تطهير العراق من فكر البعث

 

ابتداء لابد من القول بأن ليس جميع أعضاء حزب البعث المنحل في العراق بعد سقوط الدكتاتورية في 9 نيسان من عام 2003 هم من المتهمين بجرائم ضد العراقيين ذلك لأن الجميع يعلم كيف أتبعت أساليب الترغيب والترهيب لإجبار الناس للانتماء إلى هذا الحزب النازي في العراق , حيث طالت هذه الأساليب حتى العراقيين من غير العرب , فبينما تقوم فلسفة الحزب في ظاهرها على أساس العقيدة العربية الوحدوية الاشتراكية تم إجبار العشرات من الكورد ومن التركمان والاشوريين والكلدان على الدخول في حزب البعث لاسباب عديدة رغم تعارض عقيدة البعث مع قيمهم الإنسانية وقوميتهم وطموحاتهم واخلاقهم وتطلعاتهم , علما أن هناك العديد ممن لم ينتموا إلى هذا الحزب ومع ذلك ارتكبوا جرائم دولية وعادية خلال فترة حكم نظام البعث مما يوجب محاسبتهم وفقا للقانون .

كما أن هناك عناصر في حزب البعث لم تتلوث أياديها ولا سمعتها بالجرائم التي ارتكبت من النظام بل إن هناك من ضحى بحياته رافضا أساليب النظام ومن ذلك عبد الخالق السامرائي وغيره من الأموات والأحياء الكثير , وإذا كان لا يمكن إجراء المصالحة مع الأموات إلا أن هدف المصالحة قائم مع الأحياء ممن ارتبط مع حزب البعث ولم يرتكب الجرائم ويستوجب الوضع الجديد المصالحة معهم ودمجهم في المجتمع وصولا إلى السلام الاجتماعي والتعايش لان هذه المصالحة لا تؤثر على الحق العام والحق الشخصي الثابت قانونا في القانون الوطني العراقي ولا تتعارض مع قواعد القانون الدولي والاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية منع إبادة الجنس واتفاقية منع التعذيب واتفاقية عدم تقادم جرائم الإبادة وغيرها من الاتفاقيات الدولية التي وقع العراق عليها وهو ملتزم بها رغم سقوط النظام .

ولكن ماهي شروط المصالحة وأسسها ؟

أن الثقافة القومية الشوفينية التي طرحها حزب البعث في العراق والسياسة العنصرية المتطرفة منه مهدا الطريق لهيمنة الاستبداد للحزب الواحد أولا وللعشيرة الواحدة ثانيا وللأسرة الواحدة من بعد ذلك وانتهت بعبادة الشخص الواحد وهو صدام حسين الذي صارت له أسماء بعدد أسماء الخالق واصبح هو الدولة والقانون والدستور والزعيم الأوحد ومالك كل الأشياء في الدنيا والآخرة مما سبب الخراب في كل مناحي الحياة في الدولة والمجتمع وانعكست أثاره السلبية على المحيط الإقليمي والدولي , فهل يمكن إعادة إنتاج الماضي والسماح لهذه الأيدلوجيا واتباعها بالعمل السياسي ؟ وهل يمكن إنتاج الماضي والاعتراف بسيادة قيم القرية والبداوة على قيم الحضارة والانفتاح والتسامح وثقافة الحوار والسلم الاجتماعي ونبذ التطرف والإرهاب واحترام حقوق الإنسان وبخاصة حقوق المرأة والطفل واصحاب الحاجات الخاصة ؟ وهل يعقل لمثل هؤلاء المتطرفين أن يؤمنوا بالتداول السلمي للسلطة وبناء المؤسسات الدستورية وحكم القانون ؟

