حضرة السيد سرجي لافروف –

 وزير خارجية جمهورية روسيا الاتحادية المحترم!

 موسكو - روسيا

 رسالة معادة!ّ

سيادة الوزير!

نُعي إلينا مقتل مواطنيكم الأربعة، فتقبلوا تعازينا العميقة للمصاب، مع شديد أسفنا لحدوثه على أرض العراق الطاهرة. ونسأل الله عز وجل للراحلين الرحمة ولكم ولذويهم الصبر والسلوان.

ويشهد الله، إن الفصائل التي نعرفها بذلت جهدها الكبير لإطلاق سراح المخطوفين، وتمكن موفد لنا من الاتصال بالمعنيين، لكن بعد يوم واحد وقد سبق السيف العذل وانتهى الأمر. وحين اتصل من خارج العراق ليخبرني عن فشل جهوده، كنت أتحسس ألما وغصة ترجف صوته من الحزن.

سيدي الكريم!

قد استجد أمر دعاني أعيد على مسمع سيادتكم رسالتي السابقة، مع إضافة حتمتها الحال.

إننا ننكر على الفاعلين شروطهم وفعلتهم ولا نقبلها جملة وتفصيلا. وذلك لأسباب منها:

1 - إن المواطن العراقي وحين يستذكر بوعيه معنى الصداقة والتعاون والمنجزات التي حققها العراق قبل الاحتلال الغاشم، لابد وترتسم بمخيلته صورة الإتحاد السوفييتي العظيم وشعب روسيا الصديق وما تم خلال سني التعاون بين البلدين. وهي أسس لا ومحال أن تدفع لفعلة كالتي جرت.

2 - إن قضية هزيمة الأمريكان والدعس على أنوفهم وكسر عدوانيتهم الأنجلوصهيونية، هذه القضية تحتل اليوم الأولوية على هذه الأرض، بلها الآن الأمل الممكن الوحيد لأن تحيى الشعوب بمودة وسلام وإخاء، حيث لا اختيارية لأحد على أحد ولا سلطان، لغير الله سبحانه. فإن أوكلت هذه المهمة إلى شعب العراق ومناصريه، فهو تشريف لنا منه سبحانه، ومسؤولية تجبرنا على العمل لأجلها بكافة السبل. وقد قال الله في القرآن الكريم " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم". وضمن الاستطاعة، طلب النصرة من الحلفاء وتحييد الخصوم، وترتيب الأوليات، وشدة الكر على العدو وإيلامه لتأخذه الرهبة كلما تذكر العراق، أو كلما حدث نفسه بعدوان جديد. وهذه جميعها يا سيادة الوزير لا تشتمل خطف أربعة مواطنين روس وقتلهم ولا تشتمل أيضا استعداء روسيا العظمى، ما بالك ونحن نعاني حتى اليوم من جريمة خيانة شفاردنازة يوم كان أول من أيد العدوان الثلاثيني على العراق عام 1990.

3 – إن حشر قضية الشيشان في هذا الشأن منكور وخطأ كبير. والاستقلال المستحيل للشيشان، والتحرير الممكن في العراق، هما قضيتان غير قابلتين للخلط. وهذا ما نأخذه على الفاعلين بحق مواطنيكم، إضافة إلى جرمه المبين. فدحر أمريكا وطردها مكسورة من العراق والشرق الأوسط أنبل وأعظم على الله وأحرار العالم من استقلال الشيشان. وفي استقلال الشيشان نصر لأمة صغيرة، وفي دحر أمريكا نصر للأمة والدين كله. وحقيقة فروسيا لم تستنكف يوما أن يكون سلطانها غير روسي، ولا هي أنكرت على مواطنيها الشيشان الوصول إلى أعلى المراكز. والآن وبينما الحرب في الشيشان على أشدها، فالكثير من بيوتات روسيا المالية أو شركاتها الكبرى بيد مواطنين شيشان. كما إن استقلال شيشنيا محال أصلا وهي في الداخل الروسي. ولا ندري كيف يكون الاضطهاد بينما المضهدون، وهم هنا إخوتنا الشيشان، من أغنى أثنيات روسيا بعد اليهود. وصدقا يا سيادة الوزير، فالشك يراودني أن الحرب الشيشانية سوى مؤامرة انخدع بها إخوتنا الشيشان قبل غيرهم. فبلعبة بسيطة ذهبوا يقاتلون من أجل شيشنيا الصغيرة التي لا تتعدى حجم محافظة، بينما كان المرحوم جوهر دوداييف قائد سرب المقاتلات الموجهة إلى قلب أمريكا، وروسلان خاصبولاتوف رئيس برلمان الإتحاد السوفييتي، وعماروف قائد حامية موسكو. أي هم أساسا كانوا حكام روسيا الفعليين. كل هذه تركوها للشخص الذي خدعهم وهرب فيما بعد بثلث خزانة روسيا ورغم هذا يبكي اللاسامية. وكنت في روسيا في مارت المنصرم، وتحدثت بما آمل أن يكون وصل مسامع إخوتي الشيشان، وهو أن قد آن لهم تغيير ميدان المعركة. أعني، أن ينقلوها من شيشنيا إلى أرض العراق. فالحرب المقدسة اليوم فقط على أرض العراق، وعلى أرض العراق فقط يتقرر مصير العالم. ومن هنا فمن يشارك بهذه الحرب إلى جانب إخوته مجاهدي العراق، سيكتب لنفسه خلودا أبديا ليلتحق بكل السابقين من عظماء التاريخ.

