الصحاف .... ما بين الإعجاب والمغالاة في السخرية!!

 

 

بعد سقوط طاغية العراق, راح الكثير من نجوم القنوات الفضائية والعديد من الصحفيين والكتاب إضافة إلى جهابذة ( الجهاد فرض عين!) يتسابقون للسخرية من محمد سعيد الصحاف, بعد أن كانوا والى ما قبل التاسع من نيسان يواصلون وبخشوع الاستماع وترديد شتائمه السوقية كما لو كانت من المعلقات السبع!

هذه النقلة المفاجأة, والمثيرة للشفقة, ما بين الإعجاب الشديد والمغالاة اليوم في السخرية والتنافس على نشر نوادر الصحاف, تعكس بتقديري مدى تفاهة هولاء الصحفيين والكتاب, الذين ظلوا يتجاهلون وبصفاقة وعلى مدى سنوات طويلة من الزمن, معانات الشعب العراقي, ومن بينهم المئات من زملائهم من الصحفيين والمثقفين الذين تم إجبارهم على ترك الوطن بعد أن وضعهم نظام صدام أمام خيار واحد ومحدد : السجن والموت أو الاستسلام والرضوخ!

السطور التالية هي النص الحرفي(مع حذف فقط ما يشير إلى الاسم ومكان العمل) لرسالة وصلتني من زميل دراسة في الجامعة, عبر البريد اللاكتروني قبل اكثر من شهرين و.. نص تعقيبي قبل أسبوع واحد من تنفيذ الإدارة الأمريكية الأمنية الأخيرة لصدام: تدمير ما تبقى من طاقات وقدرات العراق وكل ما لم يسعفه الوقت من إنجازه طوال 35 عاما من تسلط عصابة البعث على مقدرات الشعب العراقي.

الهدف من نشر هذه السطور ( الرسالة والتعقيب) هو تسليط بعض الضوء على جانب من طبيعة ونمط تفكير الكثير ممن واصلوا العمل في أجهزة الدعاية الصدامية, وحاولوا بعد خروجهم من الوطن في أوساط التسعينيات, أيجاد الذرائع والمبررات التي دفعتهم لمواصلة العمل في ظل النظام ( وعلى النحو الذي بدأ يفعله اليوم أولئك الذين واصلوا العمل مع صدام حتى اللحظة الأخيرة!) بدلا من نقد الذات أو في الواقع, تطهير الذات من عفن العيش والعمل سنوات ...وسنوات طويلة في ظل واحد من بين أقذر أنظمة القمع والتخلف! وضمن السياق عرض تجربة شخصية مع بركات الصحاف تعود لعام 1974 بكل ما تنطوي عليه من دلالات حول طبيعة الأساليب القمعية التي كان ( نظام صدام) يعتمدها لفرض أفكاره المتخلفة على صعيد العمل الإعلامي ومنذ تلك الفترة المبكرة من تسلط عصابة البعث على الحكم في العراق.

 