للأسف , يحاول البعض التمييز بين فكر البعث بتبرئة أفكار البعث والتابعين له مما حصل من الجرائم والخراب في البشر والعمران ومن هدم للديار وغدر بالجار وبين سياسة صدام ونظامه العنصري الفاشي ومحاولة إلقاء اللوم عليه دون غيره وذلك بالقول بضرورة اجتثاث البعث – الصدامي وليس فكر البعث أي تطهير العراق من الظاهرة الصدامية وليس البعثية , ولاشك أن هذا التبرير ليس مقبولا والدليل على ذلك أن ما حصل عام 1963 من جرائم الحرس اللاقومي من تعذيب وانتهاكات لحقوق الإنسان ضد العراقيين وبالاخص ضد القوى الديمقراطية يندى لها الجبين في وقت لم يكن أحد يعرف أين موقع صدام من حزب البعث حيث لم يكن سوى عضو صغير مغمور وربما مجرد مجرم مطلوب للعدالة من خلال سيرته الشخصية والعائلية وتاريخه الإجرامي في اغتيال خاله سعدون التكريتي واتهامه بسرقة ساعة يدوية في منطقة علاوي الحلة عام 1953, ومحاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم عام 1959, ومع ذلك ارتكبت في عهد البعث الأول خلال 9 شهور جرائم خطيرة ولم يسلم منها لا عالم ولا مفكر ولا النساء ولا الأطفال ومن كل القوميات والأديان والأفكار , فكيف يمكن حصر المسؤولية عن الجرائم ألان بعد سقوط النظام الدكتاتوري بنظام صدام فقط وتبرئه الفكر النازي – العربي ( فكر البعث ) من كل هذه الجرائم والويلات التي حصلت للعراقيين ودول الجوار والعالم ؟

لقد حصلت أبشع الجرائم في خلال فترتي حكم البعث سواء عام 1963 أم للفترة من 1968-2003 ولا يجوز تبرير هذه الجرائم بأنها من أخطاء حاكم طاغية فقط وإنما ارتكبت هذه الجرائم الدولية الداخلية والخارجية تعبيرا عن نهج وسياسة قائمة على العنف والعنف وحده وصولا إلى الحكم والغدر حتى بالقريب من أجل أهداف وهمية في الوحدة والحرية والاشتراكية للبلاد العربية من المحيط إلى الخليج , تلك الأهداف والشعارات الخيالية التي دغدغت مشاعر كثير من الناس مثل تحرير فلسطين ورمي اليهود في البحر وبناء دولة عربية واحدة حدودها من البحر إلى النهر تكون قوية بشعبها الموحد تحت زعامة القائد الأوحد , وهي التي جلبت الكوارث على العرب وشعوب المنطقة والعالم .

أن الكثير من العراقيين ممن تضرر من حكم البعث الأول يتذكر جيدا حجم الجرائم الداخلية وانتهاكات حقوق الإنسان في السجون والمعتقلات العلنية والسرية والتجاوزات على القانون التي أدت إلى هجرة عشرات المئات من خيرة أبناء العراق خارج العراق وبخاصة من المفكرين والعلماء وشغيلة الفكر , فهل أرتكب صدام وحده هذه الجرائم ؟ أم أن نهج البعث هو المسؤول عن ذلك باعتماده على وسيلة العنف المفرط والدم والقتل والتخريب والغدر وصولا إلى السلطة إشباعا للسادية المفرطة التي تميز بها من ارتبط بهذا الفكر الإرهابي ؟

أن فكر البعث يعتبر من الأفكار القومية الخطيرة التي تمجد العنصر العربي وتجعله هو الأعلى على بقية العناصر الأخرى ويلغي القوميات والاقليات التي تعيش في المنطقة , وقد ظهرت هذه الأفكار بعد الحرب العالمية الثانية على اثر اندحار النازية وبروز الفكر الشيوعي ودكتاتورية الطبقة العاملة , ولا يخفى أن هناك تأثرا و إعجابا واضحا بالفكر النازي من بعض القوميين العرب الذين ساهموا أو أسسوا حزب البعث , ومن هذه الشخصيات ساطع الحصري وميشيل عفلق وصلاح البيطار والياس فرح وشبلي شميل العيسمي وغيرهم , وكلهم من غير العراقيين . وقد تبنى البعث في العراق وعلى لسان صدام شعارات تتميز بالقسوة والدموية مثل : ( كل العراقيين بعثيون وأن لم ينتموا ) و ( من لا ينتج لا يأكل ) , وكثيرا ما ردد البعثيون في العراق البيت الشعري ( وطن تشيده الجماجم والدم تتهدم الدنيا ولا يتهدم ) وطبقوه فعليا ! .

بل أن نظام صدام سعى بكل جهده إلى الحصول على أسلحة الدمار الشامل والحصول على ترسانة من الأسلحة لتحقيق هذه الأهداف العدوانية الإجرامية وما الحرب ضد الكورد والشيعة ( الحروب الداخلية ) والحروب الخارجية التي تتمثل في العدوان على الجارة إيران بحجج واهية والعدوان على دولة الكويت الشقيقة إلا خير مثال على ما نقول .

