الكتابة بلغة النعال !


حين تعمدت زيادة شحنات السخرية في سياق تعليقاتي عن الشأن السياسي, سواء في مطبوع الحقيقة أو صحيفة المجرشة, كنت أنطلق, ليس فقط  من سلطان ملكة السخرية, التي تطبع أسلوبي في الكتابة ومنذ أن باشرت الكتابة, وإنما لقناعتي أن هناك حاجة ملحة أو موضوعية - والله ما أدري!- لقليل من (خفة الدم) في مواجهة, هذا الكم الهائل من الكتابات الجادة, وكل هذا القدر من العبوس الكتابي, حتى عند التوقف للكتابة, عن موضوعات تفطس من الضحك!

للأسف الشديد, هناك الكثير من الزملاء في الوسط الثقافي, لا يريد أن يصدق أن الإنسان أو بالأحرى ما تبقى من الإنسان العراقي, وبعد كل ما عاناه من القمع والحروب, في ظل نظام العفالقة الأنجاس, بحاجة ملحة هو الأخر, وبعد أن عاش على حافة الحياة, طوال 35 عاما إلى ( شوية فرح) من أجل أن يستعيد قدرته على الضحك والمرح, والتصنيف مثل سائر هولاء الذين يقال عنهم (البشر الأسوياء) , وخاصة بعد أن تحقق الحلم , حلم سقوط سفاح العراق, هذا الحلم الذي كان الكثير من العراقيين, فقدوا الأمل بتحققه عمليا, خلال ما تبقى لهم من رصيد العمر عند رب العباد!

عن هذه الموضوعة, موضوعة السخرية, كتبت من قبل مرات عديدة, ولا املك سوى تكرار ما كتبت من جديد, اليوم وفي المستقبل, إذا استدعى الأمر, للتأكيد على أن الكتابة عن الغلط بدون سخرية أو (بدون غضب, يعني أن نكتب بشكل ممل...أن نقبض على أحد ما بالجرم المشهود, وأن نفضحه فورا وأمام الجميع, فأن هذا لوحده فقط يؤثر أفضل من أي نداء أو بيان ) على حد تعبير العم لينين في مطلع القرن الماضي!

و........الواقع من حولنا زاخر ولله الحمد بكل ما يثير الهجاء والسخرية, ومع ذلك لا نجد أمامنا سوى هذا الركام الهائل من الكلمات التي ترتدي عباءة الجدية من خلال إقحام التحليل النظري ,المستعصي على الفهم في اكثر الأحيان في تناول الأمور والخلفيات الكامنة وراء ما يجري ,وما يتبع ذلك من استنتاجات, تتلوها على الأثر توقعات, تقود بدورها إلى خاتمة شاملة, تغطي جميع جوانب الموضوع الذي هو دائما وأبدا : جدي وهام للغاية....الخ...الخ.

لا اعتراض بالتأكيد على استخدام التحليل النظري, بل أن ذلك أكثر من مطلوب, عند تناول الأحداث مهما كانت تبدو بسيطة وهامشية للوهلة الأولى, ولكن بالمقابل هناك وقائع أشبعت تحليلا إلى حد التخمة, ولم يعد بالإمكان التعامل معها إلا عبر السخرية والسخرية بمرارة. المشكلة, جوهر المشكلة, أن البعض يخشى الكتابات التي لا تنسجم مع الوعي السائد من حيث المضمون والأسلوب, ويجد صعوبة في أدراك أن التبشير بالحقيقة, ما يعتقده المرء حقيقة, لا يمكن أن يتوافق أو ينطلق من نزعة إرضاء الجميع, لان ذلك عمليا يؤدي إلى تجريد فعل الكتابة من روح الرفض والهجاء, وتحويلها بالتالي إلى مجرد كلمات سرعان ما تتبدد, في الهواء مثل الفقاعات!

كنت ولا أزال على قناعة راسخة, بأن السخرية سلاح فعال لمواجهة الغلط بكل أشكاله وتلاوينه, واستخدام هذه السلاح ( السخرية) يكتسب أهمية استثنائية اليوم, لمواجهة كل هذا السعار المحموم, وكل هذا القدر من الحقد لحثالات البعثلوطية وقنوات عهرهم الفضائية, ليس فقط في ميدان التحريض على الإرهاب والقتل في العراق, وإنما لوضع العقبات والعراقيل, أمام قيام عراق ديمقراطي اتحادي بلا عفالقة ولا احتلال.