4 – وإذ أحدثكم بصراحة يا سيادة الوزير الفاضل لافروف، فلم يكن يخفى على سيادتكم أن العراق الآن ساحة حرب ضروس اختلط الحابل فيها بالنابل وانعدم الأمن والأمان للدرجة التي صار بها وزراء الاحتلال وقادته يقبعون في الجحور أو يتنقلون بسرية وعلى عربات المزابل. والحرب في العراق ليس بين جبهتين واضحتين، نجد الأمان خلف الخطوط. بل هي حرب لا جبهة فيها ولا خطوط وخطرها يعم المدن والشوارع والبيوت والمؤسسات. ومن الجانب الآخر فإن إخراج البعثات الدبلوماسية من العراق أيا كان تمثيلها، أمر مشروع وتقره أعراف حروب التحرير. لأن تواجد هذه البعثات يدعم الاحتلال وحكومته. وكان لابد من أخذ هذه الأمور على محمل الجد. على أن هذا لا يبرر الفعلة مع مواطنيكم. حيث بكل الأحوال يختلف دور الدبلوماسيين الروس عن دور الأردنيين والمصريين والإيرانيين، وليس لأحد أن يرد على الوجود الدبلوماسي الروسي بهكذا فعل مرفوض من مجمل أطراف المقاومة الوطنية العراقية.

5 – وتعرفون يا سيادة الوزير أن العراق لم يمر بمثل هذه المحنة، ولا كان عبر تاريخه الأطول بين الشعوب، سوى منار لنواميس الحضارة والفكر. وقد دمر الاحتلال الأمريكي كل شيء من العمران إلى المجتمع وحرق الأخضر واليابس وأتى على الحرث والنسل. والجثث التي ترمى بالشوارع كل يوم، هي من فعل عصابات يدفع لها الأمريكان عن كل رأس 250 دولارا. وثروات العراق سرقها المحتل والعصابات التي أتت معه أو تحتمي بعبائته. والمخابرات الإيرانية استشرت وبدفع وتعاون مع الأمريكان. وانتشرت عصابات الجريمة والدعارة والمخدرات أيضا بدفع من الأمريكان وحلفائهم الإيرانيين الذين بدأوا بتمزيق الوطن ومن عليه فلا يعود على الخارطة شيء اسمه العراق. والغلاء يخيم على العراق والبنية التحتية معدومة، والبطالة تضرب أطنابها لتصل إلى أكثر من 80% وخط الفقر هو الآخر فاق الحدود. ولا شيء يذكر الآن في العراق بدولة. ما أعنيه أن الكابوس مطبق على الجميع والموت طال الأطفال، والخراب البيوت، وهذا كله بسبب الأمريكان وعملاؤهم وجواسيسهم. من هنا قد بلغت الأرواح الحلاقيم وصارت النفوس مستثارة وما عاد فيها من حول على الروية والحنكة أو الصبر. والكل يتحسس ويستثار من أدنى الأمور. والمقاومة المعنية بإصلاح هذا صارت تتخذ كل الإجراءات الممكنة لدحر سب هذا البلاء - الأمريكان وحلفاؤهم.