ومن هنا تأتي أهمية تطهير مؤسسات الدولة والمجتمع في العراق الجديد من هذا الفكر العدواني الذي جلب الويلات والحروب والكوارث وعدم الاستقرار للعراق وللمنطقة والعالم , حيث هدد الأمن والسلم الدوليين بحروب مدمرة أضرت بالعراقيين وبشعوب المنطقة و استقرار العالم .

و التطهير معناه : التخليص أو الإزالة والمنع وفي اللغة العربية جاء في المنجد صفحة 446 تطهير الشيء يعني جعله نقيا بعد غسله عن الادناس ومن هنا يقال تطهير المريض من الجراثيم لمنع العدوى وحين يقال طهره تطهيرا يعني خلصه كليا من الجراثيم والعلل .

وهذا يعني إزالة ومنع فكر البعث من كل مؤسسات الدولة الجديدة في العراق الجديد ومن جميع مؤسسات المجتمع الثقافية والاجتماعية والتربوية دفعا للضرر الذي يلحق بالعراق والمنطقة والعالم من هذا الفكر وهذا يماثل ما جرى بعد الحرب العالمية الثانية من تطهير لمؤسسات الدول والمجتمعات التي عانت من النازية من هذا الفكر العنصري فهو ألان محظور في دول العالم وبخاصة في الدول و المجتمعات التي عانت من ويلات الحروب , ولا يقبل الفكر النازي ضمن مفهوم التعددية السياسية عندها حاليا . وهذا التطهير سوف يساعدنا على فرز المتهمين بجرائم دولية تنفيذا لهذا الفكر عن الأشخاص الذين لم تتلوث أياديهم بجرائم دولية ضد شعبهم وضد أمن العالم , ولا بد من الفصل بين البعثيين المجرمين وبين الذين انتموا قسرا للبعث لظروف الحكم الدكتاتوري المعروفة للجميع في السجن الكبير , فهناك عشرات الآلاف من العراقيين الذين انتموا للبعث دون الأيمان بمبادئ الحزب المذكور الدموية , وهؤلاء ليس من الصحيح إقصاؤهم عن المجتمع الجديد الذي يجب أن لا يقوم على الانتقام السياسي .

ومصدر الخطر ليس من الأشخاص فقط و إنما من فكر الأشخاص أيضا وهنا نقصد لا يجوز في العراق الجديد القائم على حكم القانون واحترام حقوق الإنسان وثقافة التسامح والحوار والاعتراف بالأخر واحترام التعددية القومية والفكرية والسياسية والدينية أن يسمح لفكر مثل فكر البعث في الوجود أو الترويج أو الانتشار أو حتى طرحه في أي مجال , فالدول المتحضرة مثل السويد وهولندا والدول الاسكندنافية وأمريكا وغيرها لا تجيز قوانينها مطلقا للفكر النازي الانتشار أو الترويج وهو ممنوع في الدولة والمجتمع لأنه يتناقض ومعايير حقوق الإنسان الأساسية ويتعارض مع ثقافة التسامح وللخطورة التي يطرحها الفكر المذكور في علوية العنصر على بقية العناصر وفي إلغاء الأخر وبناء الدولة القومية الشمولية الشوفينية من حيث الأيديولوجيا. فالخطر ليس في الأشخاص فقط و إنما في فكرهم الذي سيمنع حتما , ونحن من الداعين إلى تطهير الدولة الفيدرالية العراقية الجديدة من هذا الفكر ومساواته بالفكر النازي بسبب الجرائم الدولية التي ارتكبت ممن يحمل هذا الفكر سواء بالنسبة للجرائم ضد الشعب الكوردي وبضمنه الكورد الفيلية أو ضد الشيعة في جنوب العراق وضد العتبات المقدسة وغيرها من الجرائم ضد العراقيين وضد الجارة إيران وضد دولة الكويت الشقيقة وضد العالم لان وجود مثل هذا الفكر يناقض بناء الديمقراطية في العراق.

