عبد الرزاق الصافي لطريق
الشعب :
صحافتنا كانت أقرب إلى نبض الشارع من صحافة السلطة
شغل الرفيق عبد الرزاق الصافي مواقع حزبية
وإعلامية متقدمة في الحزب الشيوعي العراقي، وطوال عقود من السنين، فقد كان عضواً
في اللجنة المركزية للحزب وفي مكتبها السياسي فترة طويلة من الزمن، كما عمل في
مواقع إعلامية هامة للحزب منذ انقلاب شباط الأسود عام 1963، وإلى سنوات قريبة
سابقة، إذ عمل في ( إذاعة صوت الشعب العراقي ) التي كانت تبث من صوفيا، بعد انقلاب
شباط الدموي، ثم عمل في طريق الشعب السرية، ولعل عمله في رئاسة تحرير صحيفة (طريق
الشعب ) العلنية من أيلول 1973 إلى نيسان 1979 يعتبر أبرز وأهم نشاط إعلامي حزبي
للرفيق، لما لتلك الفترة من حساسية وإشكالية وتفرد، ولما لتلك الصحيفة من مكانة في
ذاكرة القراء، ومن خصوصية من حيث التجربة والغنى والتميز، لذلك فإن اللقاء بالرفيق
( أبو مخلص ) بمناسبة يوم الصحافة الشيوعية العراقية ، يكتسب أهمية استثنائية في
ظل الظروف الحالية من أجل إطلاع جيل الشيوعيين الشباب على تلك التجارب الصحفية
والإعلامية الرائدة للحزب، ومن أجل التوثيق التاريخي لحقبة هامة من حقب نضالنا
الصحفي الشيوعي.
إن اللقاء والحديث مع الرفيق ( أبو مخلص )
بالنسبة لي ممتع وشيق، فالرفيق ومنذ عرفته منذ عقود، لم تتغير انطباعاتي عن روحه
الشبابية المتجددة، وتمتعه بروح المرح والدعابة، بالإضافة لذاكرته الممتازة، والتي
(يدّعي!) أنها كليلة!!
* جرى اختيارك رئيساً لتحرير جريدة
"طريق الشعب " عندما أمكن صدورها علنية بعد إعلان "الجبهة الوطنية
والقومية التقدمية " في العام 1973. ما هي أسباب هذا الاختيار؟
- ليس سراً أنى كنت أحد أعلامي الحزب منذ
عام 1963 ، أي في أعقاب انقلاب شباط 1963 المشؤوم . ذلك أنى كنت محرراً رئيسياً في
إذاعة "صوت الشعب العراقي " التي كانت تبث برامجها يومياً ،ولمدة ساعة
باللغتين العربية والكردية ، من صوفيا عاصمة جمهورية بلغاريا الشعبية، من صيف
1963حتى صيف 1968 .وعند عودتي إلى العراق في تموز 1968انضممت إلى محرري "طريق
الشعب "التي كانت تصدر سراً. وواصلت العمل فيها حتى خريف 1971 ،إذ توقفت عن
الصدور بعد ذلك وعندما صدرت جريدة "الفكر الجديد/بيري نوي" التي كان
صاحب امتيازها وابرز العاملين فيها الرفيق فخري كريم ، في 18/6/1972كنت من بين
الرفاق الذين تولوا تحريرها إلى جانب الرفيق فخري كريم والرفيقين الفقيدين الدكتور
رحيم عجينة ومهدي عبد الكريم . وكان ممن تولى التحرير فيها الرفاق سلوى زكو ومحمد
كريم فتح الله ورفيق صابر وجلال الدباغ. وعندما تقرر إصدار "طريق الشعب
" علنية جرى تكليفي، باعتباري إعلاميا حزبياً وعضواً في اللجنة المركزية،
لأترأس هيئة تحريرها التي ضمت الرفيق فخري كريم مديراً للتحرير وعضوية الرفيق سلام
الناصري والفقيد الرفيق محمد كريم فتح الله.
* العدد صفر الذي صدر في أيلول 1973 من
"طريق الشعب"كان مفاجأة للقراء . فالشكل مختلف وكذلك المضمون ! هل يمكن أن
تحدثنا عن ظروف إصدار هذا العدد والأعداد التي تلته من ناحية المطبعة والمحررين ؟
- عندما صدر العدد الذي تسأل عنه كنتُ في
باريس امثل صحافة حزبنا في مهرجان جريدة "اللومانيتيه"لسان حال الحزب
الشيوعي الفرنسي ،الذي يقيم فيه حزبنا جناحاً باسم "طريق الشعب" منذ
ستينات القرن الماضي حتى الآن . ولعل خير من تحدث عن العدد صفر الرفيق محمد سعيد
الصكار العام الماضي في "طريق الشعب" . وكيف انه كُلّف بتصميمه من قبل
الفقيد الرفيق شمران الياسري (ابو كاطع) . وكان أن اختار حجماً صغيراً هو نصف حجم
الجريدة الذي اعتدنا عليه في العراق ، بالاتفاق مع الرفيق فخري كريم ،الذي تولى في
حينها استقطاب الكفاءات الصحفية الشيوعية للعمل في"طريق الشعب". وقد
سمـّى الصكار هذا الحجم بـ"الحضاري"! غير انه جرى التخلي عنه . ولذا دعا
الرفيق الصكار كل من يملك نسخة من هذا العدد إلى الاحتفاظ بها ، ربما كتحفة من تحف
الصحافة العراقية . ومن الجدير بالذكر أن الحجم المذكور هو نفس حجم الملحق الثقافي
الشهري لـ"طريق الشعب" حالياً وملاحق جريدة المدى :"عراقيون"
و"ذاكرة عراقية" و"تاتو". هذا ولا ادري شيئاً عن اختلاف
المضمون الذي أشرتم إليه.