وحسب موفدنا، فالجهة التي خطفت مواطنيكم، كانت بنية التحذير لتعلموا أنها جادة بإخراج الدبلوماسيين من العراق. كما قد وردنا إيضاح منها، وإن كنا لا نقبله، فهو يصب في المنحى ذاته. الثابت أن هذه الجهة كانت بنية إطلاق سراح المخطوفين على أن يغادروا العراق فورا، لولا خبر وردهم يقول بالحرف: (( نقلت إذاعة صدى موسكو عن صحيفة جيزن الروسية قولها إن الدبلوماسيين الروس ليسوا من المدرجين في سجلات موظفي وزارة الخارجية وأنهم من العاملين في جهاز الاستخبارات. وان عدد هؤلاء بين العاملين في السفارة الروسية في بغداد يزيد كثيرا عن عدد الدبلوماسيين المحترفين)). وناقل الخبر هو صحفي مرموق يعمل في موسكو اسمه سامي عمارة *.

وحسب هذا الخبر فإن وزارة الخارجية الروسية تعلن للخاطفين بأن المخطوفين جواسيس وليسوا دبلوماسيين روس وغير مسجلين في وزارة الخارجية الروسية. وكأن السيد سامي عمارة يعلم ما هي ردة الفعل الآنية على كلمة (مخابرات) لدى كتائب المقاومة، ففصّل الخبر على المرام. فما عاد لدى الخاطفين حين بلغهم هذا الخبر، غير اتخاذ ما افترضوه قصاصا، فذهب ضحية هذا الافتراض مواطنون أبرياء ومن دولتكم الصديقة الصدوقة.

ونحن إذ نعترف أن مجموعة مجاهدة واحدة هي التي قامت بالفعلة وليس جيش تحرير العراق بكافة فصائله بما فيها مجلس شورى المجاهدين، نكرر إدانتنا لها، ونثبت أن سجالنا مع هذه المجموعة لن يتوقف حتى تعترف بالخطأ علنا وتقدم اعتذارا إلى حكومة روسيا وتدفع ديـّة المغدورين. وكل فصائل المقاومة مع هذا الرأي، أو هكذا أفترض على الأقل. إنما ورد خبر آخر من موسكو، نحن محتارون كيف نفهمه، ويفيد بتخصيصكم رشوة خمسة ملايين دولار لمن يدلكم على الفاعلين، أو شيء من هذا القبيل. وسنبقى نفترضه خبرا دسيسة من أحد عليكم، كمقال سامي عمارة الذي تسبب بالفعلة. إنما لو صح فأسمحوا لنا يا سيادة الوزير أن نقولها بكل ود واحترام لمقامكم وللشعب الروسي العظيم، أن بئس الرشوة، وبئس الرأي ومن نصح به!

إنّ تقديم الرشا وجوائز الوشاية ليست من خلق ومثل الشعب الروسي ولا عرفه الدبلوماسي ولا من معايير السياسة الروسية مذ تأسست دولتكم بملامحها المعروفة.

إن شراء الضمائر هو سياسة عرفت بها أمريكا فقط وسقطت بها أمريكا فقط.

فأمريكا حين قررت احتلال العراق، تفذلكت وأعلنت عن رشا وجوائز لقاء معلومات وإخباريات عن العراق، لتبرر احتلاله. فتنبـّه اللصوص والسماسرة وتجار المخدرات والدعارة وأمدوا أمريكا بما تتمناه من معلومات، فغزت العراق، وها هي تبكي اليوم ماضيها، وترمي باللوم على من ورطها بتلك المعلومات الكاذبة، وهي تعلم إنهم إنما استغفلوها وحسب! ولا يليق بروسيا أن تكون مستغفلة من حفنة من السماسرة. ما بالكم يا سيادة الوزير، والمجموعة التي نفذت ما رأته قصاصا، ليست بالسهلة، وقد جرّبتموها في أفغانستان، ولا هي بالقليلة الحذر لتؤخذ على حين غرّة. وإن لم تطلها يد جيوش أمريكا بكل إرمادتها العسكرية والمعلوماتية والصناعية والمخابراتية، فهل يطالها من تنوون شراء ضميرهم؟!

