من يخرج العراق من عنق الزجاجة؟!

 

كان يوما بهيا ورائعا ذلك الذي سقط فيه الطاغوت وانهار عرش الظلم والفاشست في العراق وحتى بعض البعثيين أنفسهم ممن كانوا في ضيق شديد من ظلم صدام الأجرب وبطانته الرعناء، شاركوا العراقيين أفراحهم لأنهم تخلصوا من كابوس جثم على صدورهم كبقية العراقيين المنكوبين وهؤلاء ممن تهافتوا على الحزب الفاشي لأسباب شتى يعرفها العراقيون جميعا وينبغي أن لا نبرأ من تحول إلى أداة لنحر العراقيين حتى وان ساهموا بتدبيج تقاريرهم الكيدية اللعينة التي راح ضحيتها الآلاف من خيرة أبناء العراق الكل ينبغي أن يحاسب ولكن لا بأسلوب انتقامي قد يذهب ضحيته العديد من الأبرياء ويختلط الحابل بالنابل رغم أننا عانينا الأمرين من هؤلاء رغم تفاوت إساءاتهم للصبينة السياسية التي كانوا يفزعوننا بها،  ومرت علينا كوابيس رعب لا يمكن نسيانها أو تناسيها لأنها بقيت محفورة في ذاكرتنا لما كانت تسببه من رعب مخيف ظل يلازمنا حتى بعد هروبنا من القمع ألبعثي الأرعن، إنما يتوجب التروي عند محاسبة المجرم عن غيره وعلى قدر التفاوت في حجم الجرائم والتجاوزات التي حصلت.

  وجدت في هذا التذكير مدخلا أساسيا لما يعانيه العراق والعراقيون من كوارث تهز يوميا وجداننا وتسيح الدم العراقي دونما بارقة أمل يمكنها أن تفتح ولو ضوءا خافتا في نفق العراق المظلم والحالك السواد، ترى ما الذي حدث حتى يصل العراق إلى دوامة الخراب اليومي هذه وما هي الأسباب التي وصلت بنا إلى هذا الكم الهائل من العذاب بعد أن استبشرنا خيرا ورقصنا فرحا بسقوط الصنم الأجرب؟

         تلك هي الأسئلة التي باتت تشكل لنا طلاسم وأحجية عادت من الغموض درجة أننا عدنا في حيرة من أمرنا لا نعرف كيف السبيل للخلاص منها بعد أن دخل العراق في هذه الدوامة المرعبة التي بات البحث عن منفذ منها ضربا من الخيال بالنسبة للعراقي المعروف بمبادأته لإيجاد الحلول لأية مشكلة مستعصية مهما بلغت درجة تعقيدها.

