على ارض الواقع, خاصة وان تحقيق هذا الهدف يصطدم مع الجوانب السلبية من الإرث الثقافي للمهاجرين من دول الشرق, والتي تتحكم في وعي الكثير منهم وخاصة ما يتعلق بالموقف من حرية الفكر والديمقراطية وحقوق المرأة.

العمل من أجل تعزيز التفاعل الإيجابي ما بين ثقافة المهاجرين من دول الشرق مع الثقافات السائدة في بلدان اللجوء, وعلى نحو يساعد على تطوير وعي المهاجرين وتعزيز قدراتهم على تأكيد وجودهم الفاعل في مختلف مناحي الحياة في إطار مجتمعاتهم الجديدة, تشكل الدافع الأساس للمبادرة والسعي من أجل إقامة مشغل الشرق للثقافة الديمقراطية من خلال اعتماد الانترنيت, كوسيلة متطورة للتواصل بين المهاجرين على مستوى الأفراد والجمعيات الثقافية في بلدان اللجوء, ونتحدث بشكل خاص عن الدول الاسكندنافية, ممن يرغبون المشاركة بالعمل والنضال من اجل تفعيل دور العقل, نشر الوعي الديمقراطي, مكافحة كل أشكال العنف ضد النساء والشباب والأطفال.

منطلقنا في العمل, القناعة بوجود إمكانيات كبيرة وواعدة ,وفي مختلف المجالات والاختصاصات والتي بمقدورها تقديم صورة إيجابية عن المهاجرين من الدول الناطقة بالعربية في الشرق , صورة مغايرة لما هو سائد من تصورات مشوهة محكومة بالأساس بالانطباعات الملموسة عما هو سائد في سائر الدول العربية من أشكال القمع والإرهاب والتخلف.

نحن نعتقد أن النضال وعدم الاستكانة من اجل تأكيد ما نملكه من طاقات يتطلب تحويل النجاحات الفردية في مختلف المجالات الابداعيةالى عمل جماعي تستطيع من خلاله هذه المجموعة من المهاجرين تأكيد حضورها الثقافي الفعال الذي يستند في جذوره إلى ثقافات وحضارات تمتد عميقا قي جذور الوعي الإنساني.

 

 

سمير سالم داود

November 1999