مع من نتصالح ومن ترى نسامح؟!

 

بعض الذين عملوا طوال الشهور القليلة الماضية, وبحماس منقطع النظير, كل ما في وسعهم, لضمان عودة المئات من كوادر العفالقة في المافيا الصدامية لمواقعهم في مختلف أجهزة الدولة, يحاولون هذه الأيام, إضفاء الشرعية على هذه الجريمة( إعادة كوادر المافيا الصدامية) وذلك من خلال الترويج لسالفة عفا الله عما سلف ..والمسامح كريم, بالترافق مع طرح ما يسمى بمشروع ( المصالحة) الوطنية...الخ هذه الأفلام !

لا أريد ولا يمكن أن أريد, أن تسود شريعة الغاب وروح الانتقام, أتمنى أن يغمض المرء عينه ثم يفتحها عن واقع مختلف جذريا, وخاصة في المناطق التي مازالت, تعد قلاع علنية للعفالقة, حتى بعد مرور اكثر من عام ونصف على سقوط رئيس العصابة صدام!

أتمنى لو أن رب العباد (ينزل)  مطر خاص, لتنظيف جميع العفالقة الأنجاس في العراق, من كل قذارتهم على الصعيد الفكري, ويطهر نفوسهم من الحقد والكراهية ضد الشعب العراقي! أتمنى أشياء كثيرة, ويمكن أكثر مما يتمناه, دعاة عفا الله عما سلف ...ولكن...ولكن, كل هذه الأماني والتمنيات والأحلام, كانت وستبقى, مجرد تعابير جميلة للغاية, عند تسطيرها على الورق, ولكنها للأسف الشديد, في اللحظة الراهنة, وعلى المدى المنظور من الزمن, مجرد كلمات وخريط, بدون معنى على أرض الواقع !     

كيف يمكن الحديث, مجرد الحديث عن المصالحة مع العفالقة, قبل المباشرة بالعمل، وحتى في إطار الحد الأدنى, لما يمكن أن يؤدي أو يساعد على تفتيت (مافيا العفالقة) وتشتيت قواها, بعد عزلها ومحاصرتها, لغاية رضوخ من يتبقى متمسكا بفكر هذه العصابة, للواقع الجديد, واقع التعددية وحق تبادل السلطة عبر صناديق الاقتراع, وفي عراق ديمقراطي اتحادي, يقوم في وجوده على احترام حقوق الإنسان

السؤال : هل يمكن بالفعل وحقا، ضمان ولادة الجديد من العراق الديمقراطي دون  القضاء نهائيا على المافيا العفلقية, وضمان عدم عودتها للتحكم من جديد بمصير العراق والعراقيين ؟!

هذا ما يجب مناقشته, وما يستحق بالفعل وعمليا الدراسة والبحث, من جميع المناهضين حقا للعفلقية الهمجية, خاصة وأن حلوين الجهامة من جماعة ماما أمريكا وزعاطيط  الانترنيت من ربع هلو بوبي, وجميع المناضلين الحوكّ في فيلق صدام الإعلامي أيام زمان, لا يعنيهم كثيرا التوقف عند هذا الموضوعة بالمناقشة, طالما أن سالفة المصالحة مع العفالقة,لا تتعارض مع حصولهم على المعلوم من المتقدم من المواقع....الخ, وبالتالي تراهم  لا يعرفون ما هو أكثر من ترديد سالفة تجربة المصالحة في جنوب أفريقيا, دون تقديم ولو توضيح صغيرون عما يدعوهم, لمثل هذه المقارنة الغبية مع تجربة المصالحة في دولة جنوب أفريقيا تحديدا, وليس ألمانيا بعد سقوط النازية, أو تراهم يعتبرون حشه كّدركم حزب البعث مو حزب فاشي؟!*

ولماذا الهروب وتقليد الآخرين أساسا, هل من الصعب علينا، أن نفكر وانطلاقا من الواقع العراقي أولا وعاشرا, وبحيث نتواصل للصيغة المناسبة عمليا للتعامل مع مافيا العفالقة,  دون تجاهل تجارب الشعوب الأخرى وخصوصا في ( ألمانيا, إيطاليا, اليابان) بعد القضاء على الفاشية والنازية, وليس فقط على ضوء  دراسة تجربة جنوب أفريقيا بعد القضاء على النظام العنصري؟!

وبتكثيف شديد للعبارة, مصير جميع المحاولات للتعامل مع مافيا العفالقة, سوف تنتهي حتما للذريع من الفشل, إذا جرى تجاوز  واقع التجربة المريرة للعراقيين من ضحايا نظام العفالقة الهمج, بكل ما جرى ارتكابه في ظل هذا النظام الفاشي من الجرائم التي من الصعب البحث عن ما يضاهيها من حيث بشاعاتها في المختلف من بقاع الأرض، وجرى تنفيذها من قبل  عصابة مافيا وبمنتهى الهمجية طوال أربعة عقود من الزمن.

