هل نصوت للحزب الشيوعي العراقي و- مدنيون- ؟ ولماذا؟

 

في السنة الماضية كان هناك حوار كبير وفاعل وحيوي بين القوى والشخصيات اليسارية والديمقراطية حول العمل المشترك وإيجاد آليات للتنسيق وفقا للقواسم المشتركة , وانطلق تحالف – مدنيون- بين الحزب الشيوعي العراقي والحركة الاشتراكية العربية والحزب الوطني وبمشاركة عدد كبير من المستقلين اليساريين والديمقراطيين.

مدنيون لاقت استجابة ايجابية ودعم من الكثير من المنظمات والأحزاب والشخصيات اليسارية والديمقراطية الأخرى وطرحت الكثير من المقترحات من اجل تطويرها وتوسيعها وإشراك أحزاب ومنظمات أخرى وتحويلها إلى إطار كبير يجمع اكبر عدد ممكن من القوى اليسارية والعلمانية والديمقراطية. و لكن للأسف الشديد اعتقد إن القوى إلى أطلقت – مدنيون – وقياداتها لم يكن لها أي نية أو سياسة واضحة لتوسيعها واقتصر التحالف على الجهات الحزبية الثلاثة فقط التي أطلقتها كتحالف انتخابي أو إطار دائمي للعمل المشترك بينهم. وأدى هذا إلى تحديد قوة مدنيون وانعكس ذلك سلباً على عموم التيار اليساري والديمقراطي والعلماني. قبل أيام أعلن عن - لجنة تنسيق عمل القوى الشيوعية والماركسية العراقية – التي تضم إليها كتلة تصحيح المسار/الحزب الشيوعي العراقي, اتحاد الشيوعيين في العراق, حركة اليسار الثوري , ومنظمة ستار غانم (سامي حركات)- وهي خطوة ايجابية أيضا ولابد من تطويرها وتعزيز خطابها السياسي من اجل تقريب وجهات نظرها مع القوى اليسارية والديمقراطية الأخرى.

ومع إن هذه التحالفات والأطر للعمل المشترك أمور ايجابية ومقدمة لتحالفات اكبر وأوسع, ولكن ما زالت العقليات الحزبية الضيقة تعيقها حيث تعمل وفق إطار تنظيمي حزبي منغلق أو رأي فكري وسياسي محدد وأحيانا حتى إلى تزمت شخصي عند بعض القيادات , وليس كجزء من حركة يسارية ديمقراطية اجتماعية كبيرة متعددة الاتجاهات والمنابر لها قواسم كثيرة مشتركة. واعتقد إن القوى اليسارية والديمقراطية الكبيرة تتحمل مسؤولية كبيرة في ذلك.

الانتخابات ومقاطعتها

ألان نحن في العراق على أبواب انتخابات مجالس المحافظات التي هي مهمة جدا حيث هي ستحدد من سيدير بشكل مباشر الحياة اليومية للمواطنين والمواطنات وتقديم الخدمات لهم , بعض من القوى اليسارية مثل الحزب الشيوعي العمالي العراقي والحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي ومؤتمر حرية العراق قاطعت الانتخابات لكونها تحت الاحتلال وإنها انتخابات كارتونية وليس للمشاركة إي تأثير ايجابي معيين على المواطنين والمواطنات وغياب أجواء طبيعية لإجراء الانتخابات والتزوير والخروقات ... الخ ومع احترامي وتفهمي لموقفهم وبعض من الأسباب التي تستوجب ذلك , ولكن اعتقد إن المقاطعة ستعني فسح المزيد من المجال للقوى الدينية والقومية للسيطرة على مجالس إدارة المحافظات وبالتالي تعزيز موقعهم في إدارة الدولة ومحافظاتها والذي تسبب حكمهم الفاسد خلال السنوات الماضية في نشوء أوضاع اقتصادية وسياسية واجتماعية مزرية لعموم المجتمع العراقي والجماهير الكادحة والمرأة خصوصا.

مشاركة الماركسيين واليساريين في الانتخابات ضروري جدا في العراق ألان حيث إن الأجواء الانتخابية والديمقراطية مناسبة نسبياً كدولة شرق أوسطية ومقارنة مع دول المنطقة , وهي فرصة كبيرة لإيصال برامجهم للجماهير عن طريق الاستفادة من العملية الانتخابية وإمكانياتها , كما إنها مهمة جدا لاكتساب الخبرة السياسية والإدارية والإعلامية في مجال الانتخابات حتى لو لم يتمكنوا من تحقيق نتائج ايجابية فيها وخاصة في الوضع الحالي. طبعا من المهم أيضا العمل الجاد والدءوب من اجل الفوز وتحقيق النتائج المرجوة حيث إن الماركسيين واليساريين عموماً يجب إن يحاولوا دوما العمل في كافة المجالات والقطاعات ومنها إدارة الدولة والمحافظات والمدن والـتأثير الايجابي عليها في اتخاذ القرارات ومن اجل إدارة حضارية وتقديم أفضل الخدمات الممكنة في كافة النواحي.

