كركوك والمناطق المتنازع عليها في الإعلام العراقي

بقلم: حسو هورمي

أولا: الإعلام العراقي الرسمي

المادة 140 من الدستور العراقي واحدة من المواضيع الهامة والكبيرة في وسائل الإعلام العراقية بصورة عامة والكوردية بخاصة ,لهذا يتعامل الإعلام بحذر شديد معها, لدستوريتها من جهة ولارتباط مصير كثير من شرائح المجتمع العراقي بها ،وكثيرا يقلل من قيمتها بسبب تناولها بشكل بعيد عن الموضوعية وتصويرها كحالة سياسية وليست كمادة دستورية وقانونية, مع الأسف تأتينا الكثير من التفسيرات الخاطئة أو التبريرات التي تحاول التقليل من قيمتها من خلال الإعلام الحكومي وإذا ما تحدث الإعلام الرسمي عن المادة 140 والمناطق المتنازع عليها تكون كركوك في الصدارة متجاهلا بقية المناطق في محافظات (نينوى وديالى وصلاح الدين والنجف والبصرة وكربلاء).

ويلاحظ بان وسائل الإعلام العراقية في بغداد لم تتعاطى مع موضوع المناطق المتنازع عليها بنجاح ومهنية وبعيدا عن تأثيرات الدول الإقليمية ويكون الإعلام العراقي بأغلب الأحيان في موقف دفاعي ، ربما أن لان الإعلام المعادي للتجربة العراقية الديموقراطية (نجح إلى حد ما ) في إعطاء صورة مفادها : أن أي تطبيق لهذه المادة سيودي ألي تقسيم للعراق و بأنه دليل ضعف بغداد أمام اربيل وانتصار للكورد .

كذلك نلاحظ بان قرارات لجنة تنفيذ المادة (140) من دستور جمهورية العراق،لا تحضى بالاهتمام الكافي من قبل الإعلام العراقي الحكومي أو الرسمي كإلغاء كافة العقود الزراعية التي أبرمت ضمن سياسات التغيير الديمغرافي وصرف التعويضات وإعادة العوائل الوافدة إلى المناطق المتنازع عليها ومن ضمنها كركوك ..... الخ

أن الإعلام الرسمي إذا ما تحدث عن المناطق المتنازع عليها تكون محافظة كركوك في الصدارة بسبب كونها غنية بالنفط على حساب مناطق سنجار أو مخمور أو خانقين ...الخ،نادرا ما يتناول هذا الإعلام المشاكل المعيشية لأهالي كركوك وإنما يتعاطى معها كورقة سياسية جاهزة للاستعمال عند اللازم ،بالرغم من أن الإعلام الحكومي لا يشير بشكل واضح إلى اعتبار المادة 140 منتهية المفعول وميتة لكن اللافت للنظر أن شخصيات سياسية محسوبة على أحزاب وكتل سياسية وحكومية مهمة لا تتوانى عن قول ذلك ،كونها لم تنفذ في موعدها المحدد في2007.12.31

كإعلامي متابع للشأن العراقي أرى بان الإعلام لم ينجح في هذه المسألة ولم يتناولها بحرفية ومهنية ،كما لم يستطيع أن يرسم صورة حقيقية تستند على الدستور وتؤكد للجمهور أن تطبيق هذه المادة بالخطوات السلمية هو البديل الناجح عن لغة العنف والقتل والتهجير وسيؤدي إلى استقرار الأوضاع فی تلك المناطق بشکل عام ..... الخ

ثانيا : الإعلام العراقي الخاص(الغير حكومي) والتابع للمنظمات والأحزاب.

مع وجود مساحة كبيرة من الحرية في المجال الإعلامي ,أصبحت هذه الوسائل والقنوات الإعلامية تعيش في فوضى ,غير ملتزمة بمهنية وحرفية وحيادية وقانونية عملها ضمن سياق الدستور ويتشعب فی خمسة اتجاهات:

1:الإعلام العربي الشيعي كان في البداية متحمسا لكل شيء جديد في العراق، لكنه بدا يبث ضبابا اكثر مما يبث مواقف حقيقية،وربما يماطل كي يكسب وقتا، حتى تتضح الصورة اكثر وعندها سلفا (التيار الصدري المعارض لتطبيق المادة 140بصورة دستورية).