بتقديري الخاص, أن من الغباء حقا, تجاهل حقائق الواقع وبعد ما يزيد على عام ونصف من سقوط صدام, وتحديدا التعامي عن أن عصابة العفالقة, مازالت تملك مقومات التحرك بالاعتماد على الذات داخل العراق, بالاستناد على نظام عمل مخابراتي + الأموال+ السلاح + قنوات الدعاية والتحريض, كما تملك مقومات الدعم على النطاق العربي وبشكل خاص من عفالقة الشام بالاستفادة القصوى من الحدود المشتركة بين هذه المنطق وسوريا، وبالاستناد على تخلف الوعي وسيادة الأفكار والقومجية والسلفية على نطاق واسع في أوساط الرأي العام العربي.

و....ذات الشيء يمكن  كما أن دولة العفالقة في الخارج, وخاصة في الدول الأوربية, لا تزال تملك المقومات والقدرة المطلوبة لمواصلة دعم العصابة العفلقية في الداخل, على الصعيد السياسي والدعائي وتجنيد الإرهابيين إضافة لضمان الدعم المالي بالاعتماد على الأموال المودعة في حسابات خاصة في البنوك الأجنبية, والتي يجري ومن سنوات توظيفها في مجالات مختلفة, ومن بينها المئات من شركات الاستيراد والتصدير, التي تساهم في زيادة رصيد العصابة من الأموال من جهة, وتساعد من جهة أخرى على التغطية على نشاطات عناصرها وتحركاتهم من جهة أخرى, ويكفي أن نشير على سبيل المثال إلى أن المرتزق شاكر الخفاجي عميد مرتزقة صدام في أمريكا, تحول وبعد سقوط النظام إلى العمل التجاري لتعزيز التعاون بين الشركات الأمريكية والعراقية على صعيد الاستيراد والتصدير, وليت الأمر فيما يتعلق بهذا المرتزق, يقتصر وحسب على التجارة, هناك ما هو أسوء ويتعلق بالعمل في أحد أخطر ميادين العمل الإعلامي في عراق ما بعد صدام حسين!!**

السؤال: لماذا إذن يجري تجاهل كل هذه الوقائع والمعطيات, والعبد لله لم يتوقف سوى عند خطوطها العامة وحسب, وبحيث يتصاعد ومن جديد الحديث عن المصالحة الوطنية, والتي كفيلكم رب العباد لا تعني ولا تستهدف سوى إضفاء الشرعية على عودة العفالقة الأنجاس لممارسة دورهم من جديد على الصعيد السياسي, وفي ظل اختلال خطير في توازن القوى وحيث لا يزال الطرف الأمريكي يلعب الدور الأساس على صعيد الوضع العراقي؟!

العراقي الذي عاش على حافة الحياة في ظل واحد من أبشع الأنظمة الدموية في العصر الحديث, بحاجة للسلام وللعيش مثل سائر البشر الأسوياء...يفرح ..يضحك أو يحزن ....أو حتى يموت وهو يعرف أن سيتم قبره, حتى لا أقول يعرف من سيحضر عزاءه من قريب الناس!

لا أحد يريد حرمان ولو عراقي واحد من فرح العيش بكرامة...لا أحد يريد وليس من حق أحد بالمطلق الدعوة لمصادرة حق الناس في التعبير عن أفكارهم أو ممارسة العمل السياسي ....الخ بديهيات حقوق الإنسان, ولكن ذلك لا يمكن بالمطلق وقطعا أن يشمل العفالقة الأنجاس, باعتبارهم ومنذ أن تحول حزبهم الفاشي في عام 1979 رسميا وعمليا لعصابة مافيا, ما عادوا ينتمون أساسا لعالم البشر!...و...من الغباء, منتهى الغباء, التصور أن ذلك يتعلق فقط , بكوادر هذه العصابة من وحوش الأجهزة العسكرية والمؤسسات القمعية المختلفة, وإنما سالفة أن ( العفلقي مو بشر)  حقيقة تشمل حتى كوادر العفالقة في ميدان العمل الثقافي, ومن يطالع كتابات وشتائم نجوم فيلق صدام الإعلامي, في الصحف وقناة الهجع والمجع  (الشرقية) والمواقع الصدامية...الخ ومستوى حقدهم ضد الذين امضوا العمر في النضال ضد نظام العفالقة الهمج, يدرك أن العفلقي وبعد 35 عاما من العمل في المافيا الصدامية, تحول فعلا إلى ( شيء) لا ينتمي لعالم البشر, سوى على صعيد الشكل والمظهر الخارجي, هذا على الرغم من أن شكولات البعض من هولاء العفالقة,  ممن شاهدت مصادفة وجوههم الكريهة في قناة صبيهم البزاز, تحولت لشيء ما, من الصعب توصيفه بالكالمات, وبصراحة تحولوا إلى (فد شي)  ما أدري شنو, ولكن (شي) يبعث على الشعور بالقرف والتقزز!***         