اليسار العراقي والعمل المشترك ؟

الحزب الشيوعي العراقي اكبر قطب يساري في العراق وله الآن اكبر تواجد تنظيمي وكان له وما زال الدور المهم في تعزيز اليسار والعلمانية في المجتمع العراقي وله تاريخ حافل بالنضالات والتضحيات, ولكن في نفس الوقت اعتقد بإن القيادة الحالية للحزب اتجهت أكثر من اللازم نحو البراغماتية والمرونة السياسية على حساب المبادئ أكثر مما يتطلبه الوضع المعقد في العراق واتجهت في بعض المواقف, كما أرى, نحو اليمين حيث تحالفت مع قوى قومية ودينية وطائفية لها دور كبير في مآسي العراق الحالية ولها تأريخ حافل في انتهاك حقوق الإنسان في العراق وذات ارتباطات مشبوهة مع دول وأنظمة دكتاتورية في المنطقة , والى الآن لم يستفد الحزب الشيوعي من تجارب الجبهات والتحالفات الفاشلة في سبعينات وثمانينات القرن المنصرم وكان الألوف من أعضاء الحزب نفسه أول ضحايا تلك السياسات.

هذا الحزب يتحمل مسؤولية كبيرة عن التشتت اليساري واختار, كأخ اكبر لليسار ( ليس الأخ الأكبر هو الأكثر حكمتا دوما!) دون مشاورة أو العمل بشكل مشترك مع الاتجاهات الأحزاب والمنظمات اليسارية الأخرى, الدخول في تلك الانتخابات كقائمة حزبية مستقلة في بعض المحافظات أو كـ – مدنيون- وتحالفات مشتركة في مدن أخرى .

الأخ الأكبر لليسار, لا بمعنى الأبوية العشائرية!, وللأسف منذ السبعينات أصبح يقدس ويتحرك وفقا لقاعدة – الأخ الصغير المحبوب والمسالم - للأحزاب القومية العربية والكردية والدينية أيضا بعد 2003 , ويتم التحالف معه عند الحاجة ويستدعى أو تسلم له مناصب ثانوية لإضفاء المزيد من الشرعية على حكوماتهم مثل وزارة التكنولوجيا في دولة بدون كهرباء!. بدلا أن يأخذ دوره المحوري والمؤثر – كأخ كبير! - في تجميع اليسار المتشتت في العراق تحت تحالف كبير وإعادة الاعتبار لليسار العراقي ومن ثم تحالف مع القوى العلمانية والديمقراطية الأخرى من اجل استلام السلطة أو يكون لهم دور المؤثر فيها.

في الجانب الأخر من اليسار ما زالت القوى اليسارية الأخرى تواجه الحزب الشيوعي العراقي بأسلوب حاد وتنفي صفة اليسار والماركسية عنه وفقا لقواعد - التكفير الماركسي! – بسبب اختلاف وجهات النظر! , والبعض منهم يعتبره العدو الأساسي وخاصة المنشقون والخارجون من صفوفه حيث يخصصون جزءا كبيرا من نشاطهم ضده , ومع الأسف فأن البعض منهم من يركز على الصراعات الشخصية مع قيادة هذا الحزب , إما على صعيد الخطاب السياسي وخاصة تيار الشيوعية العمالية بحزبيها ( الحزب الشيوعي العمالي العراقي والحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي) فهو ماركسي ثوري جاد ولكن مازال الى حد ما متطرفا أكثر مما هو سياسي وينطلق مما هو مطلوب ايدولوجيا وليس مما هو ممكن في الواقع حاليا , إضافة إلى انشغاله بالصراعات الفكرية والكتلوية والشخصية نتيجة ضعف القيادة والبناء المؤسساتي الحزبي, وعدم وضوح آليات إدارة الحوار والاختلاف في أحزاب هذا التيار بشكل عام. هنا لابد أن أشير الى الموقف الايجابي والمسئول للرفاق في – اتحاد الشيوعيين العراقيين – سواء أكان على صعيد الخطاب السياسي والعملي أم القيادة إذ كانوا على استعداد للحوار والعمل المشترك وكانوا من الداعين له دون أي شروط مسبقة.