*******

الأخ سمير... اعتذر للتأخير..والسبب لعنة الانفلونزة.....وكذلك نبأ وفاة والدي ..وانشغالي بمراسيم الفاتحة ..كل هذه كانت السبب في التأخير ..ولكني والحق أقول سررت كثيرا بالجواب الواضح والصريح والذي يعود بنا إلى أيام زمان وهذه اللغة الواضحة تفرض علينا إن نكون اكثر دقة في الجواب لقد قرأت الكلمات بإمعان وكما يقول الدكتور ..... هو هو سمير..واعتقد مفهوم ما نقصد….ربما أو نتفق كليا بشأن كبت الحكومة أو النظام على أنفاس الناس ولا أريد الخوض كثيرا هنا لأننا متفقين إلا إن الاختلاف ..وهنا أريد تثبيت وجهة نظري فاني أؤمن بالفكرة القائلة إن الجنين الذي ينمو خارج رحم الأم تكون ولادته مشوهه ..ولذلك فان هذه التجمعات التي تطلق على نفسها المعارضة وقد تشكلت في الخارج لا تشكل قناعة في الشارع العراقي ولا في عقل الكثيرين من العراقيين في الخارج ,,,والسبب أن العديد من هؤلاء معروفين بعدم النزاهة ولا يمتلكون التاريخ المشرف والغالبية كانوا من أدوات النظام …كيف بين ليلة وضحاها يتحولون إلى اشد أعداء النظام..هل لان مصالحهم تضررت أم ضربت..ثم أن الكثيرين لا يشرف للعراقيين أن يسمع به لا أن يمثله في شيء ولا نريد أن نذكر أسماء ..بعد ذلك نلاحظ هذه القائمة الطويلة العريضة من التشكيلات ..هل هذه التعددية …؟ عجائب أخر زمن ..التطاحن والصراعات المحتدمة هي عنوان كل تشكيل ..وكما يبدو أن كل فريق يريد أن يفوز بالمغانم ولم يظهر الحرص على أي منهم ..،سوى تلبية احتياجات سيده الذي تمتد يده إلى مائدته ويتفضل عليه بالفتات..الفتات..وهو خانع..؟ عجبا والنقطة الجوهرية أن هؤلاء يريدون اعتلاء كرسي الحكم أو يحلمون بذلك..من خلال استخدام أمريكا للقوة العسكرية..ماذا يتوقع هؤلاء ..هل أن أمريكا تلقي الورود على العراق والعراقيين ..وهل يصدق هؤلاء أن أمريكا إذا دخلت وبالطريقة التي يسمع بها العالم يمكن أن تسلم الحكم إلى هذه التجمعات المتقاتلة قبل اعتلاء العرش ..كيف الحال أعتقد أن هذا ،أو من يفكر بهذه الطريقة هو مجنون ..لتنظر نهاية هؤلاء انهم لعبة يستخدمون. .لأنه بالنهاية يرمون وهناك في فكر أمريكا أشياء أخرى..ومن ثم ما هذه التسميات العجيبة الغريبة ..نحن نسمع بأن كل تجمع لا يضم إلا أنفار..ومثلما شاهدنا أن اللقاء الأخير لا يضم إلا بعض التجمعات الأمر الذي خلق الحزازات الحادة فيما بين الملتقين وكذلك فيما بينهم وبين التكتلات الأخرى.. كيف إذا وصلت الأمور إلى استلام كرسي الحكم ..

هل يبقون ينادون انهم معارضة ..ويا ترى يعارضون من ..من جاءت به أمريكا..ولحظتها من أين تنطلق تلك المعارضة وما هو شكلها ولونها ولمن تنتمي ومن يغذيها ولا أقول يساندها ..أقول أن كل هؤلاء بعيدين كل البعد عن واقع العراق والعراقيين..ولا يعرفون كيف يعيش المواطن في العراق ..ولا يعرفون الظروف التي يمر بها طيلة هذه السنوات..فقد وصل به اليأس إلى حد صار لا يفرق بين الموت والحياة ..وأصحاب هذه التجمعات لا يدركون كيفية تفكيره ولا طبيعة حياته ولا معاناته ..والمواطن يدرك بأنه لا يوجد من يشعر به ..لان هذه التشكيلات ولدت في الخارج ويعرف العراقي بأن هؤلاء يفكرون بالعقلية الأمريكية ويتحدثون في المؤتمرات باللغة الإنكليزية وينفقون الأموال الأمريكية..أعتقد بأن الشيء أو العمل الصحيح هو أن يشعر العراقي بأن هناك من يفهم معاناته ويستوعب همومه ويستطيع أن يتفاعل معها ..أن يعرف كيف يعيش ..وكيف يقاتل ظروف الحياة والمعيشة وكيف يدبر قوت أطفاله ..

العراقي سأم من الشعارات وسأم من الكلام يريد شيء ملموس ..يريد أن تنبع الفكرة من واقعه ..ربما تقول وهل يمكن لصوت معارض أن يكون في بغداد ..ربما قبل أن يفكر أن يتنفس بشيء اسمه معارضة يمحق أو يخلل..؟ وهنا أقول أن من العسير على العراقي أن يصدق بسهولة ..ونتفق بأن أخلاق الناس قد أصبحت بأسوأ حال والسبب في ذلك لا نختلف عليه ..أن الحالة قد تبدو شائكة بعض الشيء ..ولكن قناعتي تبقى أن الحل لا يكون إلا من الداخل على الرغم من كل المصاعب التي تكون..ولا أعتقد بأن هناك من يرغب بأن يأتي الحاكم بقرار أو بإسناد من أمريكا ..من يكون هذا الحاكم وماذا يصنع وكيف يفكر بمصلحة العراقي .. أن الصوت الذي صار ينمو في أعماق الكثير من العراقيين أن العراق للعراقيين وضرورة الابتعاد عن العرب والعروبة والقومية والمصلحة القومية أن هذا النوع من الكلام ممجوج ويبعث على الغثيان وكذلك مجرد ذكر أمريكا هناك كراهية عنيفة لأمريكا ..ما يسكن قلب وتفكير العراقي ..الرغبة الجامحة العراق للعراقيين..لا نريد أن نطيل في الحديث أكثر ولكن وجدت نفسي بعد هذه الغيبة بأني جوعان للكلام ولتبادل الرأي مع الأخ سمير ..وأعتقد بأن كل ما قلت وجهات نظري وتنطلق من رؤيا لكيفية التعامل مع العراقي..الأخ .... سلاماتي والى نلتقي في رحاب تبادل الآراء والأفكار ومحبتي الأخوية ..أخوك أبو ....