       بداية كان الغزو الذي لا نخفي انه خلصنا من اعتي نظام فاشي في التاريخ لكنه جلب هذا الغزو لنا الكوارث، فقد أصلح أمرا وافسد أمور. يقولون أن أمريكا حينما تخطط لأي أمر ما تعتزم القيام به، تجد أقصى حالات الفهم للأسباب والنتائج المتعلقة به، ولكن ما حصل في العراق من كوارث جراء الغزو غير المدروس اثبت دون أدنى شك أن أمريكا لا ترى الأمور ابعد من أرنبة انفها ولا تحسب للنتائج جراء أفعالها أي حساب ولنا في تجربة العراق خير دليل على ذلك وقبلها مواقفها الداعمة لإسرائيل والتي أدت إلى تنامي الحقد والكراهية ضدها عبر عقود الأزمة الفلسطينية دون أن تمسك العصا من الوسط وتحابب هذا وتجامل ذاك تحقيقا للعدالة التي تتبجح بها وإبقاء الفتنة نائمة على اقل تقدير، ولكنها تعاود ذات الأخطاء مرة تلو أخرى، دون أن نجد بادرة حسن النية في سلوكياتها الرعناء ولنا في تجارب المغامرات التي دخلتها، من فيتنام حتى العراق مرورا ببلطجتها في أمريكا اللاتينية واسيا وأفريقيا ودول أوربا الشرقية وتجربة أفغانستان التي قصمت ظهرها وظهورنا أيضا، جراء السياسات الخرقاء التي مارستها بحق أنظمة وشعوب لا يروق لها ما تفعل ولم تكن طيعة لما يريده اليانكي الأمريكي فمارست فوضاها بطريقة بشعة ورعناء، ومما يزيد الأمر اندهاشا وغرابة أن وراء هذه السياسات عقول ومؤسسات استخباراتية، وخبراء وسياسيون مرموقون وإمكانيات مالية هائلة ولكنها دائما تؤدي إلى نتائج اقل ما توصف بالغبية والخرقاء، أعطوني بربكم عملا حكيما أدى إلى أن يمتدحه الناس حتى من لدن المصفقين  لسياسة أمريكا، فقط هم يتشدقون بإسقاط النظام السوفيتي والحقيقة أن من اسقط النظام السوفيتي هو النظام نفسه، نتيجة السياسات الرعناء والتطبيق المغلوط للفكر الماركسي- اللينيني، وتحويل  الدول  السوفيتية إلى قلعة مخيفة، محاطة بأسوار هائلة ومرعبة، وسدوا كل المنافذ أمام الناس لإطلاق المبادرات واختيار ما يريدون وعدم فتح الأبواب أمام موجات التغيير وكم الأفواه، فاحتقن الغضب في داخل المواطن المحاصر، ووقعت الكارثة وحصل التفكك. ثم هم يتبجحون بنشر الديمقراطية وإزالة الأنظمة الفاسدة ولكن على الطريقة الأمريكية وأهوائها هي، وكيف ترى الأمور لا على أسس منطقية، بعيدا عن أهداف تحيل الأسود ابيضا والأبيض اسودا، بعنجهية غبية ودون دراية بكل تفاصيل أهداف التغيير المعلنة وهو في حقيقة الأمر تغيير باتجاه الخراب لا البناء والتحرر كما يزعمون، ولنا في تجربتي العراق وقبلها أفغانستان البرهان الأكيد.

   إن ما يعانيه العراق اليوم من فوضى بلغت حد الفنتازيا واللامعقول، لها أسبابها والتي يقينا لا تبتعد عن الفعل الأمريكي وسياسة الأنفة  التي تمارسها ضد شعوب الأرض، لاعتقادها بان ما تراه هو الأنسب لتلك البلاد وهذه هي الكارثة العظمى، فكيف لها أن تزيل دولة لها من الإرث والتاريخ المشرق لا في زمن صدام الأبله، بل تمتد لقرون، أسس لها العراقيون بجهد عظيم وسخروا قدراتهم الهائلة لبناء دولتهم قبل ظهور أمريكا ذاتها إلى الوجود، وليست هذه الدولة هي وليدة العهد البعثي المقبور، رغم أن الفاشست من البعثيين، أسسوا لأسوأ  حالات الأنظمة القمعية لإدارة الدولة، ولكن العراقيين يعتزون بتفاصيل هائلة من تركيبة مجتمعية يعود إلى نسيج حضاري ضارب في عمق المواطنة والانتماء القوي للأرض ومكونات الدولة العراقية، معتزين بهذا الانتماء لتلك الأرض التي تمتد في عمق الحضارة الإنسانية لآلاف السنين، لكن أمريكا قد نسفت هذا المعطى ونظرت إلى العراق وشعبه الخلاق بطريقة دونية، ألغت من خلالها كل ذلك الإرث الذي يشرف كل إنسان أن ينتمي إليه. فالدولة ليست دولة صدام والجيش ليس جيش صدام والمؤسسات ليست كذلك، رغم الشوائب العديدة التي كانت تستوطنها بسبب حكم البعث القمعي، ولكن العراقيين كفيلون بان ينظفوا بيتهم بعد أن انزاح الصنم لا أن نمحو كل شئ، ونؤسس لمنظومة دولة جديدة ، بقيم تراها أمريكا بأنها جديدة لان العراق ليس دولة هشة وطارئة ولا ترتكز على ارث هائل بشري وتاريخي وهنا الخطأ القاتل الذي وقعت به أمريكا كعادتها دائما حين تبيح لنفسها أن تفكر وتخطط للآخرين ولكن بعقلية متعالية وبالتالي وقع ما وقع وكان الزلزال. ولا نريد أن نذهب ابعد من ذلك، لكن ما يهمنا هو مصير بلدنا وما آلت إليه الأمور، ولنعرج على الأسباب الأخرى.

