هل كان فالح حسون الدراجي بعثياً؟ - مكي الربيعي

 

لقد إعتدنا على التنظير، والمبالغة،وقلب الحقائق والأدعاء بإشياء لانمتلكها، مثلما إعتدنا على إبتكار الشتائم، والنعوت، وخلع صفة التخوين على من نختلف معهم في الرأي، بل يمضي بنا الغي نحو تسقيط الآخر أخلاقيا، وإجتماعيا، وثفافيا، وقد يذهب بنا العمى الى أبعد من ذلك الى إلغاء الآخر كليا، دون أن نخجل من أنفسنا أو من التأريخ، أضف الى ذلك ولادة ظاهرة البطل والسيد، والتحرير في الكتابة، فيقوم هذا النحرير بتوزيع أوسمة الوطنية على من يقربهم مزاجه فيما يقوم بوضع الآخرين الذين يريدون أن يقوموا إعوجاجه في خانة الخونة.

لقد وصل الامر بأحدهم أن يطلب من الآخرين أن لايتكلموا معه بإعتبار أنهم لم يصلوا لمستواه الثقافي بعد، في حين أن مستواه الثقافي الذي يدعيه لايتجاوز في أحسن الاحوال معلومات طالب إبتدائية، فأية أمية وأي جهل وصلنا إليه؟.

أعترف أنني نهم في قراءة كل ماينشر في المواقع العراقية سواء كان غثا أو سمينا، وبمفارقة بسيطة أرى أن هواة الكتابة هم أكثر من غيرهم (تصوالا وتجوالا) في تلك المواقع، فيما ينأي الكاتب الحقيقي والمتمرس عن خوض التجربة لكي لايتلوث برذاذ النباح الذي يوزعه ذلك النحرير أو هذا المتوهم.

قلت في مراتٍ سابقاتٍ، تقع على مشرفي المواقع واجبات أخلاقية تفرضها مهنة الصحافة عليهم، وهي بالتأكيد ليست إنتقائية، بل هي جزء لايتجزأ من حرفة المهنة، ويعني الإلتزام بها منع عبور أية شائبة يحاول أن يمررها أي كان من الكتاب، سواء كان كاتبا محترفا أوهاو.

من نكد المواقع على الكاتب أن يرى، وهو يطالع ماتنشره، وخاصة تلك التي تريد أن، تمنح فسحة من حرية الرأي للقاريء أو المتابع ، لكي تُشركه في عملية الإنتاج الثقافية، وتعيد تأهيله من جديد بعد التغييب الطويل الذي مارسه النظام المقبور إتجاهه، ليدلو بدلوه أو يعرض وجهة نظره أو ملاحظته على ما حملته مقالة الكاتب اليه، يرى أن هذا المتابع أو القارئ، وبدل مايقوم بأستغلال هذه الفسحة إستغلالا معرفيا، يذهب الى التعريض بالكاتب، وحتى شتمه في بعض الاحيان، فمثلا في إحدى المرات التي حصلت معي إن إحدى (الملايات) من اللواتي مازال صدى (هوساتها عن صدام حسين) يملأ قاعات إتحاد نساء العراق قامت بالتعرض لي ومخاطبتي بكلام أقل مايقال عنه كلام لايليق بأمرأة، متناسية هذه (الملاية) إنني إستطعت وبسهولة الوصول إليها رغم محاولاتها التخفي وراء أسماء مستعارة.

هل أقوم بنشر ماضيها المليء بكل ماهو (....) مثلا على مواقع الانترنت، فأن فعلت هذا فذلك يعني أنني إتخذت من تلك (الملاية) قرينة لي، وهذا مالا أرتضيه لنفسي، هذا غيض من فيض والامثلة على ذلك كثيرة.

قد يعتقد البعض ممن يقرأ هذه المقالة إنني أحاول أن أُبَرأ أو أدفع التهمة عن أحد، رغم أن ذلك ليس عيبا ولا نقطة إنعطاف تؤشر إنحراف الكاتب أو إنحيازه، وإنما أرجو على القارئ بشكل عام والكُتاب الذين أحترم كتاباتهم بشكل خاص أن يتحلوا وهم يقرأون مقالتي هذه بالصبر لكي أستطيع وإياهم الوصول الى جوهر الموضوع.

