علاوي هو الذي أدخلنا في قمقم سليمان يا رزاق عبود*

 

أرجو أن يتسع لي صدر الأخ رزاق عبود وأنا أنتقد رأيه بخصوص د علاوي بشيء من الحدة، وذلك من باب ذر الملح والفلفل على الطعام لكي يكون أطيب.

قبل أن تتمنى في آخر مقالتك يا رزاق، يا ابن عبود، يا صريح " أن يكون خبز أياد علاوي طيب، ومكسب، وبيه سمسم من كل أطياف شعبنا السياسية المؤمنة بعراق حر وديمقراطي" على حد قولك، أو ما تتمنى، كان ينبغي عليك أن تراجع أداءه، أقصد دكتور أياد، خلال فترة حكمة العاصف عندما قاد الحكومة المؤقتة، فإنك قد ذكرت الجانب المضيء للقمر دون أن تمنح نفسك والقارئ فرصة النظر للجناب المظلم منه، أي القمر، قمرك هذا الذي أدخل العراق في زجاجة لا عنق لها لكي يخرج العراق منه، فهي مغلقة وكأنها قمقم سليمان الذي حبس به الجني ليخرج بعد ألف عام.

إذا كنت لا تعرف دكتور أياد وأنت تدعمه كسياسي، لكن الأمر مختلف بالنسبة لي، لأن الدكتور أياد له دين برقبتي، وهو صاحب فضل علي بالذات أيام النضال السلبي، لكن لي منه موقف سلبي كسياسي، ليس نكران للجميل، لا سامح الله، ولكن الوطن شأن عام ولا ينبغي أن يكون للعلاقات الإنسانية دور بصياغة المواقف الوطنية، فأنا لا أختلف معك حقا على ما ذكرت بأنه رجل دولة وكذا الكثير من إيجابيات الرجل، لكن ما هو قاتل للوطن، والذي مررت عليه مر الكرام في حين كان عليك الخوض في أعماقه، هو أن هدفه الاستراتيجي إعادة تأهيل البعث، وثانيا إيمانه بالبعد القومي للعراق وفق المنظور العروبي، وهو المشروع الذي نعتبره قاتلا للعراق المتعدد القوميات والأديان، هذا المشروع الوحدوي البعيد تمام البعد عن الواقعية يطمح إلى توحيد الدول العربية، في حين هذه الدول لا تشترك مع بعضها بشيء، حتى باللغة، لأني لحد الآن لم استطع أن أتفاهم مع المغاربي بالرغم من أني عشت في الجزائر لمدة ستة سنوات متواصلة عملت بها منذ اليوم الأول، وهذا له أثر كبير في عملية التواصل مع الناس، ولكن يوم خروجي النهائي من هناك، كان لي حديث كحديث الطرشان مع أخ جزائري يعمل في المطار، لأن كل منا لم يفهم ما يقوله الطرف الثاني.

أما باقي الظروف الموضوعية التي يجب أن تتوفر قبل قيام هكذا نوع من الاتحاد فإنها غير متوفرة، الدول العربية ليس لها أنظمة منسجمة وليست قوانينها أو دساتيرها موحدة، هذا إذا كان لدي هذه الدول دساتير، ولا تتفق بمستوى التطور ولا بمستوى الثراء، ولا يوجد هناك أي مقوم من موضوعي يسمح بإقامة الوحدة، وحتى ذلك الكيان الهزيل الذي يدعى الجامعة العربية، جل نشاطها ينصب في شأن واحد هو حماية الأنظمة من غضب الشعوب على حكوماتهم، لذا لم تستطع الجامعة العربية تفعيل أي اتفاق عربي سوى الاتفاقات الأمنية التي تهدف أساسا لقمع الشعوب من أجل حماية للأنظمة.

