الى انظار نقابة الصحفيين العراقيين

لكي لا تعلق ذكرياتنا الى جوار الملابس المبللة على حبال بناية جريدة الجمهورية

 

 وأنا أفتح صفحة ( كتابات ) أمس الأول صدمتني صورة الغلاف والتعليق المستفز (بناية صحيفة الجمهورية العراقية بين زمنين !) وعندما قرأت مقال الزميلة نرمين المفتي ( الجمهورية التي كانت ) زاد شعوري بالصدمة !!

وزاد استفزازي فاستفززت ذاكرتي ...لاستحضر مكان هذه البناية في دهاليزها ...فاندلقت منها الكثير من الوجوه والاسماء والافعال ...

بالرغم من انني عملت في أماكن عديدة الا ان لهذه البناية العتيقة الواقعة قرب الجسر الحديدي في الباب المعظم زاوية خاصة في قلبي فقد كان لي بها أول لقاء مع الصحافة اليومية , ولي بها ذكريات لايمكن ان تمحى مع أصدقائي الصحفيين والادباء الذين كانت بنايتها تزدحم بهم يوم كانت جريدة ( الجمهورية ) تمثل تجمعا لنخبة رائعة من الادباء والمثقفين العراقيين أمثال :رياض قاسم  ومحمد شاكر السبع وصباح ناهي وماجد السامرائي وجواد الحطاب وعدنان الصائغ وامل الجبوري وفضل خلف جبر ودنيا ميخائيل وعبدالامير جرص واحمد الشيخ ووسام هاشم  وابتسام عبدالله  وسلام الشماع وسامي الزبيدي وفردوس  العبادي ومريم السناطي ولطفي الخياط ونرمين المفتي ومحمد حياوي وعادل الهاشمي ووارد بدر السالم ونصير النهر وجهاد زاير وحسن عبدالحميد وزهير العامري وصباح اللامي ولؤي مجيد ومجيد السامرائي ونازك الاعرجي وكرم نعمة واياد البكري وهدية حسين وعالية طالب وعبدالزهرة زكي  ومعد فياض وهدى جاسم ونيران حميد ومحمود الريفي وخضر الولي وفاطمة سلومي  ولهيب عبدالخالق وفؤاد شاكروسعد جاسم الزبيدي وقاسم المالكي وعلي رضا وقاسم ولي وطاهر مسلم  وعشرات الاسماء من اجيال مختلفة عندما كان الشاعر سامي مهدي يراس تحريرها ومن بعده الاستاذ سعد البزاز والاستاذ امير الحلو  وكان فرات الجواهري يتردد على الجريدة لتسليمنا زاويته الاسبوعية وكذلك يفعل الدكتور حسين علي محفوظ وعبدالقادر البراك وصادق الازدي ومدني صالح وفاضل ثامر وياسين النصير وخالد علي مصطفى والدكتور حاتم الصكر وحميد المطبعي وعبدالرحمن طهمازي والدكتور عبدالاله الصائغ وراضي مهدي السعيد ومحمد الجزائري وعبدالستارناصر ووداد الجوراني   ومقداد عبدالرضا وعزيز خيون وجواد الشكرجي والدكتور صلاح القصب والدكتور عبدالله ابراهيم وغازي العبادي واحمد خلف واديب كمال الدين وعبدالمطلب محمود وجان دمو وحسن النواب وسعد جاسم وخزعل الماجدي ونصيف الناصري وستار كاووش

كانت اصوات المطربين تتسلل من غرفة الناقد الموسيقي عادل الهاشمي في الطابق الرابع حيث تمتليء بضيوفه من المطربين المعروفين أمثال : فاضل عواد وكاظم الساهر ومهند محسن ورضا علي ورضا الخياط وحسين الاعظمي وجواد محسن ...وكانت غرفة نازك الاعرجي محط انظار المسرحيين  ونسمع عن بعد أصوات المناقشات الحامية للادباء في غرفة محمد شاكر السبع

لم يكن مقر جريدة كانت عالما متكاملا من الفن والادب والجمال والحياة كان ملتقى ثقافيا  للادباء والفنانين والعاملين في جريدتي ( الجمهورية ) و ( بغداد اوبزرفر ) التي تصدر باللغة الانجليزية

ذكرياتي في تلك البناية التي تحولت الى سكن مجاني شعبي ,كثيرة  صارت تعلق الى جانب الملابس المبللة لسكان هذه البناية على حبال الغسيل !!!

تلك الذكريات تعود الى اواخر السبعينيات  عندما   دعاني الشاعر والصحفي المخضرم نصير النهر لزيارة الجريدة مع صديق لي سرقته الحرب  عام 1988هو الشاعر صباح احمد حمادي  لعرض نصوصنا عليه ونشرها في باب  كان يحرره وهناك اصغينا الى ملاحظاته فيما نكتب ثم ادخلني اليها صحفيا  الصديق الدكتور صباح ناهي وكنت ماازال طالبا في كلية الاداب بجامعة بغداد حيث كان ينشر لي مقالات  في زاوية  الصفحة الاخيرة تحمل اسم ( نافذة )  ثم بدأ ينشر لي تحقيقات وحوارات فعرفت الطريق اليها ثم عملت بها عام 1991

سهرنا كثيرا في هذه البناية  وكنا نمضي الساعات الطوال بانتظار تغيير (شرح صورة ) من كلمتين  في اجهزة قديمة تحتاج طباعة اي شيء مهما كان صغيرا ولو من كلمة واحدة  الى ساعة  حتى  تصل الى التنفيذ !!حيث تلصق بالصمغ بحركة رشيقة من شفرة المنفذ الحادة  الان الوضع اختلف في الصحافة مع دخول الاجهزة الحديثة فالامر صار لا يستغرق سوى بضع ثوان !!!

وكذلك اختلف مع تلك البناية !!! التي اصبحت اطلالا اختفى الارشيف!! واختفت المكتبة !! والمكاتب !! والذكريات !!

لقد كنت اسمع كثيرا عما جرى لهذه البناية التي تمثل مدرسة صحفية عراقية لكنني لم اصدق حتى فاجاتني الصديقة نرمين المفتي بالواقع المرالذي وصلت اليه البناية !!

ان  من واجب نقابة الصحفيين -التي  مازلنا اعضاء بها ومنذ عام 1981 - ان تحافظ  على معالم هذه المدرسة الصحفية العريقة انها مسؤوليتها  لتكن مقرا يليق بتاريخها وبدورها في الثقافة العراقية  كما انه ليس من حق احد الاستهانة بذكرياتنا بهذا الشكل  فبكل مافي القلب من غصة اقول : اننا لم ندون ذكرياتنا في الزوايا والاماكن لتعصف بها ايادي الخراب !!

وماالذي يتبقى من الوطن ان جرى الاجهاز على مثل هذه التفاصيل الحميمة ؟

عبدالرزاق الربيعي - 21  آيــار 2006

هامش : أعلاه النص الحرفي لما كتب الربيعي على صفحات مستنقع العفالقة ( كتابات) في معرض العويل والبكاء على أطلال ( جمهوريته), وتعمدت التشديد باللون الاحمر, على الوارد في السياق من التواريخ, للتأكيد على أن هذا الافندي, إنما يرثي ( الجمهورية) بعد أن تحولت إلى مرحاض, لتمجيد الطاغية وإشاعة ثقافة الزيتوني والمسدس!