*********

 عزيزي الدكتور ..... قبل الرد على ما جاء في سطور رسالتك حول المعارضة العراقية ( الجنين المشوه)! من الضروري التعقيب على ما جاء في ثنايا رسالتك السابقة حول (تمنياتك بعدم الزعل عند اطلاعي على ملاحظاتك ). وصدقني لم أستغرب هذه الملاحظة بحكم حقيقة أنك لم تغادر جمهورية الرعب الصدامية ( هل غادرتها حقا؟!) إلا منذ أعوام قليلة وبالتالي من الصعب أن تتصور أن ممارسة الحق في التعبير عن وجهات النظر تجاه جميع ما يمكن أن يخطر في الذهن من موضوعات وقضايا, يعد وفي جميع البلدان المتطورة حضاريا , من الممارسات المألوفة التي يكررها المرء في هذه البلدان كما لو أن المرء يشرب قدحا من الماء أو لخاطرك كما لو كان يشرب استكان جاي! وبالعراقي: الصداقة لاتعني ويجب أن لاتعني مصادرة حقك أو حقي في قول ما نعتقده صحيح من الآراء والأفكار طالما أن ذلك ينطلق من روح الحرص على الوصول إلى الحقائق وبعيدا عن الأحكام الجاهزة.

ودعني أتساءل : هل تعتقد أن ترديد بعض المقولات الجاهزة حول (عدم أدراك نبض الشارع العراقي) يكفي لتبرير شتم المعارضة التي ولدت في الخارج أو على حد ما جاء في سياق رسالتك وبالحرف الواحد (الجنين الذي ينمو خارج رحم الأم تكون ولادته مشوهه ..ولذلك فان هذه التجمعات التي تطلق على نفسها المعارضة وقد تشكلت في الخارج لا تشكل قناعة في الشارع العراقي ولا في عقل الكثيرين من العراقيين في الخارج)...وهو تكرار مهذب للدعايات الصدامية حول المرتدين ممن يعيشون على فتات الأجنبي ...الخ!

ما الذي يدعوك إذن وبعد مرور أكثر من ثلاثين عاما على محاولة تجديد التواصل مع الداعي لك بطول العمر على الرغم من كل ما تعرفه من نشاطي المعارض ومنذ تمكن عصابة البعث من اغتصاب السلطة ( العراق)؟! هل بلغ بك العمر عتيا بحيث لم تعد تذكر الأسباب التي أرغمتني على الهروب من الوطن عام 1970؟! وبالتأكيد تدرك ومن خلال موقع الحقيقة على شبكة الانترنيت أن سمير مازال ( هو...هو..) وفقا للملاحظة التي وردت في سياق رسالتك على لسان الصديق العزيز الدكتور......

ودعني أتساءل وبشكل محدد :ترى ما الذي حال بينك وبين التواصل معي منذ افتراقنا أواخر عام 1973 ولغاية انتقالي للعمل السري في أواخر عام 1978؟! أدرك تماما مدى حرصك والعديد من أصدقاءنا المشتركين على التواصل طوال تلك السنوات, ولكن الخشية من العواقب كانت تحول دون تحقيق هذا التواصل ,خاصة بعد فضيحة الصحاف في مطلع عام 1974 ( بعد خمسة شهور من الجبهة العتيدة!) يوم قرر فصل الصحفيين الشيوعيين ممن كانوا يعملون بالقطعة في مجلة الإذاعة والتلفزيون وذلك جراء إصرارهم على مواصلة الكتابة في طريق الشعب! وهي الفضيحة التي تناولها الشهيد شمران الياسري ( أبو كاطع) تحت عنوان ( الهافي والمتعافي)! للمزيد من التفاصيل يمكنك الاتصال بزهير الدجيلي وجاسم المطير ممن كانوا على صلة وثيقة بالصحاف يوم ذاك أو ببعض من شملتهم بركات الصحاف ( النظام) ومن بينهم الزميلة فاطمة المحسن وزهير الجزائري, فالح عبد الجبار, مخلص خليل , عدنان حسين والعديد من الزملاء الآخرين ممن لا تسعفني الذاكرة استعادة أسمائهم جميعا في هذه اللحظة, وللعلم وهذا ما قد تعرفه أو لا , بعد شهور قليلة على مقالة أبو كاطع تم إرغامه على ترك الوطن بعد تهديد أجهزة القمع الصدامية بتصفيته جسديا في حال إصراره على البقاء في العراق.