قلت: أنا أقرأ كل ماينشر في الانترنت، وبشكل خاص ماينشر في البرلمان العراقي، وإيلاف، وبحزاني، والبيت العراقي، وباقي المواقع العراقية الاخرى على مختلف توجهاتها ومشاربها، فأجد العجب العجاب، فمثلا: يتحدث أحدهم في مقالة، وهذا الأحدهم، قد يكونون بالعشرات وليس أحدا بعينه، عن إحدى الشخصيات العراقية، فيبدأ بسرد سيرته وحياته، وتنقله بين المواقع الوظيفية التي كان يشغلها، بشكل غير دقيق، وغير موثق، ومجتزأ، وقد يكون منقولا عن كلام الآخرين، حتى يصبح ماتتناقله المواقع حقيقة راسخة لاتقبل الإدحاض، ألا يعني هذا تزوير للتأريخ سواء كان هذا التزوير بشكل مقصود أو ناتج عن جهل؟.

في عهد النظام المباد كانت تصدر صحف معدودة، وهي الثورة، والجمهورية، والتآخي (والتي أصبحت فيما بعد صحيفة العراق) وطريق الشعب لاحقا، ومطبوعات إخرى متفرقة، فالجيش يصدر جريدة اليرموك (والتي تحولت هي الاخرى الى جريدة القادسية) ووزارة الشباب تصدر جريدة الرياضي، ثم بعد ذلك ظهرت مطبوعات أُخرى، مثل الشعلة الرياضية، والبعث الرياضي، وجريدة بابل، والمستقبل، ونبض الشباب، وصحف أُخرى تظهر وتختفي، إضافة إلى عدد قليل من المجلات، وجميع هذه المطبوعات ترتبط إرتباطا مباشرا بالحكومة وسياسة البعث، بل أضيف معلومة لمن لايعرف إنه في كل جريدة كان هناك ضابطا للمخابرات وآخر للأمن وهؤلاء جميعهم يعملون في الصحافة بصفة محرر، فيما مهمتهم الحقيقية تنحصر في مراقبة أداء الصحفيين ورفع التقارير عمن يشكون بعدم ولاءه للدولة، ناهيك عن الأجهزة الأمنية غير المعلن عن وجودها رسميا، والتي تقوم هي الأخرى برصد كل ماينشر في الصحافة وما يذاع من الإذاعة.

في إطار هذه الدائرة المرصودة والضيقة كان يعمل الصحفي العراقي، ولهذا ليس أمامه سوى خيارات أحلاها مر، فأما أن يجلس في بيته أو المضي في العمل أو الهروب خارج العراق وجميع هذه الخيارات تعرض حياة الكاتب وعائلته لمواجهة مستقبل مظلم.

لقد أطبق النظام الشمولي، على كل شيء وساهمة قوى أخرى مثل الحزب الشيوعي العراقي من تمكينه على إطباق خناقه على ماتبقى للعراقيين من فسحة، عندما أسقط هذا الحزب أعضاءه في ورطة مشاركة النظام المقبور في كل شيء مشين، إبتداءً من تصريح عزيز الحاج من على شاشة تلفزيون العراق والذي أعلن فيه (بأنه توصل إلى حقيقة مفادها أن حزب البعث أكثر تفهما للإشتراكية والماركسية من الحزب الشيوعي)، وليس إنتهاء بمقالات عامر عبد الله التي كان ينشرها في جريدة الثورة، ومن بعدها في طريق الشعب، ومقالات عزيز محمد التي كان ينشرها في جريدة التآخي، أضف لذلك مقالات بيتر يوسف، وعزيز سباهي، وعزيز السيد جاسم، ومن بعدها مقالات يوسف الصائغ، وكتاب شيوعيين مهمين آخرين، وكل تلك المقالات كانت تصب باتجاه ترسيخ القناعة لدى الخلايا الشيوعية بأهمية ربط مصير الحزب الشيوعي بمصير حزب البعث، ناهيك عن التعليمات الداخلية التي كان يروجها الكادر المتقدم للحزب الشيوعي، والتي تؤكد على تقوية ودعم جبهة (الشاب الديقراطي / حسب توصيف الحزب الشيوعي / لصدام بإعتباره يمثل اليسار وتقويض جبهة البكر بإعتبارها تمثل اليمين) كل هذه الخلطة الغريبة خلقت إرباكا حقيقيا لدى الكُتاب الشيوعيين حين ذاك،، وحتى أولئك الذين هربوا خارج العراق بعد إنفراط الجبهة يتحملون المسوؤلية الكبرى في إنحراف الكلمة عن جادتها، باستثناء القلة القليلة التي ترفعت عن الانجرار وراء هذا الهيجان، وحتى هؤلاء لم يخلصوا من رفاقهم المنضوين تحت جبهة البعث، حيث قاموا أولائك الرفاق باسقاطهم إجتماعيا في عمليات تشهير يترفع عنها حتى أولاد الشوارع.