و..........كل ما تقدم, كان الأساس والمنطلق, في المباشرة, باعتماد الكتابة بلغة النعال, بعد أن جرى عمليا, تدشين هذا الأسلوب المتميز في التعبير, يوم أنهال أبو تحسين بالنعال على صورة السفاح, مردد وبتكثيف مذهل, ما جسد ليس فقط وجع العراقي, طوال حكم العفالقة الأنجاس, وإنما مستوى وحجم حقد وكراهية العراقيين, لنظام القمع والحروب, نظام العفن الفاشي والشوفيني والطائفي, وبالتالي كان من المطلوب, أو بالأحرى من الضروري, الارتقاء بفعل الكتابة عن الوضع السياسي في عراق ما بعد صدام, بشكل يضمن ترجمة وتحويل هذا الفعل التاريخي, والذي تجسد في نعال هذا العراقي النبيل أبو تحسين, إلى ميدان اللغة وأسلوب الكتابة, وبشكل يجسد عمليا, أو على الأقل يسعى إلى تجسيد هذا الفعل التاريخي بالكلمات!

الكتابة بلغة النعال! ذلك ما نسعى إلى إنجازه على مستوى فعل الكتابة في هذا الموقع, وربما سنوفق في مسعانا أحينا, وقد يحدث العكس, ونقع في خطأ المبالغة في أحيان أخرى, وكل ذلك, قدر كل سباحة في بحور الجديد! وحيث ستظل الكتابة بلغة النعال, تحتاج بالتأكيد إلى بعض الوقت, قبل أن تؤكد وجودها في مواجهة الكتابة بلغة النص نص , التي يعتمدها أصحاب أنصاف المواقف, منذ ظهور الكتابة المسمارية قبل أكثر خمسة آلاف سنة, ويواصلها لغاية اليوم, أصحاب الماضي المعطوب عفلقيا, ممن لا يعرفون غير إثارة كل أشكال الارتباك في ذهن المتلقي, من خلال تعمدهم خلط الأوراق بين المتضاد جذريا من المواقف, هروبا من تحديد مواقفهم, فيما يكتبون وخصوصا عن حثالات البعثلوطية ومستنقعاتهم على شبكة الانترنيت , أو حتى الحرص على دوام علاقات الود مع هولاء الحثالات, على أساس كونهم, صنف من البشر, وليس ذلك وحسب, وإنما بشر وعندهم مثل الناس وجهات نظر !!

البعض الذي لا يفهم ولا يريد أن يفهم, أو بالأحرى لا يملك من الوعي ما يكفي لان يفهم , ماذا يعني الكتابة بلغة النعال, هذه اللغة الجديدة في الصحافة, التي ليست مجرد ( إقحام كلمات حادة ومو مؤدية وغير مألوفة ...الخ) كما يتصور العديد من الزملاء, وإنما أسلوب مختلف من الكتابة, ومحاولة لاتزال في طور البداية, للارتقاء بالكتابة الساخرة, وبحيث تجسد الفعل التاريخي لنعال أبو تحسين عبر الكلمات, وتلك مهمة صعبة للغاية ومو شلون ما جان, ولا يجيدها من هب ودب من زعاطيط الانترنيت, ممن باتوا يتصورن أن مجرد إقحام ( الفشار ) وبشكل مثير للاشمئزاز بين سطورهم, كفيل بأن يشار أسماءهم بالنعال, أقصد بالبنان!

بالعراقي الفصيح: الكتابة إذن بلغة النعال, ليست مجرد, محاولة لتأسيس شكل جديد من التعبير وحسب, وإنما محاولة لاتزال في طور المغامرة, من أجل الارتقاء بالكتابة وبحيث تحاكي على صعيد الكلمات, مستوى الفعل الذي جسده نعال أبو تحسين, هذا الرجل الذي عبر وهو ينهال بنعاله على وجه الطاغية, عن ضمير شعب العراق, عن محنة شعب العراق. عن الإنسان العراقي الذي كان ذات يوم, صانعا لمجد الحضارة, يوم كان العالم يغط في بحور العتمة والظلام , الإنسان العراقي الذي يريد أن يكون, وسيكون كما كان ,مهما تكالبت عليه جحافل الشر والسفلة الساعين نحو العذارى والغلمان في فردوس الرب, سعي القرضاوي وشيوخ العربان إلى مهاجع الحريم وبيوت الدعارة والمواخير في لندن وباريس....!

سمير سالم داود