كانت الجريدة تطبع في البداية في مطبعة
جريدة (الثورة) ذلك أن المطبعة الألمانية التي كانت تطبع جريدة "اتحاد الشعب
"في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات من القرن الماضي كانت مصادرة من قبل
انقلابيي شباط الأسود. ولم نسترجعها إلا بعد فترة . وقد بادلها الحزب مع الرفاق الألمان
بمطبعة جديدة ، إذ اخذ الرفاق الألمان مطبعة "اتحاد الشعب" ليضعوها في أحد
المتاحف الألمانية ، باعتبارها جزءاً من تاريخهم ،لأنها كانت تطبع جريدة الحزب
الشيوعي الألماني في عشرينات القرن الماضي . وكان من جملة من عمل في إدارة المطبعة
الجديدة في البداية الرفيق عبد الخالق زنكنة ، وتولى العمل في إدارة المطبعة بعده
الرفيق الشهيد سعدون علاء الدين وهو ابن أخت الرفيق زكي خيري . إما المحررون فقد
بدأنا بتجميعهم من الرفاق والأصدقاء ذوي الكفاءات . ومن الجدير بالذكر في هذا
المجال أن قيادة الحزب قررت عدم سحب بعض رفاقنا من الصحفيين الكفوئين من أمثال
الرفيق عزيزسباهي ،الذي كان يعمل في جريدة الثورة كمحرر في الصفحة الفكرية والفقيد
الرفيق سعود الناصري ،الذي كان يتولى تحرير الصفحة الأخيرة في جريدة الجمهورية.
* من تتذكر من الرفاق والأصدقاء الذين عملوا
في تحرير الجريدة ؟
- يخيّل لي أن هذا السؤال كبير وصعب نسبياً ،
ويشكّل إحراجا بالنسبة لي . ذلك أن عدد العاملين في التحرير ممن توظفوا في الجريدة
أو عملوا فيها كمتطوعين يزيد عن الستين، ناهيك عن المراسلين الذين يبلغون المئات.
والاعتماد على الذاكرة الكليلة وحدها ، ربما يؤدي إلى نسيان البعض او عدم إعطائهم
حقهم فيما أدوه من دور في تحرير الجريدة، التي كانت بنظر مؤرخي الصحافة العراقية
تجربة رائدة ،شكلت مرحلة هامة باعتبارها مدرسة خرّجت الكثيرين من الصحفيين
اللامعين والكتاب والشعراء .
* ومع ذلك هل لك أن تذكر من تتذكرهم ،
اعتماداً على سماحة من تنساهم؟
- طيب سأخوض التجربة ولكن على مسئوليتك! كان
محرر افتتاحيات الجريدة في الغالب مدير التحرير الرفيق فخري كريم ، وفي غيابه كنت أتولى
أنا هذه المهمة . وكان المشرف السياسي على الجريدة في البداية ولعدة شهور الفقيد
الرفيق زكي خيري عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب. وكنا أنا وفخري نشرف
على، ليس فقط الصفحة الأولى، بل كل صفحات الجريدة . إذ لم تكن تطبع مادة في
الجريدة لا تحمل توقيع أحدنا . الصفحة الأولى عمل في تحريرها الرفاق يحيى علوان
وعبد المنعم الاعسم ولؤي غالب ودوامهم في المطبعة، وهشام داود .
الصفحة الثانية كانت مخصصة لـ "شؤون
عربية ودولية" ويتولى تحريرها عدد من الرفاق أتذكر منهم :إبراهيم الحريري
(الذي كان يوقع مساهماته في الصفحة وخارجها بتوقيعات عدة ومنها المحرر وزكور وأبو
عمشة ونفر وغيرها) وفالح عبد الجبار والفقيد رشدي العامل . ويتولى الترجمة للصفحة
الرفيق عبد الإله النعيمي، الذي كان يتولى ترجمة بيانات الحزب وتقارير اللجنة
المركزية وافتتاحيات الجريدة المهمة إلى الإنجليزية لإيصالها إلى الأحزاب الشقيقة
والصديقة. وكان يتولى الأشراف الإداري على الصفحة الفقيد الرفيق حميد بخش(أبو زكي)
. أما الصفحة الثالثة وكانت صفحة "ثقافة" . فقد تولى تحريرها بالتعاقب
الرفيقان سعدي يوسف وحميد الخاقاني ، وكانت إحدى الأبواب المتميزة في هذه الصفحة
"أوراق الاثنين" التي كان سعدي يوسف يرعى فيها الكفاءات الشابة الجديدة
في ميدان الشعر ممن لمعت أسماؤهم في سماء الشعر العراقي الحديث فيما بعد. وكان
الشاعر الرفيق كريم كاصد وقتذاك يشارك في عمل المكتب الصحفي للجريدة في البصرة.كما
أولت الجريدة اهتماماً بالشعر الشعبي الذي عمل ونشر فيه ابرز الشعراء الشعبيين وفي
مقدمتهم الرفاق عريان السيد خلف والفقيد أبو سرحان الذي خـُطف وغـُيـّب في لبنان أيام
الحرب الأهلية في لبنان .
وكانت الجريدة تحوي صفحات مخصصة للشؤون
المحلية وحياة الشعب والعمال والفلاحين التي كان يشرف عليها الرفيق عبد السلام
الناصري ومن ابرز العاملين فيها الرفاق زهير الجزائري ومخلص خليل ومحمد خلف ولؤي
الصالحي (أبو همام) وفاضل الربيعي وعبد الله عطية وعبد جعفر وجمعة ياسين وجمعة
الحلفي والشهيد إسماعيل خليل الذي تولى سكرتارية قسم المحليات.وسمير سالم داود...