الذي يجمع معظم أحزاب واتجاهات اليسار العراقي هو غياب الحوار وحتى وجود صلات والعلاقات بينها او إنها محدودة جدا إلى ألان , وبعضها يطرح شروطاً تعجيزية للاتفاق معها , حيث إنها إلى ألان لم تعي حاجة المجتمع العراقي إلى تحالف يساري قوي لهذه المرحلة , أتطلع إن تبادر القوى الكبيرة لليسار وخاصة الحزب الشيوعي العراقي والحزب الشيوعي العمالي العراقي إلى دعوة لاجتماع عام لليسار العراقي دون شروط مسبقة كما قام بها رفاقنا في الحزب الشيوعي اللبناني بالدعوة إلى لقاء تشاوري مفتوح بين كل أقطاب اليسار اللبناني دون استثناء , يتم فيه على الأقل كسر الجليد الموجود والبدء بالحوار وتبادل الرأي ومن ثم تشكيل ورش عمل لتحديد نقاط التقاء والنقاش البناء حول نقاط الاختلاف من اجل صياغة آليات التنسيق والعلاقات كمرحلة أولية ألان.

مع كل هذه الانتقادات فان معظم تيارات اليسار العراقية لها دور نضالي مهم وكبير وواضح وهم الأمل الكبير في إرساء مجتمع مدني ديمقراطي علماني يضمن حقوق الإنسان والأقليات والمرأة , ويضمن حرية التعبير والمعتقد والتنظيم , ويوفر ويؤمن الحاجات والمتطلبات الاقتصادية والاجتماعية للجماهير ويرسي دولة المواطنة وينهي الاحتلال وحكم المحاصصة القومية والدينية ........ , كمرحلة أولى , ومن ثم العمل من اجل عالم أفضل تسود فيه العدالة الاجتماعية في مجتمع اشتراكي كهدف استراتيجي.

هل نصوت ولمن ؟

نعم و للحزب الشيوعي العراقي و لـ "مدنيون"

بعد هذه المقدمة القصيرة والاختلافات الموجودة وعدم اقتناعي بمقاطعة الانتخابات, السؤال هنا لمن نصوت في مجالس المحافظات؟

هل نصوت للقوى الدينية والقومية الحاكمة وفقا للمحاصصة القومية والطائفية المقيتة؟

هل نصوت لبقايا النظام ألبعثي المقبور والأحزاب التي تطرح سياساته بأسماء وواجهات أخرى ؟

هل نصوت للقوى العشائرية وأعرافها البالية المناقضة للدولة الحضارية والمجتمع المدني؟

هل نصوت للفاسدين ومنتهكي حقوق الإنسان والمعادين لمساواة المرأة وتحرر المجتمع؟

الخيارات محدودة وواضحة لنا كيساريين وعلمانيين وديمقراطيين ومتطلعين إلى مجتمع مدني ولا بد من عدم التصويت لهؤلاء او اخلاء الساحة لهم , و تجاوز الأطر الحزبية والايدولوجية والسياسية والمشاركة والتصويت وفقا لأحد المنطلقات التالية لـ :

 

• القوائم اليسارية والعلمانية لكون برامجها الأفضل ولصالح عموم المواطنين والمواطنات.

• والقوائم الأقرب فكريا وسياسيا لنا.

• والقوائم التي تروج لثقافة حقوق الإنسان ومساواة المرأة والمجتمع المدني العلماني.

• أو أفضل القوائم الموجودة.

• أو القوائم التي من الممكن إن تحسن وضع العراق نوعا ما نحو الأفضل ولكن ليس هو المطلوب ولكن هو الممكن ألان وما هو موجود.

• أو احد القوائم لكونها أهون الشريين مقارنة مع قوائم الأحزاب الدينية والقومية المتعصبة.

وعند مقارنتي القوائم الموجودة اعتقد انه ومع كل التحفظات والاختلافات الموجودة فأني أرى إن من الأفضل إن نصوت لقوائم الحزب الشيوعي العراقي إن وجدت كقائمة مستقلة ولـ "مدنيون" أو القوائم العلمانية والديمقراطية المتحالفة معها لكونها القوائم اليسارية والديمقراطية الأقرب فكريا وسياسيا لنا وهي أفضل ما هو موجود! ألان في العراق.

أرجو أن لا تعتبر انتقاداتي هذه انتقاصا أو استفزازا للأحزاب اليسارية العراقية حيث أكن لها الاحترام العميق لدورها النضالي وانطلق من موقع الحرص والمسؤولية تجاهها وتوجيه النقد البناء عندما يستلزم ذلك واراه ضروريا, وإذا كانت هذه الأحزاب تقبل بالعضوية المركبة ( العضوية في أكثر من حزب) وحرية وحقوق العضو بشكل واسع , فكنت سأطلب العضوية في آن واحد من أربعة أحزاب على الأقل وهي اتحاد الشيوعيين العراقيين ,الحزب الشيوعي العراقي ,الحزب الشيوعي العمالي العراقي , والحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي لوجود قواسم فكرية وسياسية يسارية مشتركة كثيرة في ما بينها وان اختلفت في آليات التحقيق والمراحل, وقد كان لي الشرف في أن أكون عضوا في بعضها أو بعلاقة صداقة وتعاون مع البعض الأخر سابقاً.

 

رزكار عقراوي

rezgar1@yahoo.com

 

(صوت العراق) - 10-01-2009