وعلى ما كان نوري السعيد مكروها من الشعب ومحكوما بالإعدام من قبل قيادة ثورة تموز المجيدة، إلا أن من وشى به لقاء جائزة، عاش عمره كسيرا ذليلا، ومات ولم يدفن في العراق. وكذلك جزاء من وشى بنحلي الرئيس صدام حسين، كذلك مصير كل من يبيع ضميره ولو لقاء أموال قارون. ويشهد الله يا سيادة الوزير، إن الفصائل العراقية المقاومة وحين سمعت عن الرشوة أو الجائزة التي تقترحون، تراجعت عما كانت تنويه من ضغط على الجهة المعنية لتعتذر لشعب روسيا عن الفعلة وتدفع ديّة المغدورين. تراجعت خوفا من الشبهة، فكيف بمن يفعلها. لا أحد من أحرار العراق

نعم! تستطيعون شراء آل الحكيم وعصاباتهم وعصابات مقتدى ومافيا الكرد أو أي من المشتركين بما يسمى بالعملية السياسية ليتعاونوا معكم ويقبلوا رشوتكم. لكنها صفقة خاسرة حتما، وسيعود هؤلاء إليكم بخفي حنين. وحبنا الكبير لروسيا وشعبها يجعلنا نجلكم عن دفع الرشا وتخصيص الجوائز لبيع الضمير.

سيادة الوزير لافروف!

إن فتيان العراق المجاهدين وأنصارهم الأبرار، يخوضون اليوم حربا كونية مقدسة على قوى العدوان الأنجلوصهيونية. وهي حرب الخير كله ضد الشر كله. وقد حمل فتيان العراق أرواحهم على أكفهم ونزلوا إلى ميادين القتال ليعودوا منها بواحدة من اثنتين - النصر أو الشهادة. وفتياننا هم الأسود الجبابرة المنتصرون. وهم المحنـّـكون الذين كسروا أنف أمريكا في اقل من عامين رغم ظروفهم الصعبة والحصار المفروض عليهم من دول الجوار، ورغم إرمادة أمريكا العسكرية والمعلوماتية. وليكن ساسة العالم الآن على يقين من أمرين، الأول إن المحتلين الأمريكان ومن معهم خارجون من العراق في النعوش أو حاملين نعوشهم، والثاني أن أمريكا لن تعود تفكروا بمهاجمة شعب من الشعوب ثانية. وليسجل العالم ما تفعله الآن في غوانتانامو، وما ستفعله لو نفذ الله سبحانه وعده ورماها بكارثة كالتي ذهبت بقاعدة دييغوغارسيا!

لقد كسر العراقيون جبروت الأمريكان وهيبتهم ولم يبقوا لهم غير الاحتضار البطيء. وفتيان العراق إذ يؤكدوا استعدادهم لأن تطول هذه الحرب لألف عام، فهم أيضا يطمحون لأن يتخذ الأصدقاء والإخوان ما يمليه عليهم واجبهم المقدس نحو البشرية وأن يساهموا في الإجهاز على هذا الوحش الأنجلوصهيوني الذي كان لعامين فقط منفلت الزمام لا يعبأ بالضحايا والدمار ولا بالأعراف الدولية والتقاليد. والله هو الذي أوجد أرض العراق، وعليها بنى جنته ومن طينها خلق الإنسان ومنها أخرج النواميس ومن أهلها اختار الأنبياء والرسل قاطبة. وهو إذن سيحميها، كما حماها على مر العصور، ما بالك وقد أثبت أبطالنا الشجعان أنهم جند الله المخلّصين الذين بهم سينهزم الشر مرة وإلى الأبد!

سيادة الوزير لافروف!

إن أول أعراف الشعب الروسي العظيم هو مقاومة المحتلين. وإذ نكرر عميق حزننا وأسفنا على ما جرى مع الدبلوماسيين الروس المغدورين، سنواصل السجال مع الفاعلين حتى يعتذروا ويقدموا الديّات. وهذا أنبل وأكرم لكم وللمغدورين من رشوة، تحسبونها تأتي بنتيجة. وكم سيتشرف المغدورون الشهداء، لو أن فاجعتهم صارت مبررا لعلاقة ودية ما بينكم وبين جيش تحرير العراق بكل فصائله وأحزابه المقاومة. من هنا ندعوكم يا سيادة الوزير وشعب روسيا الصدوق، لدعم جهاد جيش تحرير العراق الباسل. وفي هذه لكم وللبشرية الفوز والمجد العظيم!

نكرر عميق حزننا، وشدة أسفنا على ما جرى، وتقبلوا منا الاحترام!

 الدكتور نوري المرادي

الناطق باسم الحزب الشيوعي العراقي - الكادر

 http://www.sotaliraq.com/iraqi-news/nieuws.php?id=27746