     حين وقع التغيير وانزاح الصنم لم نكن نتصور أن من كان بالأمس من اشد المتضررين من نظام البعث وأكثر المتحمسين إلى التغيير يتحول هو ذاته إلى مصدر للفوضى والعبث فيعود العراق بسبب دونية من كان البارحة ضحية، إلى جلاد وبطريقة خسيسة ونتنة، إلى قاتل وسفاح ومخرب ولص ومجرم ولكن ضد من؟ انه الشعب العراقي المظلوم الذي بات يتقاذفه المجرمون، من بعثيي الأمس إلى مليشيات عفنة ورعناء مرورا بمجرمي القاعدة الأوباش،  وامتداد لأيتام صدام اليوم، والمصيبة أن جل ساسة المعارضة الذين رفعوا  شعار إسقاط النظام الصدامي طيلة سنوات المحنة العراقية، يساهمون في هذا الخراب، بدل أن يكونوا البديل الأنسب لإنقاذ العراقيين من براثن العهد الصدامي وبناء العراق الجديد الذي استبشر العراقيون خيرا ليخرجوا من السجن الرهيب الذي كان صدام وبطانته يرتهنونهم فيه، حيث برزت على السطح قوى غريبة عجيبة، فرغت كل حقدها باتجاه الدمار لا الأعمار، وبات مستقبل العراق على كف عفريت وتحت طائلة الرعب في وجود هذه الطفيليات الخطيرة والتي باتت تتناسل بشكل مخيف، وظهرت مجاميع خطيرة تنتمي إلى فوضى الخراب أيام الحصار وكم الأفواه وقطع الإطراف والقتل المجاني، فكانت إفرازات لتلك المرحلة، حتى تفجر غضبها لحظة انهيار الصنم بطريقة فضة وبشعة، وكأنها مخلوقات هبطت من كوكب آخر كانت تنتظر لحظة الانقضاض  لتنشر فوضاها في غياب سلطة القانون وانهيار الدولة بالكامل، وهذا أمر قد يبدو طبيعيا في ظل أي نظام قمعي شمولي مخيف، وهذا ما حدث للنظام السوفيتي حين انهارت تلك المؤسسة العملاقة بشكل تراجيدي وفي غضون أيام. عند السقوط انهار كل شئ وسنحت الفرصة لكل الأوباش ممن يفتقدون الحس الوطني وهم نتاج الحروب الرعناء والمغامرات الصدامية، فانتشروا كالذباب في الأرض العراقية ناشرين الفزع والرعب والفوضى، والسلطة غائبة تماما فتشعبت اتجاهاتها وتكويناتها، منهم من لبس ثوب الدين بصورته البشعة وتبنى أهدافا رعناء، وشكل جيشا على طريقته الخاصة اسماه بالعقائدي وبات يعبث بالبلاد كيف يشاء، جامعا حوله أعداد هائلة من الشباب الطائش وتحت قيادة ضحلة وساذجة لا تفهم من أمور الدين والدنيا إلا القشور، ليزرع فيهم أحقاد الماضي ويحرض فيهم نزوع القتل والدمار للبلاد والعباد، فاتحا منافذ مشرعة لكل من هب ودب من القتلة والمجرمين وأيتام صدام من جيش القدس وفدائيي صدام والأجهزة القمعية الأخرى،  وكان الصمت لقوى الأمن المكلفة بحماية الناس هي الشريك الأكبر في الانحياز إلى هذه الفئة الضالة حتى باتت تشكل الآن مصدر قلق حقيقي على مستقبل العراق لارتباطها بأجندات دولة متخلفة لا تعرف من الشأن السياسي غير لغة البلطجة وإدارة ظهرها لما يدور في العالم المتمدن، وهنا يكمن الخطر الداهم على العراق منها إن لم يتم قطع دابر الفتنة المرتبطة بها من خلال العمل بكل الاتجاهات لوقف خطر عملائها من العراقيين الذين يشكلون جيشا فنتازيا داخل الدولة العراقية.