إذن مامن احد بريء من دم العراق!!!

ناهيك عن إستبعاث صدام للعراق أرضا وشعبا وهواء وماء، وذلك بعد إنفراط مايسمى بالجبهة.

الذين يتحدثون الآن عن بطولاتهم التي كانوا يؤسسون لها لما كانوا داخل العراق كثيرون جدا، ولكن في حقيقة الامر كم واحد من هؤلاء الاشخاص صادقا في إدعاءه هذا؟ إنك لاتمسك حقا غير نفر قليل يكاد لايعد على أصابع اليد الواحدة، مستثنيا من قولي هذا حزب الدعوة صاحب المواقف البطولية المشرفة.

أريد أن أُذكِر الجميع، سواء من هم نسوا التأريخ، أم من هم يتناسونه عمدا، في الوقت الذي كان فيه يقف خلف صدام، قا دة دول كبرى، ويتملقهُ ملوك وزعماء وأمراء، كان الكاتب العراقي يواجه قدره المفروض عليه فرضا بالصبر والجلد، وهو لايمتلك غير قلمه، وعائلة تنيخ الظهر لم ير من قبل أحد وقف الى جانبه أو مد إليه يده ليتكيء عليها، لماذا الآن وبالذات تقاد هذه الهجمة الشرسة ضده، وكأن هذه الحملة إمتداداً لتلك الحملة التشويهية التي قادها البعثيون والشيوعيون ضد رفاقهم الذين يختلفون معهم في الرأي.

والآن وبعد هذا العرض كله أعود لعنوان مقالتي، هل فالح حسون الدراجي كان بعثيا، الجواب لا لم يكن الرجل في يوم من الأيام بعثياً، بل كان البعثيون يمقتونه وكذلك بعض رفاقه الشيوعيين بسبب إختلافه معهم في الرأي، أقول هذا وليشهد الله على ما أقول.

ولكن لي ملاحظة مهمة أضعها أمام صديقي القديم أبو حسون أن يترفع عن الشتائم، وأن يعود إلى إسلوبه القديم والى حرفته الصحفية، لأن بعض الشتائم تمنح المشتوم قيمة.

 

6- 12-2006

الزميل العزيز الأستاذ مكي الربيعي

تحية طيبة

هكذا تثبت يا أبا عراق أنك مكي الربيعي نفسه، مكي الشجاع، الشهم، والأنسان الحقيقي، مكي الذي أعرفه تماماً، لايجامل، ولايحابي حتى على حساب حياته، انا فرح وسعيد يامكي، ليس لأنك قلت الحق بشأني، وهي مسؤولية أخلاقية وتأريخية لايمكن لأي شريف أن يتراجع عنها، بل لأني لم أخسرك، والقيم الرجولية لن تخسرك أيضاً، لقد كنت أضع يدي على قلبي - رغم معرفتي بك - خشية أن تتغلب عليك نزعة الزعل، وخشيت أن تتفوق أيضاً أرتباكة القطيعة التي حصلت للأسف بيننا في الفترة الأخيرة، فتقول رأياً مخالفاً للحق، والعدل، فتندم أسفاً ونندم نحن لندمك وأسفك، لكني كنت واثقاً منك، قلت الحق يامكي، فربحتني، وربحت كل جبهة الحق، وقبل ذلك ربحت نفسك، بخاصة وأن حبل الكذب هذه الأيام طويل، هو أطول من عذاباتنا الجنوبية الكثيرة، فبارك الله بك وببطن حملتك، ودمت

فالح الدراجي