وقد كان لنا موقف واضح وصريح في هذا الميدان حين طلبنا من الجمعية الوطنية العراقية أثناء انعقاد جلساتها في منتصف عام 2005 إجراء التصويت على مقترحنا في اعتبار فكر البعث والفكر الإرهابي والتكفيري فكرا إجراميا ممنوعا في العراق , ودعوت بضرورة أن يتضمن الدستور نصا بهذا الشأن , ونال الاقتراح التأييد المطلق من أغلبية أعضاء الجمعية الوطنية , واقترحت نصا دستوريا تم قبوله من أعضاء اللجنة الدستورية واستقر النص التالي في الدستور بعد تعديله من بعض الأعضاء حيث نصت المادة السابعة من الباب الأول على ما يلي :

(يحظر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي، أو يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه، وتحت إي مسمى كان، ولا يجوز أن يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون)

وقد اعترضت على عبارة البعث الصدامي لان هذا التمييز غير صحيح, إذ لا يوجد بعث صدامي, منسوب لصدام, وبعث غير صدامي, منسوب لفكر البعث, المعروف في ممارسته للعنف وتطرفه القومي , وللأسف بعد التصويت جرى تثبيت النص بالشكل المذكور أعلاه.

بناء عليه لا يجوز إعطاء إي فرصة أو مجال لهذا الفكر, أو أن يكون مجازا للعمل في العراق الجديد ضمن التعددية السياسية للأسباب التي بينتها, وللمخاطر التي تظهر من وجود الفكر المذكور, والذي يتناقض مع قواعد المجتمع المدني والديمقراطية, ومبدأ سيادة القانون . ولان هذا الفكر يؤمن بالعدوانية, واستعمال القوة المفرطة لتحقيق أهدافه, ويعني كذلك انه من الأحزاب الإرهابية, أو التي تؤمن بالإرهاب, إي بالعنف المقترن بالتطرف, وهنا مصدر الخطر, فهو لا يؤمن بالوسائل السلمية للوصول إلى الهدف .

ويجب أن يحدث إصلاح في العراق مثل الطريقة التي حصلت في ألمانيا للتخلص من الفكر البعثي ووحشيته ضد البشر وحقوقهم الثابتة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان , فقد حول حزب البعث العربي الاشتراكي العراق إلى معتقل للناس ومعسكر مقفل محروم من كل شيء , بل صار العراق يتكون من ثلاث شعوب , شعب على الأرض محطم بسبب حروب النظام القذرة ضد الكورد والعرب الشيعة , وشعب تحت الأرض بسبب الجرائم والمقابر الجماعية , وشعب هارب من بطش النظام وإرهابه يعيش في المنافي .

وقبل القيام بعملية التطهير يجب ملاحظة الأسس التالية بكل موضوعية وفي منتهى الشفافية , وأصل القضية هنا أن هناك اكثر من مليون عنصر في حزب سلطة صدام , ويقينا أن ليس جميع هؤلاء تعمدت أياديهم بدم الشعب العراقي , بعضهم مات أو قتل أو اعدم وبعضهم تم إلقاء القبض عليه والبعض الأخر هارب خوفا من الحساب واخرون داخل الدولة وفي المجتمع , كما أن هناك من ارتكب جرائم دولية ( مثل صدام وعلي كيماوي وبرزان وطه ياسين رمضان وغيرهم ) مثل جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب , والقسم الأخر ارتكب جرائم عادية مثل الاغتصاب والسرقة والقتل والتعذيب والاختلاس وغيرها من الجرائم العادية.

1. المرتكبون للجرائم الدولية : و هم الأشخاص الذين ستقرر المحكمة المختصة المشكلة يوم 10 ديسمبر 2003 إنزال العقاب عليهم عن جرائمهم التي اقترفوها مثل المقابر الجماعية وضرب المدن العراقية بالسلاح الكيماوي كما في حلبجة وتسميم الاهوار وجريمة الأنفال وجريمة اختفاء مئات الآلاف من الكورد والكورد الفيلية والشيعة وقضية الاعدامات بدون محاكمة أو بمحاكمة صورية . وهنا لابد من القول بان هذا الصنف من المجرمين يجب معاقبتهم وفقا للقانون العراقي ووفقا للاتفاقيات الدولية ذات الصلة والتي وقع عليها العراق و(( لا تجوز المصالحة معهم مطلقا وفقا للاتفاقية الخاصة بمنع إبادة الجنس البشري ومنع تقادم الجرائم الدولية )) كما لا يمنحون مطلقا حق اللجوء إلى إي بلد ولا تسقط جرائمهم التي ارتكبوها بالتقادم أو بمرور الزمان , وليس لأحد أن يصدر العفو عن المجرم الدولي مهما كانت صفة المسؤول ولا يتمتع أي مجرم دولي بأي حصانه دستورية أو قانونية . وهو ما تأكد في كلمة الأخ الأستاذ مسعود البارزاني في لندن عام 2002 وفي مؤتمر المصالحة المنعقد في 26-27 آذار 2004 في أربيل . فهو لم يقصد المصالحة مع المجرمين القتلة الذين ارتكبوا ابشع الجرائم الدولية ضد العراقيين وضد دول الجوار والعالم ولم يقصد سيادته في كلمته التي ألقاها في المؤتمر المذكور العفو عن هؤلاء مطلقا والدليل انه كان واحدا من الموقعين على قانون المحكمة الجنائية المختصة للنظر بجرائم هؤلاء المسؤولين العراقيين الذي سيقدمون للقضاء وفق الأصول القانونية , و إنما تشمل المصالحة – وفقا للضوابط القانونية – الأشخاص الذين انتموا إلى البعث ( قسرا أم طوعا ) وكانوا جزءا من ماكنة النظام السابق ولم يرتكبوا الجرائم الدولية سالفة الذكر.