2:الإعلام العربي السني،الإسلامي,التركماني الغير رسمي. وقد وقف منذ البداية وبکل قوة ضد إي تطبيق لما ورد في الدستور حول قضية كركوك والمناطق المتنازع عليها،وبعضهم وقفوا ضد الدستور برمته.

3:بعض المؤسسات الصحفية والإعلامية الحرة القليلة تقف مع المادة 140 وتتناول هذه القضية بمصداقية ومهنية وتحاول أن تعرضها بكل حيادية، وهذا النوع من الإعلام ما زال ضعيفا وهو غير مؤثر على الرأي العام.

4:هناك مواقع إلكترونية وفضائيات وقنوات إعلامية ذات عمق استراتيجي عربي وإقليمي ، تعمل و بشكل متواصل على الحد من المادة 140 و إسقاطها من شرعيتها دستورياً وتعارض فكرة الفيدرالية ووجود مناطق متنازع عليها .

5: الإعلام الايزيدي ،الموجه من خلال الصحف والمجلات والإذاعة وإلقاء المحاضرات (عدم وجود قناة تلفزيونية خاص ) وبشكل عام الإعلام الايزيدي (رغم ضعفه ) يدعو إلى تنفيذ المادة 140 ,جل اهتمامه هو تقديم الخدمات لأبناء هذه المناطق لان 80% من المناطق الايزيدية تقع ضمن تنفيذ هذه المادة، وكافة القنوات ومواقع الإلكترونية في الوطن وأوربا والوسائل الإعلامية سواء كانت تابعة لمركز لالش أو للمراكز الثقافية والمنظمات المدنية الايزيدية الأخرى. وحتى المجلس الروحاني الايزيدي یؤيد وبشدة لتنفيذ هذه المادة ، مع وجود أصوات قليلة ونادرة جدا ضدها, وأنا أرى أن المناطق الايزيدية ستفقد هويتها إذا اقتطعت من إقليم كوردستان.

ثالثا : الإعلام الكوردستاني الرسمي والغير الرسمي

الإعلام الكوردستاني الحكومي ضعيف وليس بالمستوى المطلوب والوسائل الإعلامية ذات التأثير الأكبر فهي تابعة للحزبين الكرديين الرئيسيين، ويؤكد دوما على أهمية تطبيق المادة 140 ويطلق على تلك المناطق بالمنسلخة أو المناطق المستقطعة من الإقليم، كونها بالأصل تابعة لإقليم كوردستان والإعلام الكوردستاني مستمر في تناوله للقضايا الكوردستانية بمفهوم شبيه بأيام المعارضة، وتزداد فيه العاطفة التي تثقل كاهله، وتجعل تأثيره الإعلامي ضعيفا خاصة عندما يتوجه نحو الخارج (خارج المحيط الكوردي) یغدو ذات توجه قومي صرف ویخاطب - على الأغلب - العقل الكوردي وهو بحاجة لتطوير أدواته بما يتناسب وحجم التحديات.والمادة 140 لدى الكورد خط احمر وموضوعه غير قابل للنقاش. ويشبه أحدهم موقف الإعلام الكوردي تجاه كركوك بالذي يغني لوحده في الحمام أثناء الاستحمام. وعلى الإعلام الكوردي أن يركز على المتلقي العربي أولا ثم التركي والفارسي. وأنا اعتقد بان 99% 100 من الإعلام الكوردستاني بكافة أنواعه وتوجهاته مع تطبيق هذه المادة.

رابعا : النتائج

1:من الجانب الدستوری لا توجد للحكومة وسائل إعلام خاصة بها بعد حل وزارة الإعلام في عام 2003، وبدلا عنها تم إنشاء شبكة الإعلام العراقي، وهي هيئة مستقلة، أو يفترض أن تكون كذلك، وان تكون لكل العراقيين بكافة مكوناته ,كونها ممولة من المال العام، وليس لفئة ما دون البقية! لكن حالها كحال المؤسسات والهيئات (المستقلة!!) تقع تحت سلطة الحكومة وبشكل أدق تسير بإرادة رئيس الوزراء السيد المالكي .

على سبيل المثال الإيزيدية ديانة عريقة حوالي مليون شخص يعيشون في العراق لم يأخذوا نصيبهم في الإعلام العراقي ،فقط يتطرق إليهم عندما تصيبهم كارثة،مصيبة،أو قتل جماعي فعندما زار الدكتور برهم صالح نائب رئيس الوزراء العراقي شنكال في2007.08.16 ليتفقد أثار كارثة كرعزير وسيباشيخدري تذكرت شبكة الإعلام العراقي الايزيدية ووضعهم.