. وغيرهم .
وكان يحرر الصفحة الرياضية في بداية صدور
الجريدة،متطوعاً على ما أتذكر، أحد المع المحررين الرياضيين الصديق إبراهيم إسماعيل
، الذي سرعان ما تركنا احتجاجاً على تضييع جهده لأننا كنا ننشر خطب المسؤولين
الكبار البكر وصدام الطويلة، التي ترد متأخرة ، كاملة دون مبرر، على حساب صفحة
الرياضة.
ومن الصفحات المتميزة في الجريدة كانت
الصفحة الأخيرة التي كان يتولى الأشراف على تحريرها الرفيق عدنان حسين ويحرر صفحة
الخميس المكرسة للأطفال ومعه الرفيقة ناهدة محمد علي . وتولاها بعده الفقيد الرفيق
مصطفى عبود الذي كانت مساهماته متنوعة في التحرير والترجمة وغيرها.
أما الصفحات الأسبوعية التخصصية التي كان
يشرف عليها ، متطوعاً ، الرفيق الدكتور غانم حمدون ،ويساعده في بعضها الرفيق خالد
الحلي فقد كانت تحمل عناوين :الاقتصادية ويحرر فيها الرفيق ضياء المرعب ، والتعليم
والمعلم وكان من محرريها المربون: الرفاق الفقيد حسن العتابي وإبراهيم الرشيّد
وصاحب حداد وعلي محمد ونعمة عبد اللطيف وعبد الستار زبير وآخرون . وكلهم متطوعون .
وصفحة المرأة التي عملت في تحريرها في البداية متطوعة الرفيقة سعاد خيري ،وكانت
توقع باسم "تسواهن" ومعها الرفيقة الشهيدة عايدة ياسين .وعملت في
تحريرها الرفيقة الفقيدة رجاء الزنبوري التي كانت تساهم في الترجمة أيضا ًوالرفيقة
فاطمة المحسن وسعاد الجزائري وأخريات . والصفحة الرابعة من الصفحات التخصصية كانت
للطلبة والشباب التي يحرر فيها جمع من الرفاق الطلبة والشباب من أعضاء اتحاد
الطلبة العام في الجمهورية العراقية واتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي.
وكان عدد من الرفاق المحررين الجيدين
يعملون في الجريدة كتابة وتحريراً وترجمة وفي مقدمتهم الرفيق الفقيد شمران
الياسري(أبو كاطع)، الذي يحرر حقله المتميز "بصراحة أبو كاطع" ويوسف
الصائغ ، الذي يحرر باباً يومياً والرفاق صادق الصائغ ود.صادق البلادي (حمدان
يوسف) وفاضل السلطاني وعصام الخفاجي وخالد الحلي والفقيد سليم عبد الأمير (أبو
مازن) وحمدي فؤاد العاني.
وشغل سكرتارية التحرير بعد فترة من صدور
الجريدة الرفيق رضا الظاهر، بعد أن كان مسؤولاً عن المكاتب الصحفية في منطقة
الفرات الأوسط التي تشمل محافظات بابل(الحلة) وكربلاء والنجف
والقادسية(الديوانية)والمثنى (السماوة) والتي كانت تضم حوالي الأربعمائة رفيق
وصديق.وعمل في سكرتارية التحرير، بالإضافة إلى الرفيق الظاهر الرفاق فايق بطي
وصادق البلادي ويوسف الصايغ.
وتولى إعداد الكاريكاتير للجريدة الفقيد
الرفيق مؤيد نعمة الذي كان واحداً من المع الكاريكاتيريين العرب بشهادة رئيس
اتحادهم (السوري علي فرزات) والرفيق بسام فرج . أما التخطيطات والرسوم فكانت من إبداع
الرفيقة الفنانة عفيفة لعيبي والرفيق الفنان حميد عبد الحسين . وتولى التصميم
الرفاق:الفقيد الشهيد سامي حسن العتابي وليث الحمداني وصائب العاني وصفاء العتابي
والشهيدة ثائرة فخري بطرس وزاهرة التميمي وقيس قاسم .وكان خطاط الجريدة الأول
الرفيق جمال العتابي وجاء بعده الرفيق مصطفى...وعمل في قسم الخط والتصميم الرفيق
عبد الله الرجب .وكان سكرتير القسم الفني في الفترة الأخيرة الرفيق محمود حمد.
وسعينا في الجريدة لتأسيس أرشيف ومكتبة
.ومن ابرز من عملوا في هذا المجال الرفاق:سهام الظاهر وأموري عطية وسميرة سالم
والشهيد هادي صالح (أبو فرات) والعشرات من الشبيبة المتطوعين الذين كانوا يقضون
الساعات في أيام عطلهم في إغناء الأرشيف بالصور والمواد التي تحتاجها الجريدة.
وانشأنا قسماً للتصوير عمل فيه الرفيق
قتيبة الجنابي ورفيق من الكاظمية اسمه قاسم . ولا أنسى قاسماً آخر كان يتولى مهمة إعداد
الشاي للمحررين ، وتطورت كفاءاته فيما بعد ليصبح صحفياً عندما كان في اليمن.