      ابعدوا العراق من حكومة الطوائف والانتماءات العرقية والدينية والقومية لأنها سبب البلوى ومصدر الكوارث التي يعيشها العراق، وليكن الانتماء للعراق فقط، الذي يستوجب تعرية وفضح وإقصاء كل هؤلاء الذين باسم الدولة والانتخابات وحكومة الوحدة الوطنية يمارسون دورا تخريبيا ويكرسون مفاهيم بعيدة عن روح المواطنة الحقيقية بدعوى أن العراق يتكون من فسيفساء مختلفة الأطياف والانتماءات ولكن الحقيقية أن هؤلاء هم من يكرس فرقة العراق لا توحده وليضحكوا على أنفسهم لان العراقيين اكبر من أن يكونوا مادة لشيطنتهم ودعاواهم وبعناوين تثير السخرية، وحاشى لان يكون الانتماء العرقي أو القومي أو الطائفي دافعا للانتماء للوطن والتحلي بروح المواطنة لأنها أمور ينبغي ان تكون مخفية ومن المعيب التفاخر بها وإعلانها وكأنها هي المكون الأساس للمواطنة الحقيقية، والتمسك بها سيكون أمرا مقيتا ومقززا. نعم إن العراق يتكون من موزائيك جميل لكن بتوا شج وتحابب وتوحد ودون تغليب هذا الأمر على الانتماء للعراق العظيم، وهذه هي مثلبة الحكام الجدد.

    إننا إزاء محنة حقيقية جلبت وتجلب المحن والويلات لشعب كان من المفروض أن يعيش بسلام وينعم بالطمأنينة بعد أن تخلص من كابوس البعث المجرم، لكن ما حصل من تفتت للمجتمع العراقي خلق أرضيته الأولى نظام البعث المنهار ثم جاء الاحتلال ليزيد الهوة ويساهم في انهيار الدولة، وبدل من أن تكون القوى الناهضة والبديلة مصدر قوة للعراق ولم شمل العراقيين باتت مصدر تفرقهم وتناحرهم بتكريس نظام طائفي مقيت وتركت الباب على مصراعيه لقوى الظلام والتخلف أن تعبث بأمن العراق والعراقيين وانفلتت الأمور من عقالها وحصل ما حصل،.

    إذن ما السبيل للخروج من عنق الزجاجة التي حشر العراق فيها حين ساهمت كل الأطراف مجتمعة في نتائجها الكارثية؟