2. المرتكبون للجرائم العادية: والجرائم العادية هي الأفعال المخالفة للقانون والمنصوص عليها في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل ولا تهدد الأمن والسلم الدوليين ولا تمتد آثارها خارج الوطن مثل السرقة والاغتصاب والقتل والتعذيب والإيذاء والاختلاس وغيرها , وهنا لابد من القول أن هناك حقين يظهران عند ارتكاب الجرائم العادية وهما : الحق الشخصي ( التعويض عن الضرر المالي والمعنوي ) ويجوز للشخص أن يتنازل عن حقه في التعويض بالمصالحة ولا يجوز التصالح بالعفو أو التنازل عن الحق عن شخص غير كامل الأهلية إي أن الوكيل أو الوصي أو القيم لا يحق له التنازل عن حقوق الورثة الصغار غير البالغين سن الرشد لأنه تصرف ضار ضررا محضا بحقهم , والشخص البالغ يملك وحده التنازل عن حقه الشخصي هو لا غير . والحق الثاني هو الحق العام ( إي حق المجتمع ) ويراد به العقوبة التي لابد أن توقع على الفاعل ويتعلق الأمر هنا بصدور قانون بالعفو العام أو العفو الخاص وفقا للقانون .

3. المرتبطون بالبعث والنظام السابق ومن غير المرتكبين لأنه جريمة لا دولية ولا عادية : وهنا نعتقد أن لا مانع من قيام المصالحة مع هؤلاء والاستفادة منهم شرط الاعتراف بذنوبهم أمام الشعب وعلنا وعلى أن تتم منهم البراءة من البعث ومن جرائم النظام السابق . فالمصالحة أساس السلام الاجتماعي والأمن والوئام والاستقرار ووقف للثار وللحد من الانتقام الفردي وهذا يعني أنها لابد أن تجري بعد المصارحة وبعد المحاكمة للمسؤولين العراقيين من رموز النظام السابق لتحديد كل طرف والتعامل معه على هذا الأساس إذ ليس من الجائز مطلقا السماح بعودة حزب البعث إلى الساحة السياسية وهو خطأ قاتل للديمقراطية وشرخ كبير لا يقبله العراقيون , ولهذا لابد من تطهير العراق من هذا الفكر الإرهابي وضرورة تفعيل هيئة اجتثاث البعث ودعمها وفي اعتمادها على معايير الشفافية والموضوعية والحياد لا الانتقام السياسي أو الثأر الشخصي , كما نود الإشارة إلى أن المناهج الدراسية لمختلف المراحل في العراق ما تزال مليئة بقيم وثقافة هذا الفكر الإرهابي المدمر وتتضمن مفردات يجب حذفها من قاموس الحياة الثقافية مثل عبارات ( الجهاد لقتال الكفار , والغزو , وانتصارات الأمة العربية , والمجاهدون , وعبارات العنف والتمييز بين البشر بسبب الجنس أو القومية أو الدين ) , وهي مناهج تحتاج إلى ثورة في التغيير حيث لابد من إشاعة حرية التفكير والتعبير بدلا من التكفير والترهيب وضرورة حذف نهج إلغاء الأخر وعسكرة الدولة والمجتمع وهي عسكرة ما تزال قائمة رغم سقوط النظام لان الأحزاب الدينية وغير الدينية تمارسه فعلا في الوقت الحاضر إذ يجب أن تسود قوة القانون بدلا من قانون القوة .

 

الدكتور منذر الفضل

هامش: يعاد نشر هذا البحث في موقع (المشغل الثقافي) بموافقة الدكتور منذر الفضل.