و....يا كل مناضلي الطبعة الأمريكية المحسنة من حزب العفالقة, ويا كل كوادر ماما أمريكا وجميع مناضلي  هلو بوبي أقول: العراقي الذي كان على الدوام في موقع الضحية، لم يناضل من أجل أن تغير صدام وأبو الثلج والجزراوي وجم واحد من زربان عصابة المافيا, وإنما من أجل تطهير العراق من رجس العفلقية, باعتبارها أساس الشر, كل الشر, لان العفلقية تعني الفاشية والشوفينية والطائفية , وبالتالي المطلوب قطع الطريق على عودة البعث العفلقي, وتجفيف مستنقع الفكر الفاشي الشوفيني الطائفي, مهما ارتدى العفالقة الأنجاس, من لبوس ومهما تفننوا في اختيار الأقنعة ومساحيق التجميل! ****

بالعراقي الفصيح: يا أولاد القحبة لا تلعبوا بمشاعر الناس ..وعواطفهم ....نحن جميعا نريد وطنا تسوده المحبة وشريعة الديمقراطية....لا أحد يريد المزيد من الموت والقتل...ولذلك .. وبالأساس, علينا أن نغلق كل الطرق, ونوصد جميع الأبواب, ونعمل كل ما نستطيع,  من أجل أن نمنع عودة العفالقة الأنجاس للتحكم من جديد بأسيادهم من العراقيين!

سمير سالم داود 6 أيلول 2004

 alhkeka@hotmail.com

* على ذكر جنوب أفريقيا, للعلم والاطلاع,تم مؤخرا اعتقال نجل مارغريت تاتشر بعد ثبوت تورطه بالعمل مع القوى العنصرية بهدف العودة وبالقوة إلى السلطة في دولة جنوب أفريقيا من جديد! كما أن حركة الفلاحين السود, للمطالبة باستعادة أراضيهم من المستوطنين البيض, باتت تتسع خلال الشهور الأخيرة وعلى نحو يد يؤدي إلى تفجر الصراع العرقي من جديد, نتيجة إدراكهم أن ما سمي بالمصالحة, كانت مجرد غطاء لبقاء المستوطنين البيض في موقع السيد عمليا على الصعيد الاقتصادي, رغم خسارة الكثير من نفوذهم السياسي, لحساب الأكثرية من أبناء جنوب أفريقيا!   

** للعلم نصيب هذا الدوني شاكر الخفاجي, من عقود بيع النفط من جوه العبايه, في إطار فضيحة كابونات النفط, تجاوز السبعة ملايين دولار ...و....بس ...يعني فقط لاغير! 

*** هذا يشمل حتى فرسان فيلق صدام لتمجيد الطاغية والترويج لثقافة الزيتوني والمسدس، ممن انتقلوا مثل القردة عشية أو بعد سقوط سيدهم السفاح، لمواصلة ذات العار من المهمة, مهمة تمجيد هذا أو ذاك من جديد ولاة الأمر, والترويج لمحاسن ومفاتن العصر الأمريكي!

**** أعيد التأكيد ومن جديد, أن من المهم للغاية, التمييز بين مواقف المجموعات الليبرالية العديدة, التي تمثل تيارا فكريا, بات يمارس تأثيرا متزايد في الوسط السياسي, وأن كان يتركز راهنا في الوسط الثقافي العراقي, وبشكل خاص بعد سقوط صدام, عن اللوبرليون من العفالقة, الذين لا يجدون حرجا, من المجاهرة علنا, بالولاء المطلق لماما أمريكا وبوشهم, وتماما على النحو, الذي كانوا يفعلونه أيام الولاء لتاج راسهم الزفر صدام,..و..الغريب أن لا أحد, من ممثلي الاتجاه الليبرالي في العراق, فكر بالتصدي ولغاية اليوم, ولو بحرف واحد, لعملية الإساءة والتشويه التي يتعرض لها الفكر الليبرالي, على يد من المزعطة من العفالقة اللوبراليون, ممن يتعمدون وبمنتهى النذالة الإساءة لمشاعر الناس الدينية, ولا يعرفون من تفاهة القول سوى ترديد:  الله يخللي بوش ويديم نعمة الاحتلال!

هامش جرى نشر هذا النص أول مرة أواخر عام 2003 ومن ثم تكرر نشره مع الهوامش في إطار الجديد من الدفاتر العتيكّة  في أيلول 2004