     إن من يحكم العراق الآن ليسوا بالسياسيين ومن الخطأ توصيفهم هكذا، بل برجالات تنتمي إلى طوائف وقوميات كل يعلق على صدره شارة الانتماء لطائفته وقوميته، ليس باسم العراق بل باسم طائفته ومذهبه، جاعلين العراق شماعة وطنية يمررون من خلالها أهداف مرجعياتهم القومية والطائفية والاثنية ، فما عدا الحزب الشيوعي العراقي وبعض العلمانيين المستقلين، تتوزع الخارطة المذهبية والقومية على أحزاب دينية تمثل مذاهب وأحزاب قومية، فحزب الدعوة والمجلس الأعلى وحزب الفضيلة والتيار الصدري المنضوون في الائتلاف الموحد هو ائتلاف مذهبي طائفي بعضها متزمت لمذهبه بشكل مقيت، أليست تلك هي الأحزاب الشيعية؟ هل لنا أن نجد شخصا منضويا فيها من غير تلك الطائفة؟ ثم تكتلات تمثل السنة هي الحزب الإسلامي وجبهة التوافق العراقية، توافقت على ماذا؟ وأخيرا الائتلاف الكردي، والخريطة تتوزع على الشيعة والسنة والأكراد. وبات العراقي حين يطل عليه أي من هؤلاء يعرفه إن كان سنيا أم شيعيا أم كرديا؟ ألا يخجلون هم أنفسهم من هكذا فضيحة وطنية كبرى؟ أية سياسة تحترم نفسها واختياراتها هذه التي يتشدقون بديمقراطيتها؟ والبلد سائبة والمواطن يضرب أخماسه بأسداسه  والمهجرون فاقو الثلاثة ملايين، والعدد مرشح للارتفاع يشكل مخيف، إضافة إلى المهجرين قبلا بسبب قمع صدام؟هل انتخب العراقي مرشحين ينتمون إلى العراق ولا نعرف انتماءاتهم المذهبية والقومية أم كل كان يلم شتات أنصاره من ذات المذهب وتلك القومية، وكانت سمة الانتخابات ليست بالعراقية بل بالارتباط بالطائفة والقومية والمذهب وهم يعرفون أن ما حصل كان بداية الكارثة لتعميق تلك التوجهات والإنتماءت بشكل مقيت وخطير وحدث ما حدث من تطهير عرقي وتهجير لعوائل عراقية مسالمة داخل وخارج العراق، وإلحاق الأذى بكل تفاصيل الحياة العراقية من مليشيات ذلك التوجه وتلك الانتماءات، بحيث زادت الهوة بين العراقيين الذين كان من الواجب تقريبهم وتوحدهم ونبذ الخلافات فيما بينهم، لا العكس، تعددت الأجندات واختلفت الأهداف وكلها كانت باتجاه تفتيت المجتمع العراقي وإلحاق الأذى بتلك المكونات التي أسس لتفرقتها نظام البعث المجرم وجاء الأفذاذ ليزيدوا الطين بله ويوزعوا العراق فيما بينهم، وحصل كل على نصيبه من الكيكة العراقية التي سال لعاب الجميع لها، فسرقوا الأموال وانتشر الفساد وكثرت المحسوبية وتم توزيع مناصب الدولة على المتمذهبين وأعوانهم ومسايريهم، والمطبلين لهم وكأن العراق قد أفلس من أبنائه الحقيقيين وتوزعت المسؤوليات على الأميين وإنصاف الموهوبين ومن عافته الأرض... أليست تلك بربكم نفس مواصفات الحكم البعثي إن لم تكن أكثر وأبشع؟

  إن العراقي ليس بالمخلوق الساذج والهين على التصديق والانكسار والرضوخ لواقع متهرئ سببه الرئيسي الحكام الجدد الذين تهافتوا على تقسيم الكيكة بطريقة بشعة وإغفال الشعب العراقي الذي كان يأمل أن يجلب له التغيير خيرا ويعيش بسلام وتكافأ الفرص التي حرمه نظام صدام منها، بعد أن عانى الأمرين من مغامرات صدام وحكمه الجائر وزجه في حروب وكوارث لا ناقة له بها ولا جمل.

  إن الحكم الوطني الحق ورجالاته الذين يريدون إنقاذ العراق من براثن الفوضى والكوارث اليومية لا يأتي من رجالات يعتدون ويتفاخرون بمذهبهم وقوميتهم ويكرسون هذه القناعات في سلوكهم كمسئولين ينتظر منهم العراقيون فتح منافذ الأمل للخلاص من المعاناة التي باتت قدرا لعينا والخراب لصيق بتفاصيل حياتهم، بل من خلال الانتماء للعراق فقط، ولا أظن أن مسئولا يمتلك ذرة من الانتماء للوطن، يشرفه أن يكون ممثلا لهذه الطائفة أو تلك. انه لأمر مخجل ويثير السخرية والاستهجان أن يخرج علينا نائب رئيس جمهورية العراق أو نائب لرئيس الوزراء أو وزير أو نائب برلماني ليعلنوا أنهم يتكلمون باسم طائفتهم وقوميتهم وارتباطهم ألاثني دون خجل أو حياء، ونحن المشاهدون في حيرة من أمرنا حين نشاهد هكذا سلوكيات اعتبرها أنا شخصيا أساسا لتفكيك العراق لا لتوحيده لأنهم مسئولون، وينبغي أن يتكلموا باسم العراق لا باسم انتماءاتهم الخرقاء، ويشرفني  أن استمع إلى مسئول عراقي لا اعرف حين يخاطبني لأي فصيل ينتمي لا العكس، حيث أتقزز من أولئك المدعين بوطنية زائفة والتفاخر بنفس الوقت بانتماء طائفي اخرق.

