حول إشاعة الديمقراطية في العراق

 

لنعرّف الديمقراطية أولا ،  ما هو المقصود بهذا التعبير ؟ اغلب التعريفات اتفقت على أن الكلمة تعني حكم الشعب والاستجابة لما تقرره صناديق الاقتراع ، ولكن تحقيق هذه المعاني الجميلة لا  يأتي فجأة وانقلابا ، بل يجب أن تكون الأوضاع الزمانية والمكانية مناسبة للتحقيق ، كما أن الناس يجب أن يعتادوا على هذا المفهوم ، وانه من غير المنطقي أن  تتحول حياة الجماهير من سياسة  تكميم الأفواه ، والمحاسبة الظالمة على كل كلمة تقال ، حتى لو  كانت غير مقصودة، لمعاقبة صاحبها بأقسى العقوبات ، التي لا تتناسب مع طبيعة العصر ولا جمال الكلمات التي يدعي بها المسئولون في الحكم ، بما هو ضد الواقع.

 الديمقراطية من الأمور الجميلة والرائعة، والتي ناضل شعبنا العراقي من أجل تحقيقها مئات السنين ، وبذل الكثير من الجهود، وضحّى بدمائه الزكية الطاهرة ،من أجل أن يحيا كما يعيش البشر في مكان يحترم حقوق الإنسان، في الكرامة أولا والعيش الرغيد ثانيا.

هل كان المجتمع العراقي يعيش الديمقراطية، حتى نكون مطمئنين ألا انه سوف يتحقق هذا الحلم الجميل، الذي  ظل يداعب المخيلة البشرية سنين طويلة ، هل عاش العراق في ظل احترام الآخر، وتقديره ومنحه حقوقه، رغم اختلاف الدين والقومية والمذهب والمعتقد السياسي ؟ ألم يسع السياسيون إلى فرض الرأي الواحد بالقوة ؟ ألم  يحرم أتباع بعض القوميات في العراق، من حقوقهم الأساسية، في التعلم والسفر والسكن والصداقة والحب ، ألم تفرض سياسة التعريب على القوميات غير العربية في العراق ؟ ألم يبعد الملايين من خيرة أبناء العراق  عن وطن جميل كبلادنا ، أحبوه أكثر من أي حبيب آخر، وقدموا من اجله التضحيات ؟

هذه الممارسات الدالة على التفرقة العنصرية بين أبناء البلد الواحد، كنا نجدها وان كان بإشكال قليلة، قبل مجيء حكم البعث ، ولكن القمع و سياسة التفريق العنصرية التي اتبعها الحكم البائد، والتي ميزت بين أبناء الشعب العراقي تمييزا شاسعا وعنيفا، على أساس القومية والدين والمذهب والمعتقد السياسي ، فرضت سياسة التبعيث على أفراد القوات المسلحة، وعلى طلاب الصحافة والمسرح أولا ، كما فرضت هذه السياسة على وزارة التربية والتعليم وعلى موظفي الدولة، مما جعل الملايين من الناس غير البعثيين، والذين لم يريدوا ان ينتموا رغما عنهم ، اجبر الكثير من هؤلاء على الهجرة من الوطن الحبيب، إلى بلاد متوزعة في العالم ،يعانون الغربة وانعدام الرفيق والحبيب ، وقد يعانون من شظف العيش، بالإضافة إلى أنواع من المعاناة الأخرى، أن كانوا قد اختاروا الهجرة إلى إحدى البلاد العربية التي لا تتوفر فيها  فرص كثيرة للشغل.