أما الطباعة على الآلة الكاتبة فكانت
تتولاها الرفيقة أميرة مهدي (أم خالد) والرفيقة كوثر. وتولى إدارة مقر الجريدة
اكثر من رفيق وفي مقدمتهم الفقيد الرفيق نوزاد نوري.ولا يفوتني أن اذكر أن الرفيق
الدكتور فائق بطي عمل معنا منذ البداية في إدارة التحرير.وكان عدد من الكتاب
يوافون الجريدة بمقالاتهم في مجالات متنوعة اذكر منهم الرفاق الفقيد غضبان مردان
السعد والدكتور كاظم حبيب والفقيد ماجد عبد الرضا، الذي ضُم إلى هيئة التحرير
لفترة في أواخر العام 1978قبل مغادرته العراق بقرار من الحزب في ربيع 1979بعد
اعتقاله من قبل الأمن الصدامي وإطلاق سراحه إثر الحملة التي نظمها الحزب. كما لا
بد لي أن اذكر مساهمات أدباء وفنانين متطوعين ومنهم الرفاق فاضل ثامر والفريد
سمعان وياسين النصيـّر والشهيد قاسم عبد الأمير عجام ( الذي كان يتناوب على متابعة
الدراما التلفزيونية مع عضو المكتب الصحفي في الفرات الأوسط أمين قاسم خليل .أرجو أن
لا يكون هذا الاستطراد قد اثقل موضوع السؤال ، فقد تحدثتُ فيه بناءً على مسئوليتك!
* لا رفيق أُخذ راحتك !! بعد اقل من عام على صدور الجريدة ( إي في تموز 1974 ) كانت هناك
تجربة رائدة، وهي إقامة الدورة الصحفية المركزية الأولى لممثلي جميع المحافظات ،
وكان لي شرف أن اكون أحد طلابها، لماذا فكرتم بمشروع كهذا؟ وهل كانت نتائجه إيجابية
بحيث كررتم التجربة في السنوات الثلاث التالية 75 و76و77، وكان لي شرف المساهمة في
دورة 76ايضاً؟ كما كانت هناك دورات صحفية على مستوى المناطق والمحافظات ! ما جدوى
كل هذه الدورات ؟
- لقد كان من نتائج توقف الإرهاب البعثي ضد
حزبنا إلى درجة كبيرة ، قبيل قيام الجبهة وبعد قيامها في 16/7/1973 ، إقبال واسعٌ
من جانب الشبيبة على الحزب . وكانت غالبية الشباب الذين انخرطوا في مراسلة الجريدة
والكتابة لها حديثي العهد بالصحافة ، وقليلي الخبرة . وكنا نمتلك في الكادر العامل
في الجريدة طاقات غنية بالتجربة . وكنا حريصين على أن لا تظل هذه الطاقة حبيسة
بناية الجريدة في بغداد . ولذا أقدمنا على إقامة هذه الدورات في بغداد ، ومن ثم في
المناطق والمحافظات ،لإعداد الكوادر الصحفية الشابة وتدريبها على فنون العمل
الصحفي . وجندنا لها اكفأ المحررين، كما لابد وانك لاحظت ، بحكم مشاركتك في دورتين
من الدورات ، المستوى الرفيع الذي كانت عليه الدورات ومدى الفائدة التي يجنيها
المشارك فيها. أما جدوى الدورات فقد ظهر في تطور عمل الجريدة في العديد من النواحي
. وأنا أتذكر ما كتبته أنت في "الثقافة الجديدة" في ثمانينات القرن
الماضي عن تجربة المكاتب الصحفية . إذ كان توثيقاً جيداً لهذه التجربة ، حبذا لو
اقتدى الرفاق الذين عملوا في التحرير، كل في مجاله ، بما قمتَ به خدمة لتاريخ
"طريق الشعب" والحزب والصحافة العراقية .
* تعتبر تجربة المكاتب الصحفية في بغداد
والمحافظات واحدة من اكثر التجارب جدةً وثراءً. كيف تقيمون هذه التجربة ؟ وما أثرها
على عملية التحرير وتوزيع الجريدة ؟
- بقدر ما يتعلق الأمر بنا قيـّمنا التجربة
تقييماً إيجابيا حملنا على تكرارها وتوسيعها لتشمل المناطق والمحافظات . ولا شك أن
أثرها كان كبيراً نسبياً على عملية التحرير . أما التوزيع فإن عوامل أخرى تلعب
دورها . واهم هذه العوامل هو ضيق السلطة وأمنها بالجريدة، وسعيها إلى منع اتساع
توزيعها ، من خلال حصر بيعها بباعة مجازين من الأمن! ومنعنا من تولي جانب من
التوزيع عن طريق رفاقنا وأصدقائنا ومحبي الجريدة ، الذين كانوا يتعرضون للملاحقة إذا
ما اقدموا على بيع الجريدة أو توزيعها من دون إجازة من دوائر الأمن! ومع ذلك كان
رفاقنا في المحافظات وفي بغداد أيضا يلجئون إلى تولي التوزيع عندما اشتدت
المضايقات ضد الجريد ة في العام 1977وتفاقمت في العام 1978. أما في العام 1979وقبل
تعطيلها في الخامس من نيسان ، في العام نفسه ، فقد تحولت المضايقة إلى حصار بالغ
الشدة ابتدأ في المحافظات وشمل بغداد .
وما دمنا في الحديث عن المكاتب الصحفية لا
بد من ذكر أنها ليس فقط ساهمت في تحسين أداء الجريدة وتعزيز صلتها بالجماهير ، وإنما
ساهمت مساهمة كبيرة في توثيق صلات الأدباء والفنانين والكتاب في بغداد والمحافظات
بالجريدة وبالحزب أيضا.
* التنظيم والبرمجة هما سر نجاح إي عمل .