كنت أتصور أني نجوت من هذا المصير, لكوني موظف من جهة وحرصي من جهة أخرى على عدم تذيل كتاباتي في طريق الشعب بأسمى الصريح! ولكن بعد أقل من شهرين حدث ما هو أسوء, أقول أسوء, نظرا لان الزملاء الذين تم الاستغناء عن عملهم في مجلة الإذاعة والتلفزيون كان بمقدورهم الاختيار ما بين مواصلة العمل أو التفرغ للعمل في طريق الشعب , وهو ما لم يكن بمقدوري القيام به, حين قرر الصحاف في نيسان 1994 معاقبتي بسبب رفضي المساهمة بالعدد الخاص بذكرى ولادة الحزب القائد ومواصلة الكتابة في صحيفة أخرى ( طريق الشعب ) ! وهي العقوبة التي توزيعها على جميع لوحات الإعلان داخل مبنى الإذاعة والتلفزيون! ويمكنك تصور مدى الإحراج الذي كان يعانيه صديقنا العزيز...... وسائر الذين كنت ارتبط وإياهم بعلاقات اجتماعية وثيقة وعلى مدار سنوات طويلة, بعد أن أصبحت فجأة ودون أن أدري : شيوعي خطير! وليت الأمر انتهى عند هذا الحد! الصحاف رفض التراجع عن العقوبة رغم توصية اللجنة التي تم تشكيلها في نقابة الصحفيين وضمت في عضويتها فائق البطي و ضياء حسن , كما رفض الموافقة على طلب الاستقالة من الوظيفة, وتعرف بالتأكيد عقوبة الموظف الذي يترك وظيفته دون موافقة! لا بتسع المجال في هذه العجالة ذكر وقائع وتفاصيل كثيرة حول أسلوب ( العصا والجزرة!) الذي كان يعتمدها الصحاف (وبالتأكيد سواه من ازلام السلطة في الدوائر الإعلامية والثقافية) لجر الصحفيين (والمثقفين عموما) إلى مستنقع النظام ومن بينهم العديد ...العديد ممن يضعون اليوم مؤخراتهم ( عفوا أقصد مواهبهم!) تحت تصرف العم سام !

في أواسط عام 1975 وبعد طرد الصحاف من قبل صدام ( حل محله لطيف الدليمي!) تعرضت إلى محاولة اعتداء وداخل مبنى المجلة وأمام أنظار العديد من الزملاء وذلك بسبب مقالة حول الازدواجية على صعيد الموقف من حقوق المرأة, وتعرف بالتأكيد عقوبة الاعتداء على موظف أثناء أداء مهامه الرسمية, وتم تشكيل لجنة تحقيق برئاسة ضابط أمن الإذاعة والتلفزيون شخصيا, ولكن بدلا من التحقيق بحادثة الاعتداء, تم التحقيق معي عن أسباب رفضي المساهمة بالكتابة في العدد الخاص بذكرى ولادة الحزب القائد!!

صدق أو لا تصدق! وتم على أثر ذلك نقلي إلى وظيفة كاتب صادرة ووردة في فسم السينما التابع لمؤسسة المسرح! وحين ذهبت للمباشرة بعملي الجديد, تم إبلاغي حرفيا بضرورة الانتظار بضعة أيام ريثما يتم تحويل غرفة تواليت صغيرة إلى عرفة عمل, وهو ما حدث بالفعل! صدق أو لا تصدق! ولكن يمكنك تصور وضع الراحل أحمد فياض المفرجي الذي كان يعمل في قسم مجاور عند مجرد محاولتي الحديث معه حتى في إطار السلام عليكم بحكم العلاقة الوثيقة التي كانت تربطنا صدا قيا واجتماعيا ومنذ أعوام طويلة! وما زلت أتذكر بكل الاحتقار المرتزق مهدي على الراضي الذي كان يترصد حديثي, ولو بشكل عابر مع المرحوم المفرجي لممارسة أبشع أشكال المضايقة ضده, مستغلا وبمنتهى الدناءة ما كان معروفا عن هلع المفرجي وخوفه الشديد من السلطة! بالمناسبة هذا المرتزق السافل نقل خدماته قبل بضعة أعوام من صدام إلى أمريكا ومن يدري قد يكون في عداد الذين يجري تحضيرهم لقيادة العراق بعد أن قررت أمريكا أن الشعب العراقي بحاجة إلى مشاهدة فلم جديد بدلا من مواصلة عرض فلم صدام منذ اكثر من ثلاثة عقود من الزمن!