من اضطر إلى البقاء في العراق ، بسبب عدم استطاعته الابتعاد عن الأهل والوطن، أو لعدم حصوله على جواز السفر، أو لعجزه  عن توفير النقود اللازمة للسفر ، كل تلك الأسباب مجتمعة ،جعلت الذين يفضلون البقاء في وطنهم العزيز يتعرضون إلى سياسة همجية ، لقمع الإنسان ومحاربته في الرزق و تجنيد الجواسيس والبصاصين، لتسجيل أي كلمة يقولها الإنسان العراقي، وتفسيرها بما يحلو للفئة الحاكمة ، كما أن النظام قد أشعل الحروب العبثية الجائرة ،ضد الجار والصديق، مما جعل العراقي يعاني من كثرة الأعداء المحيطين به، وهو لم يقترف إثما يستدعي العداوة، ولكن الناس في عالمنا العربي، يحاسبون الشعب بدلا من محاسبة نظامه ،لانهم عاجزون عن محاربة ذلك النظام ، هذه الحروب الجائرة كان من نتائجها الكارثية ،أن تخلّف الملايين من القتلى والجرحى والمعوقين ،والكثير من اليتامى الذين فقدوا الأب رمز العطاء والمحبة ، مما جعل الأم تقوم وهي المتعبة بفقد الأب والأخ والحبيب، بما يقوم به الرجال والنساء معا ، وأحيانا لم تكن المرأة مؤهلة، للقيام بدور الإنفاق على العائلة ،بسبب عدم توفر العمل ولأنها لم تحصل على التعليم المناسب للقيام بالعمل ،و نتيجة هذا وجود عدد كبير من الأيتام والمعوزين، الذين فقدوا العائل كما فقدوا الحنان، وهم لم يستطيعوا الذهاب إلى المدارس، بل قاموا بوظيفة العائل للأسرة ، وهم بعد لم يبلغوا الحلم بل ما زالوا في مرحلة الطفولة ، التي تحتاج إلى شد الأزر ، كما أن سياسة التبعيث التي اتبعت، في الإعلام من صحافة وتلفاز، كما اتبعت في وزارة التربية لتصوير النظام الحاكم بأنه النظام المناسب جدا لهذا الشعب الذي قالوا عنه انه لا يمكن أن يساس إلا بالقوة وبحكومة ظالمة مثل الحجاج وصدام حسين ، كما غذت المناهج المدرسية الميول العنصرية والعداء الطائفي للمذاهب الأخرى ،في وقت يجب أن  تعلم الناشئة أن الانتماء ينبغي، أن يكون للوطن وليس للحكومة ، وان الحب يستحقه كل أبناء البلد على السواء دون التفريق بينهم ، وان حقوق المواطنة لا تقتصر بطائفة معينة على حساب الطوائف الأخرى ،

   لم يسقط ذلك النظام الذي لا مثيل له بالظلم والعنجهية بأيد عراقية ، لان أقوى دولة إمبريالية في العالم ، شاءت أن تسقطه في الوقت  الذي يتلاءم مع مصالحها في المنطقة والعالم ، وبذلك اظهر الإعلام الشعب العراقي، وكأنه مجموعة لاراي لها، تأتمر بأمر الاستعمار وتصفق له، وإنها لم تتصد لمجيء أمريكا إلى العراق ، ويتناسى أولئك الذين يطلقون الاتهامات، بحق الشعب العراقي، أن صدام الذي  كان القائد العام للقوات المسلحة، لم يوعز للجيش بمحاربة الغازي بل هرب إلى الحفرة التي كان قد جهزها سابقا.

كل هذه الأمور بالإضافة ،إلى أن الشعب العراقي وجد نفسه وحيدا ، تخلى عنه الصديق والقريب، متهما بالوطنية والقومية والدين ، وان العديد من الفتاوى تصدر ومن أناس مختلفين لإبادة هذا الشعب الأصيل، وتفجير الآمنين من الناس في المدارس والمستشفيات والأسواق والطرق بحجة المقاومة ، أي مقاومة تبيح قتل العراقي وتعريض حياته للخطر؟. وإجبار الكفاءات على مغادرة الوطن أو التعرض للقتل ؟

في ظل هذا الوضع الخطير جدا والذي يستدعي تعزيز الجهود ، ويدعو كل العراقيين إلى التحرك سريعا ، ووضع حد للاقتتال السياسي المصبوغ بالصبغة الطائفية ، فان العراق قد تعايشت فيه القوميات ، والأعراق والمذاهب في وئام وسلام على ربوعه الطاهرة ، وانه في ظل انعدام الأمن والكهرباء والماء وان الشرطة العراقية مخترقة ، فانه لابد من تغليب المصالح الوطنية على القضايا الخاصة ، فانه في ظل هذا الوضع لا يمكن أن تكون ديمقراطية ، التي تعني ضمن ما تعنيه من أمور هو التعايش بسلام واحترام الآخر في وجهة نظره ما دام لا يؤذي أحدا.

صبيحة شبر  آب 2007