لو كنت راقبت بشكل دقيق أداء الدكتور خلال فترة حكمه السابقة، لوجدت أنه كان مهتما بشأن واحد فقط، وهو موضوع إعادة تأهيل الجيش والقوات المسلحة التي مازال يعتبر أن حلها خطأ كبير، فقد زج بجموع البعثيين من هذه القوات في الأجهزة الأمنية الجديدة دون مراعاة مسألة ولاء هذه العناصر، فإنه مقتنع تماما أن ولائها للوطن، ولكن في الواقع إن عناصر القوات المسلحة القديمة لم يكن ولائها للوطن، ولكن للدكتاتور، وفي أحسن الأحوال لحزب البعث، فإن الثقافة التي أعتمد عليها النظام المقبور هو اختزال مفهوم الوطن بالحزب والثورة، وانتهى الولاء لشخص صدام فقط، فهو الحزب والثورة والوطن، لذا راح العديد من هذه العناصر التي ضمها علاوي للقوات المسلحة الوليدة يتعامل مع فلول للنظام المقبور التي تعمل في الظلام للإطاحة بكل ما هو جديد من خلال قتل الناس وإشاعة الإرهاب. لذا فإن الإرهاب قد تصاعد أيام علاوي ليصل إلى 85 عملية يوميا، وفي أحد الأيام وصل عدد العمليات فيه 108 عملية هجومية كانت موجهة ضد الأبرياء من الناس في العموم الغالب.

فالوضع الأمني كان قد تردى في زمن علاوي ولم يتحسن لحد الآن لذات الأسباب، ولذا لم تعد هناك إمكانية للقضاء عليه بالكامل على المدى المنظور، لأن جميع هذه الأجهزة مخترقة من قبل فلول النظام، وهذا النوع من الاختراق يعتبر من أسوأ أنواع الاختراق الأمني في زمن الحروب. وعلينا أيضا أن لا ننسى أن الدكتور علاوي لم يغير رأيه في هذا الأمر ولم يتراجع عنه، ولو كنت مراقبا دقيقا، لكنت لاحظت تحركه أيام تشكيل الحكومة الحالية، حيث أن الدكتور كان قد حمل حقائبه على عجل وسافر للولايات المتحدة يستحثها على أمر واحد فقط، وهو إجبار الجعفري على عدم القيام بعملية تطهير لهذه الأجهزة من العناصر البعثية، وقد أخذت وزيرة الخارجية رايس تعهدا، قيل أنه خطيا، من الدكتور الجعفري بهذا الأمر حتى سهلوا له مسألة تشكيل الحكومة، ولم يزل علاوي يبشر بما بشر به منذ اليوم الأول لدخوله العراق، وهو إعادة تشكيل الجيش والقوات المسلحة.

 

في الواقع إن الدكتور علاوي يعتقد جازما أن ولاء هؤلاء الضباط سوف يتبدل مع مرور الوقت، لكن هذا الأمر مستحيل، لأن هذه العناصر حتى لو تبدل ولائها، فإنه سوف يبقى وفيا للبعث، أو أي حزب يحمل ثقافة وفكر البعث، وهو فكر ذو طابع شمولي لا يقبل بالشريك بأي حال من الأحوال، وسوف تسعى هذه العناصر للوصول إلى السلطة الكاملة بانقلاب عسكري إن عاجلا أم آجلا، لأن لا أحد يستطيع أو يوقفها عن هذا الهدف الذي لا ترى سواه في أفقها الضيق.

ربما نسيت أو تناسيت أن الفساد الإداري في زمن علاوي قد ساد أروقة الدولة، وليس باستطاعة أحد أن يحد منه في أمد منظور. وربما نسيت أن علاوي قد تبرع بكل الأموال العراقية في البنوك العربية لهم وذلك بتراخيه في المطالبة بها، وليس هذا وحسب، ربما مازلت تتذكر أنه درب بضعة جنود في الأردن مقابل مليار ونصف المليار دولار، وتبرع بمبلغ مليار ونصف المليار دولار أخرى للأردن كمشاريع بنية تحتية تبنى هناك، في حين أن العراق يغرق بمياهه الآسنة وبطون القوم خاوية يبيتون على الطوى.

أنا لا يهمني إن الرجل شيعي أو سني، من البصرة أو السليمانية، فما يهمني هو أنه لا يحمل مشرعا شمولي الطابع لينتهي بنا الأمر في حكم للحزب الواحد يوما ما، وإذا كان الدكتور علاوي لا يؤمن بالنظام الحزب الواحد ويؤمن بالوحدة الوطنية، فإن العناصر التي يعتمد عليها لا تؤمن بغير هذا النظام الشمولي، والذي يقصي الآخرين، وسوف يكون علاوي أول ضحاياهم يوم يتمكنون من السلطة بانقلاب عسكري، وأنت سوف تعود للمهجر بلا أمل، وهذا في أحسن الأحوال.

 

حمزة الجواهري 21 تشرين أول 2005

hjawahri@hotmail.com

* عن موقع صوت العراق