2:اغلب الإعلام العراقي الغير الرسمي ليس مع تنفيذ المادة 140، بل انه بدا ينعاها ويعتبرها ميتة وتم دفنها , تصدر هذه القنوات التلفزيونية أو تبث في بعض الدول العربية وتأخذ منها الإمكانيات المادية واللوجستية وأغلب عامليها من كوادر الإعلام السابق في حكم العراق، إي فترة ما قبل 2003 ، و هذا ما يشير إلى أن هناك قوى و كتل تعمل و بشكل متواصل على الحد من المادة 140 و إسقاطها من شرعيتها دستورياً

3: الإعلام الكوردي، يهرب إلى الأمام، ويتبع اجندات الحزبين الكورديين الرئيسيين، واصبح كل ما ينشره من تصريحات سياسية هي (أهمية تطبيق المادة 140)

4:على الأغلب يخاطب الإعلام الكوردستاني المتلقي الكوردي ولكن في هذه المسألة يجب أن يكون الهدف المتلقي العربي

5: بسبب ما لهذه المادة من اتصال وثيق ومباشر بمصير جماهير تلك المناطق لذا تلعب الإذاعة والتلفزيون دورا رئيسيا في التمهيد والتأثير,إما الصحافة المطبوعة والمقروءة في الانترنيت فلها دور اقل.

6: المساجد وأماكن العبادة في العراق تستخدم لإغراض السياسة والتأثير على الناس لجهة حزبية معينة.

7: الأجدر بحكومة إقليم كوردستان العمل مع لجنة تنفيذ المادة140* لفتح قناة تلفزيونية خاصة باسم تلفزيون المادة 140 ،يعرض فيها أفلام وثائقية ومتابعة تطبيق مفردات هذه المادة من توزيع صكوك وتعويضات على المتضررين ,توضيح إيجابيات إصلاح مخلفات سياسات النظام السابق بأسلوب حضاري مبني على الحوار بدل العنف والقوة ، ذات برامج تحليلية سياسية , تستخدم لغات أهل تلك المناطق ويكون حصة الأسد للعربية .

المراجع :اعتمدت في إعداد هذه الورقة على أراء كل من الزملاء

1:الكاتب والإعلامي خدر خلات - بعشيقة

2:الصحافي غسان سالم - بحزاني

3:الإعلامي مصطو الدناي -شنكال

4: سعيد جردو مدير مكتب المادة 140 في شنكال

5:الموقع الرسمي للجنة تنفيذ المادة (140) www.com140.com

معلومات لابد منها : لجنة تنفيذ المادة (140) من دستور جمهورية العراق، لجنة دستورية تنفيذية وزارية قانونية، شكلت بموجب الأمر الديواني المرقم (46) عدد (م ر ن/48 /1373) في ( 9 / متضمنا تسمية رئيس اللجنة وأعضائها ومهمتها تكمن في رفع الغبن والظلم الذي لحق بأبناء الشعب العراقي نتيجة سياسات وممارسات النظام السابق التی أدت إلى ترحيل ونفي الأفراد من أماكن سكناهم ، والنزوح والهجرة القسرية، وتوطين الأفراد الغرباء عن المنطقة ، وحرمان السكان من العمل، ومصادرة الأملاك والأراضي والاستملاك و..الخ.وکذلك من خلال التغيير السكاني وتغيير القومية والتغيير الديمغرافي للمناطق المشمولة بإحكام المادة (58) من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية والمادة (140) من دستور جمهورية العراق ومن ضمنها كركوك وإعادة الحال إلى الحالة التي كانت عليها قبل 17 تموز عام 1968، وان الفترة الزمنية التي تعمل عليها اللجنة هي للفترة من 17 تموز 1968 ولغاية 9 نيسان 2003.

26 نيسان 2010

هامش : هذا النص هو ملخص عن الدراسة التي قدمها الزميل حسو هورمي تحت عنوان "رؤية كردية" خلال الندوة التي جرى عقدها في مبنى البرلمان الأوربي في بروكسل بشأن كركوك والمناطق المتنازع عليها في العراق، وقد سبق للزميل وقدم  دراسة أخرى تحت عنوان" المادة 140 في الإعلام العراقي والإقليمي والعربي" خلال المؤتمر الذي عقد في مبنى البرلمان الأوربي في تموز عام 2007 عن وحول المادة 140 من الدستور العراقي.