ونعود إلى فلم الداعي لك بطول العمر! بعد مرور شهور معدودة على حكاية التواليت والصادرة والواردة حدث ما هو أسوء بكثير! أعني بالطبع ما يتعلق بخشية الآخرين على صعيد التواصل معي وحرصي بالمقابل على عدم تعريض الآخرين إلى مشاكل ومضيقات في حل مبادرتي للاتصال معهم وبأي شكل من الأشكال!

في مطلع عام 1976 تم الحكم بالإعدام على خطيب شقيقتي الشهيد الملازم الأول عامر سلطان ( تم تنفيذ جريمة إعدامه مع ثلاثين شهيد في أيار 1978 في بداية الحملة الهمجية ضد الحزب الشيوعي العراقي) وذلك بتهمة العمل مع الحزب الشيوعي وهي كذبة حقيرة! السبب الحقيقي يرجع إلى مبادرة الشهيد بالاتصال بمكتب الحزب الشيوعي في آذار عام 1975 للإبلاغ عن محاولة دنيئة من قبل الاستخبارات العسكرية في مدينة كركوك ( مقر وحدة الشهيد) تفجير صالة سينما كان مقرر أن تكون موقع للاحتفال بإحدى المناسبات الوطنية واللقاء تبعات الحادث على التركمان بهدف تكرار الصرعات الدموية بين الأكراد والتركمان التي شهدتها المدينة في عام 1959 . ونتيجة هذه المبادرة الإنسانية الرائعة تم إفشال مخطط السلطة الإجرامي. وكان من السهل على دوائر الاستخبارات العسكرية ومن بينهم بالتأكيد المناضل الأمريكي السامرائي! اكتشاف مصدر تسريب خبر المحاولة الإجرامية حيث جرى اعتقال الشهيد وتعرض على مدى شهور عديد إلى ابشع أشكال التعذيب بهدف إرغامه على الادعاء بالعمل مع الحزب الشيوعي في حين ظل يواصل إصراره على أن ما قام به كان بدافع من حرصه على أرواح المئات من الناس الأبرياء. للعلم بعد إعدام الشهيد عي أيار 1978 جرى اعتقال خطيبته ( شقيقتي المقيمة خارج العراق) وتم إيداعها للشهور عديدة في سجن الفضيلة الخاص بالعاهرات!

هذه التفاصيل, هي في واقع الأمر مجرد أمثلة, ربما لا تستحق عناء التوقف عندها, بالمقارنة مع تجارب ومصائر مئات الألوف من أبناء العراق ممن تم إجبارهم يوم ذاك على مغادرة الوطن بعد أن وضعتهم قطعان صدام أمام خيار واحد ومحدد : السجن والموت أو الاستسلام والرضوخ!

كان من السهل يا دكتور ...... البقاء والحفاظ على الوظيفة والحصول على الشهادات وغير ذلك من الامتيازات والمكاسب ولكن ما قيمة كل ذلك حين يخسر الإنسان كرامته ويتحول إلى مجرد قرد يخشى حتى داخل منزله أن يردد كلمة السيد الرئيس بدون أن يقرن ذلك بتعويذة: حفظه الله!

أليس من الغريب أن الذين خدموا نظام صدام وكل حسب موقعه قبل الانتقال إلى الخارج واحد من أثنين : أما من أشد الداعين إلى الحرب الأمريكية أو المدافعين عن النظام والقاسم المشترك, هو الموقف المثير للقرف من المعارضة الوطنية!

مرتزقة صدام من جماعة أمريكا, يتهمون المعارضة بترك الساحة والهروب إلى الخارج, في حين أن جماعة النظام بما فيهم جماعة الدفاع عن الوطن( صدام) يتهمون المعارضة بالعيش على فتات الأجنبي...

لا يا سيدي العزيز: نحن لم نولد في الخارج, ولم نغادر الوطن لدوافع سياحية أو في إطار تبادل البعثات الدراسية! وبدلا من شتم المعارضة من خلال هذا الجمع التعسفي ما بين مرتزقة أمريكا والمعارضة الوطنية, التي تقاتل النظام منذ ما يزيد على العقدين من الزمن, بدلا من ذلك أدعوك إلى حمام عراقي لتطهير الذات من عفن العيش والعمل سنوات ...وسنوات طويلة في ظل واحد من بين أقذر أنظمة القمع والتخلف!

سمير سالم داود - آذار 2003