واذكر أن التنظيم في "طريق الشعب"العلنية في تلك الفترة كان دقيقا إلى
درجة إننا كنا نعرف المادة التي ستنشر قبل اشهر من موعدها أحيانا. كما كانت صلتنا
منتظمة مع هيئة التحرير . كيف تفسر تلك الظاهرة ؟ وهل تعتقد بضرورتها الآن أيضا؟
- لقد كنا حريصين في الجريدة على بناء
علاقات متينة مع المكاتب الصحفية لتشجيعها على العمل بحماس . ولأننا ندرك أن
مراسلينا وكتابنا في بغداد والمحافظات كافة حريصون على معرفة مصير ما يرسلونه للجريدة
. وهل سينشر أم لا؟ ومتى؟ ولذا سعينا إلى تنظيم هذا الأمر الذي كان له مردود إيجابي
على نشاط رفاقنا في المكاتب الصحفية ومن يعملون معهم من الكتاب والفنانين والشعراء
. وبطبيعة الحال أن هذا الأمر لا يخص فترة معينة دون أخرى . إذ انه يظل ضرورة في
كل وقت، تعزيزاً لصلة الجريدة بمراسليها وكتـّابها.
* لقد واجهت "طريق الشعب" العلنية
حرباً سرية ومكشوفة من قبل سلطة البعث وأجهزتها القمعية . هل يمكن أن تنوّر القراء
ببعض تلك المواقف التي واجهتها الجريدة ؟
- بالإضافة إلي ما ورد بشأن منع بيع الجريدة
وتوزيعها إلا من قبل مجازين من الأمن يمكن أن نذكر بعض المضايقات السياسية . فقد
امتنعنا عن نشر بيان رسمي يتهم سوريا بأنها وراء التفجيرات التي حدثت في الصحن
الحسيني الشريف في كربلا، فخرجت علينا جريدة الراصد بموضوع استفزازي بعنوان
:"هل لـ"طريق الشعب" رأي آخر بالمجرمين القتلة؟!"وقد أهملنا
الرد عليه في حينه ، لأنه كان "حرشة"واضحة. غير أننا في مناسبة أخرى
كتبنا تعليقاً بعنوان "ماذا يفعل شتراوس في بكين؟!"وشتراوس هذا سياسي ألماني
يميني متطرف. فكان أن وجهت إلينا وزارة الإعلام ، وكان طارق عزيز هو الوزير يوم
ذاك، إنذارا أو ما أشبه ، بزعم أننا أسأنا إلى دولة صديقة . فرددنا عليه بإيضاح من
الجريدة، يبدو انه لم يرق للوزير فاستدعاني لإبلاغي بأنهم يريدون منا أن ننسجم مع
سياستهم ونلتزم بضوابطهم. فبينت له أننا نتلقى الكثير من الملاحظات والانتقادات
لمجاملتنا لهم في الكثير من المواقف . وأشرت إلى موقفهم من سورية ، الذي لا يمكن أن
نشاركهم فيه ، فرد علي ، بما معناه، بان موضوع سوريا خط احمر . وأتذكر أننا كنا في
تلك الأيام نشرنا تضامناً حاراً مع خمسة أدباء أسبان حكموا بالإعدام لمعارضتهم
نظام فرانكو الدكتاتوري. وقد توجه طارق عزيز في هذه المقابلة بطلب ترك موضوع
التضامن مع الديمقراطيين الأسبان إلى رفاقنا في الأحزاب الشيوعية والعمالية ،
لـ"أننا لا نريد لنظام فرانكو أن يسقط ليحل محله الحزب الاشتراكي" على
حد تعبيره. أسارع إلى القول إن كل هذه المضايقات كانت لا شيء بالنسبة لما حدث بعد
ذلك من ملاحقات وأعتقالات وتعذيب لرفاقنا ومن بينهم عدد من العاملين في الجريدة
بعد ارتكاب جريمة إعدام العشرات من أصدقاء الحزب بالتهمة الملفقة، تهمة إقامة
تنظيم عسكري في القوات المسلحة في ربيع 1978 ، وخصوصاً في الأشهر الأولى من العام
1979التي سبقت تعطيل الجريدة في الخامس من نيسان من العام نفسه . فقد اعتقل الفقيد
الرفيق د.صباح الدرة وكان يتردد على الجريدة مع الرفيق الشهيد صفاء الحافظ ، وجرى
تعذيبه . واعتقل الرفيقان عضوا هيئة التحرير عبد السلام الناصري ومحمد كريم فتح
الله، كما اعتقل الرفيق الشهيد محمد حسن عيدان أحد السواق في الجريدة وعـُذب بشدة أدت
إلى وفاته في ما بعد . اكتفي بهذا المقدار لأن المجال لا يتسع لتعداد كل وقائع
الملاحقات والاعتقالات والتعذيب وغيرها التي تعرض لها العاملون في الجريدة ،
كتاباً ومحررين وشغيلة.
وبودي في هذا السياق أن اذكر بعض الوقائع
ما دامت الإجابة على هذا السؤال تشكل جزءاً من تاريخ طريق الشعب العلنية في
الأعوام 1973-1979 ، هذا التاريخ الذي يستحق في تقديري أن يكون موضوع دراسة أكاديمية
لنيل شهادة الدكتوراه في كلية من كليات الصحافة في العراق أو في الخارج. فقد صار
مقر "طريق الشعب "المقر الحزبي العلني الوحيد في بغداد بعد إغلاق
المقرات الأخرى منذ بداية العام 1979، بما فيها مقر اللجنة المركزية الذي لم يعد
يحوي غير عدد من الحراس ، الذين استشهدوا في ما بعد في كردستان . وذلك بسبب اشتداد
الحملة الإرهابية ضد الحزب . ولذا فقد صار يداوم في مقر الجريدة، بالإضافة إلى
كادر الجريدة الرفاق جاسم الحلوائي والشهيدين صفاء الحافظ وصباح الدرة لتمشية بعض الأعمال
الحزبية . ولا انس أن الصديق الشاعر نبيل ياسين كان قد تطوع للعمل في الجريدة في
الشهر الأول من ذلك العام ، واذكر انه ساهم معنا في تحرير عدد الجريدة في ذكرى
وثبة كانون الثاني المجيدة عام 1948. وفي تلك الأيام الصعبة التحق بالعمل في
الجريدة الرفيق الشهيد المحامي أبو عمر( أيوب .. ) الذي كان مسؤولاً للمكتب الصحفي
في البصرة قبل مجيئه إلي بغداد .