      إن السبيل للخلاص من هذا الوضع الشاذ الذي ساهم الحكام الجدد في خلقه، التخلص من النبرة الطائفية والعرقية وإضفاء صفة السياسي فقط لكل من ينوي البحث عن الكرسي لخدمة العراق، وخلافه فإنني وبقية العراقيين المنكوبين، نوجه جميعنا أصابع الاتهام لمن لا يجعل العراق في المقام الأول من توجهاته، ويمقت الطائفية ويفصل بين ما هو طائفي بغيض ووطني يفخر المرء أن ينتمي إلى وطن الحضارة والإنجازات العظيمة. وتبا لكل من يعلن أو يخفي ارتباطه بدول حاقدة على العراق لا تريد الخير أبدا للعراق والعراقيين، فأولئك هم المجرمون الحقيقيون ممن يولون أدبارهم  لتلك الدول ولا يوصفون إلا بالخونة للعراق : أرضا  وناسا وحضارة.

  إن خروج العراق من عنق الزجاجة التي حشره المخربون فيها، مسؤولية الجميع من خلال ترتيب الأوراق والسعي لاستعادة قوة العراق من جديد بالحفاظ على وحدته والسعي للعيش بسلام ونبذ التدخل والضرب بيد من حديد على كل المسيئين والمجرمين دون تهاون والتوجه إلى البناء بإرادة وحزم وإعادة هيكلة أسس الدولة العراقية بطريقة تبعد العراق عن التشظي والانقسامات وبناء نظام ديمقراطي فدرالي من شانه أن ينقل العراق إلى مصاف الدول المتقدمة. وهذا ليس كلاما طوباويا إذا ما أعاد السياسيون حساباتهم وابعدوا الذاتية الضيقة وجعلوا إنقاذ العراق هدفهم الأساس، ولا نريد أن ندخل في تفاصيل أخرى قد تبدوا مملة، إنما يظل العراق بلدا مستقلا هانئا لشعب ينشد الرخاء والتقدم هدف الجميع دون تغليب أي شي آخر. والتأريخ سيحاسب كل من ساهم في هذا الخراب ولتحل اللعنة على أي طرف جلب الفوضى وخرب ودمر وسرق وأشاع لغة القتل. والمستقبل كفيل بان يجعل المخربين يعضون أصابع الندم يوم لا ينفع الندم. لان لعنة الأموات وحقد الأجيال القادمة ستظل تلاحقهم لتستوطن في أرواحهم النتنة.

جواد وادي

 

Jawady49@hotmail.com

المشغل الثقافي : لا خلاف بالتأكيد على الكثير من الوارد في سياق نص الزميل جواد وادي من صائب توصيف, واقع الحال قبل وبعد سقوط حكم العفالقة الأنجاس, ولكن وطالما أن النص يتمحور ومن حيث الأساس, حول البحث عن سبل إخراج العراق من عنق الزجاجة, ترى كيف يمكن منطقيا وعمليا, وبعد تحميل جميع ولاة الأمر المسؤولية عن ( الوضع الشاذ في العراق) التعويل على دورهم, في إخراج أهل العراق من عنق الزجاجة, وانطلاقا لا غير من تمني إذا ما أعادوا حساباتهم ( وأبعدوا الذاتية الضيقة وجعلوا إنقاذ العراق هدفهم الأساس) ؟!