* اذكر أن المعادلة التي كانت تضعها هيئة
التحرير على عاتقنا ككتاب ومحررين كانت في منتهى الصعوبة . فالمعادلة تقول ( من
اجل الدفاع عن مصالح الكادحين وتوطيد الجبهة الوطنية ) وهما طرفان لا يتوازنان في
كثير من الأحيان ، وأسأل : هل نجحت الجريدة في تحقيق هذه الموازنة الصعبة ؟
- التاريخ يقول أنها لم تنجح ، لا لأن
المعادلة خاطئة . ذلك أننا كنا نستهدف التمسك بالميثاق الوطني وتطبيق بنوده
التقدمية بمعايير تلك الفترة ، وخصوصا تلك المتعلقة برفع مستوى معيشة الشعب
ومراعاة مصالح أغلبية السكان من عمال وفلاحين وكسبة وحرفيين ، وإطلاق الحريات
الديمقراطية وتطبيق اتفاقية 11آذار 1970بشكل نزيه وإنهاء الأوضاع الاستثنائية وأجراء
انتخابات حرة لممثلي الشعب وانتهاج سياسة خارجية معادية للاستعمار والصهيونية
وغيرها من الأهداف التي نص عليها الميثاق الوطني الذي قامت الجبهة على أساسه ، بل
لأن الطرف الآخر في الجبهة ، الذي يمسك بزمام السلطة ، لم يكن مخلصاً لما وقـّع
عليه والتزم به عند توقيع الميثاق . ولذلك ما أن فضحنا تصاعد الإرهاب ضد الحزب و
طالبنا بما نص عليه الميثاق من إنهاء الأوضاع الاستثنائية وإجراء انتخابات حرة
لمجلس نيابي وانتهاج سياسة تضامن عربي وغيرها من المطالب الشعبية ،في بيان اللجنة
المركزية في العاشر من آذار1978 ، حتى كشّر البعث الحاكم عن أنيابه ووضع عملياً
نهاية الجبهة ، النهاية التي صارت واقعاً ملموساً بعد اشهر قليلة.
* يقال أن صدام حسين عنـّف العاملين في جريدة
"الثورة" قائلاً لهم أن "طريق الشعب" تكتب عن كيفية الاستفادة
من لب الصمون! رغم عدد محرريهم القليل . وقد وفرنا لكم كل شيء وانتم متخلفون عنهم
! ما مدى صحة ذلك؟ ولماذا تفوقنا على صحفهم؟
- أن موضوع تعنيف صدام لمحرري
"الثورة" كان إثر صدور العدد الألف من الجريدة . وكان عدداً غنياً
بمواده جميلاً بتصميمه، إذ اجتمع بمحرري جريدة حزبهم "الثورة" وطرح
عليهم العدد الألف وسألهم :كم هو عدد محرري "طريق الشعب" فأجابوا انهم
في حدود ثلاثين إلى أربعين محرراً. وعندها سألهم: وكم هو عدد محرري
"الثورة" فقالوا ثلاثمائة . كما أننا سمعنا في تلك الأيام أن المسؤولين
في جريدة الثورة كانوا يعقدون اجتماعاً لمحرريهم عند صدور الأعداد الخاصة التي
تصدرها "طريق الشعب" لتدارسها بأمل محاكاتها . ويقال آن أحد المسؤولين
قال عن محرري "طريق الشعب " انهم فدائيون. بمعنى انهم متفانون في خدمة
جريدتهم ومبدعون في جعلها جريدة مقروءة تشبع نهم القارئ للمعرفة والمتعة الفكرية .
وهذا صحيح . وهو سبب تفوق صحافتنا على صحافتهم ، إلى جانب كون صحافتنا كانت اقرب إلى
نبض الشارع وما يتطلبه القارئ من الجريدة ، ولتبنينا لمطالب الناس في المعامل
والمصانع والمدارس والجامعات وفي القرى والأرياف وملاحقة المسؤولين لتلبيتها . الأمر
الذي يجب أن نضعه نصب أعيننا دائماً وأبدا لننجح في جذب القراء .
* لقد ضمت الجريدة خيرة الكفاءات الثقافية
والصحفية العراقية من كتاب وشعراء وسياسيين وفنانين ، بين محررين دائميين ومتطوعين
، برواتب أو مكافآت متواضعة قياساً بما تدفعه صحف السلطة ووسائل إعلامها . ما الذي
يدفع هؤلاء للعمل في "طريق الشعب" دون سواها؟
- القضية باختصار، في ما اعتقد ، وهو الواقع
، انهم يعتبرون العمل تطوعاً أو لقاء مكافآت متواضعة او رواتب هي دون ما يمكن أن
يتقاضوه في أماكن أخرى هو مهمة نضالية . وهو جزء مما ينبغي على الشيوعي أن يقوم به
تجاه حزبه والقضية التي نذر نفسه لأدائها . واحسب أن المجال يضيق عن ذكر الرفاق
الذين رضوا برواتب قليلة جداً والذين تخلوا عن رواتب عالية ليكرسوا كل طاقاتهم
لـ"طريق الشعب"، فضلاً عن المتطوعين الذين جئت على ذكر عدد منهم في الإجابة
على سؤال سابق.
* يخيل ألي أنكم كنتم مثل أسرة واحدة ، فعدا
العمل الصحفي كان هناك مطعم عام في دار الرواد يقدم وجبات مقبولة بأسعار متهاودة
للمحررين والشغيلة . كما كانت هناك رحلات نهرية جماعية وعائلية وبطاقات مجانية
لحفلات موسيقية وحفلات ترفيهية وغيرها. هل تعتقد أن تلك الأساليب كانت ضرورية
لتفعيل العمل الصحفي في الجريدة ؟
- نعم لقد كنا أسرة واحدة . وكل ما ذكرته كان
بهدف تعزيز لحمة العلاقات الرفاقية بين العاملين في الجريدة . فقد كانت ساعة تناول
الغداء في الجريدة من أمتع الساعات . أما السفرات والحفلات الفنية والترفيهية فهي
بقصد تجديد الطاقات . فالنفوس أو القلوب، كما يقال، إذا كلّت عميت!
* هل تتذكر أتعلى وأدنى رقم توزيع وصلت له
الجريدة في تلك الفترة، ولماذا؟
- لست على اطلاع دقيق بهذا الشأن. ولكني أتذكر
أننا كنا نطبع بحدود اقل من عشرين ألف نسخة يومياً . وكان المرجوع ، ولا توجد
جريدة بدون مرجوع ، قليلاً بالمعايير المتعارف عليها . وكنا نطبع الأعداد الخاصة
والتي تحوي بيانات اللجنة المركزية ووقائع المؤتمر أو ذكرى تأسيس الحزب بأعداد
اكبر ، نظراً لأنها تلقى إقبالا اكبر. أما أدنى رقم فلا أتذكر بشأنه شيئاً لأنه
كان بفعل الإجراءات التعسفية التي قامت بها الأجهزة القمعية لمنع وصول الجريدة
للقراء.
* تجربة العدد1000كانت متميزة . ولم تتكرر .
كيف فكرتم بها ؟ وكيف تقيـّمونها ؟
- العدد 1000مناسبة ابتدعناها إذ لم يكن لها
سابقة في الصحافة العراقية . وكنا نريد من خلالها أن نتصل بأكبر عدد من الجهات لكي
تتحدث للناس من منبر "طريق الشعب". وأتذكر أن أحد الوزراء البعثيين تحدث
في البداية بإيجابية عالية عن "طريق الشعب"غير انه تنصل عن الإيجابية في
حديثه قبل أن يـُنشر، ولربما حصلت له "جرة إذن" بسبب حديثه الإيجابي. إما
عن تقييمنا للفعالية فانه كان إيجابيا لأنها عكست الإمكانيات الإبداعية لكادر
الجريدة وقدرته على خلق المناسبات لتوسيع صلته بالناس من مختلف الأوساط . ولم
تتكرر التجربة في ما بعد لأننا لم نصل العدد الألفين أولا ، فضلاً عن أن الأوضاع أخذت
في التردي بعد صدور العدد الألف .
* وزعتم في إحدى السنوات أوراق استبيان
لمعرفة رأي القراء في صفحات الجريدة. هل كانت تلك الفعالية نافعة ولها نتائج إيجابية
لتحسين العمل؟
- بالتأكيد . فقد كنا حريصين على معرفة رأي
القراء بالجريدة ككل ، وبكل صفحة من صفحاتها . خصوصاً وان الجريدة كرست صفحات
معينة تعنى بفئات محددة : مرأة ،شباب ، طلاب ،تعليم ومعلم، اقتصاد ، رياضة،حياة
الشعب ،العمال والفلاحين والأطفال الخ . وكانت حصيلة الاستبيان جيدة .إذ عرفتنا
برأي القراء بشكل اكثر تفصيلاً عما كنا نعرفه. واستفدنا من ذلك كثيرا لتحسين العمل
.
* طريق الشعب هي أول صحيفة يومية سياسية
تكرس صفحة أسبوعية للأطفال ! لماذا فعلتم ذلك؟ وهل نجحتم في هذا الميدان الذي
قلدتكم به صحف السلطة بعد حين ؟
- الأطفال هم رجال المستقبل . ولذا كنا
حريصين على مخاطبتهم وتنمية مواهبهم . وللعلم فأننا لم نكتف بالصفحة الخاصة بهم وإنما
هيأنا الفرص لهم للرسم، بأن زودناهم مجاناً بمستلزماته. وأقمنا معارض مفتوحة
للجمهور لا عمالهم . وأتذكر عند افتتاح أحد المعارض أن قــُدّم لي المقص لقص
الشريط فقدمته لأحد الفنانين الصغار من المشاركين في المعرض فكان فرحه عظيماً ونال
استحسان جمهور الحاضرين . أما عن نجاحنا في هذا الميدان فهو لا شك فيه . ولعله
السبب الأهم في مبادرة صحف السلطة البعثية إلى تقليدنا فيه .
* هل تذكر للقارئ أسماء ابرز المحررين وأقسام
الجريدة وشغيلة الظل من سواق وحراس ومصححين ؟
- لقد أوردت في الإجابة على سؤال سابق أسماء
الكثير ممن تسأل عنهم . وهنا لا بد لي من ذكر معتصم عبد الكريم الرسام الذي استشهد
في كردستان أيام الكفاح المسلح . والشهيد ياسين طه خضير الذي ترك راتبه الكبير لدى
شركة أجنبية كانت تعمل في العراق ليأخذ اقل من نصف راتبه هناك عندما عمل عندنا،
ليعمل في الجريدة في اشد الأيام التي مرت بها صعوبة قبل تعطيلها . فكان محرراً
وسائقاً ومصلحاً كهربائياً ومنظماً لعدد من الشبيبة المقطوعين عن الحزب بفعل
الحملة الإرهابية الشرسة . وكذلك السائق الشهم محمد حسن عيدان الذي سبق ذكره،
والسائق أبو عمار الذي لا يزال يعمل في إدارة "طريق الشعب" الآن والسائق
سعيد رشيد الذي عمل معنا سائقاً سنوات عديدة في بيروت ودمشق ، وخالته أم جاسم التي
كانت تتولى توزيع طعام الغداء كل يوم ، والتي لم تسلم ،رغم كونها امرأة أمية بسيطة
وطيبة جداً، من مضايقات الأمن الصدامي . وكذلك الأختان حياة وبسعاد اللتان عملتا
في استعلامات الجريدة وبدالة التلفون . أما عن المصححين فلا يمكن أن أنسى مدرساً
للغة العربية هو الرفيق عبد الحسن عيسى(أبو سيسيل) ،أزعجه تدخلي في
"تصحيح" خاطئ من قبلي لما أجازه هو ، فقدم استقالته من العمل . الأمر
الذي حملني على تقديم اعتذاري الشديد له مكتوبا وموقعاً من قبلي ، فقبل الاعتذار
وواصل العمل . وكذلك الرفيق عيسى غيدان.
كانت الجريدة تطبع في دار الرواد وهي دار
حزبية في خدمة الجريدة ومطبوعات الحزب الأخرى ، هل لك أن تحدثنا عمن أدارها ؟
- كان المسؤول الأول عن إدارتها الفقيد
الرفيق أبو عامل (سليمان يوسف سليمان) ويعاونه عدد من الرفاق العسكريين سابقاً و
منهم كمال نعمان والفقيد احمد الجبوري (أبو ازدهار) وجواد كاظم والشهيد كريم احمد(أبو
شروق) والشهيد سعدون علاء الدين . وهؤلاء هم الذين يتولون إدارة المطبعة وتوزيع
الجريدة والمطبوعات الحزبية وحسابات الجريدة والمطبعة .وقد تعرضوا شأنهم شأن محرري
الجريدة وشغيلتها إلى ملاحقات أجهزة القمع وكان من بينهم الشهداء الذين جئت على
ذكرهم .
* على ذكر الشهداء ألا ترى من المناسب أن
نفرد لهم فقرة في هذا الحديث لنذكر ظروف استشهادهم ؟
- طبعاً . الشهداء : إسماعيل خليل وسعدون
علاء الدين وقاسم محمد حمزة (مسؤول المكتب الصحفي في الفرات الأوسط) والشاعر خليل
المعاضيدي (من المكتب الصحفي للمنطقة الوسطى) وكريم احمد(أبو شروق) وياسين طه خضير
والمحامي أبو عمر( أيوب عمر ) جرى اعتقالهم في العام 1979 وغـُيـّبوا . واكبر الظن
انهم قتلوا تحت التعذيب أو اعدموا بقرارات من المحاكم البعثية .
الشهيدان د.صفاء الحافظ ود.صباح الدرة جرى
اعتقالهما في شباط 1980وانكرت السلطات هذا الاعتقال، وزعمت في ردها على برقية من
مجلس السلم العالمي تطالب بإطلاق سراحهما ، نظراً لأن الدكتور صفاء الحافظ عضو في
المجلس، انهما غادرا العراق. وعلمتُ ،في آذار الماضي عندما كنت في بغداد، من مصدر
موثوق في المحكمة الجنائية العليا أن حكماً بالإعدام صدر بحق د.صفاء الحافظ وان
ملفا للشهيد موجود لدى المحكمة. وافترض أن الحكم شمل د.صباح الدرة لأن قضيتهما
واحدة . الشهيد سامي العتابي حـُكم بالإعدام بتهمة تزوير وثيقة رسمية.الشهيدة
ثائرة فخري بطرس استشهدت في بيروت إثر غارة إسرائيلية في ثمانينات القرن الماضي
عندما كانت تعمل في صحافة المقاومة الفلسطينية. الشهيد قاسم عبد الأمير عجام
استشهد على أيدي القتلة الإرهابيين بعد سقوط النظام الدكتاتوري.
الشهيد معتصم عبد الكريم استشهد أيام
الكفاح المسلح ضد الحكم الدكتاتوري عندما كان يناضل في فصائل أنصار الحزب الشيوعي
العراقي .الشهيد هادي صالح (أبو فرات) القائد النقابي استشهد على أيدي الإرهابيين
بعد سقوط النظام الدكتاتوري. بالإضافة للعديد من شهداء المكاتب الصحفية وبينهم
شهداء المكتب الصحفي في الناصرية الشهيد مجيد فيصل ( أبو رؤوف) والشهيد عبد العباس
سالم (أبو عاهدين) ومسؤول المكتب الصحفي في العمارة، الشهيد كاظم طوفان ( أبو ليلى
) ورفيقه الشهيد باسم ، وعضو المكتب الصحفي في المنطقة الجنوبية القاص الشهيد جليل
المياح (أبو ربيع ) وغيرهم.
اغتنم هذه الفرصة لأقدم اعتذاري الشديد ممن
لم تسعفني الذاكرة الكليلة بتذكرهم ، ولأحيي كل الذين عملوا ويعملون في "طريق
الشعب" . وأتمنى عليهم أن يكتبوا ذكرياتهم عنها. مع تمنياتي للجميع بالموفقية
والنجاح.