عن التقسيم والحرب الطائفية والكذاب لقلق زاده !!

القسم الأول

 

سمير سالم داود, كاتب وصحفي من العراق, * عمل منذ ما يقرب الأربعين عاما, من أجل إقامة الديمقراطية في العراق, وبسبب نشاطه السياسي, هرب من وطنه, وكان لا يزال في الثالثة والعشرين من العمر, للمرة الأولى في عام 1970, وعاد وبعد أقل من عشرة أعوام,  ليهرب من جديد, حيث ظل يواصل نشاطه السياسي, وعمله الصحفي, ضد الدكتاتورية في العراق, وبعد سقوط صدام في نيسان عام 1991, كان يحلم مثل كل المناهضين للدكتاتورية, بالعودة إلى وطنه, للمشاركة في العمل من أجل قيام نظام ديمقراطي فيدرالي, ولكنه اليوم بات يدعو إلى تقسيم العراق .....لماذا؟

ينبغي في البداية التوضيح, أن لا أحد اليوم, وبين جميع القوى المشاركة في العملية السياسية, يدعو علنا إلى تقسيم العراق, وحتى على مستوى مشاعر الناس, سواء في مناطق الأكثرية في الوسط والجنوب, والأقلية في الغرب, لا يوجد هناك الكثير, ورغم جميع الظروف الصعبة والقاسية للغاية, ممن يتمنون حدوث هذا الأمر, ولكن هناك بالمقابل, صراع بدأ يتبلور تدريجيا, وسوف يتصاعد بتقديري, ما بين اتجاهين, الأول يرفض التقسيم بالمطلق, ويريد الحفاظ على ما يسمى وحدة العراق, مهما كان الثمن, ولكن لدوافع تتناقض جوهريا, بين من يعملون ضمن هذه الوجهة في مناطق الأقلية, عن أولئك الذين يرفضون التقسيم, في مناطق الأكثرية في الوسط والجنوب, في حين أن من يساندون الاتجاه الثاني, الداعي للتقسيم, ينطلقون من حقيقة, أن العراق بات مقسم عمليا, حتى قبل سقوط صدام, وما حدث  طوال السنوات الثلاث الماضية, عمق تماما حالة الانقسام, جغرافيا وعلى صعيد النفوس, وعلى نحو خطير للغاية, وبالتالي ليس المطلوب مواصلة, لعبة إحلال التمنيات بديلا عن الواقع, وإنما إضفاء طابع رسمي, على ما هو قائم بالفعل, على أرض الواقع, وذلك من خلال إقامة ثلاث كيانات مستقلة, ترتبط مع بعضها بعلاقة اتحاد كونفدرالي,في الوسط والجنوب, كما في الغرب من العراق**, إلى جانب الكيان القائم بالفعل, منذ عام 1992 في إقليم كوردستان. 

ولكن وباعتبارك تؤيد الاتجاه الداعي للتقسيم يظل السؤال: لماذا؟!

لان ذلك باعتقادي هو الحل المتاح والأفضل, عمليا اليوم, لتفادي أولا خطر اشتعال الحرب الطائفية على نطاق واسع, بحكم أن هذه الحرب القذرة , تدور بالفعل منذ سقوط صدام, في مناطق عديدة من وادي الرافدين, وخصوصا من حول ضواحي بغداد, ولقطع الطريق ثانيا,   إعادة إنتاج الدكتاتورية من جديد, وأن كان بشكل يختلف, من حيث المظهر العام عن دكتاتورية صدام, لفرض عودة السلطة المركزية بالقوة, وبالشكل الذي تريده الأقلية في الغرب من العراق, وتعارضه الأكثرية في الوسط والجنوب وأقليم كوردستان.

الهروب من مواجهة واقع التقسيم, والعيش في وهم وجود وطن مشترك موحد, خلافا للسائد وبقوة على الأرض, سوف يؤدي بتقديري, إلى تعميق حدة التباعد والانقسام, وتصاعد مشاعر الكراهية بين الأكثرية والأقلية, وصولا للسقوط في مستنقع الحرب الطائفية, وعلى نحو أخطر وأبشع بكثير جدا, مما حدث في البلقان (قلب أوربا) قبل عقد من الزمن.

كما أن هذا الهروب, من مواجهة واقع وحقيقة التقسيم, السائد بالفعل على الأرض, سوف يؤدي عمليا, إلى تعطيل حتى الإمكانية الواقعية, والتي لا تزال قائمة بتقديري, في البحث رغم كل ما حدث,  عن القواسم المشتركة, بين سكان الكيانات الثلاث, وهي قواسم  أكثر من كثيرة, وكانت تجمع تاريخيا بين العراقيين, وفي سائر مناطق تواجدهم, وبغض النظر عن اختلاف أعراقهم وأديانهم وانتماءتهم الطائفية, مما يضمن بالتالي إيجاد الوسائل والسبل المناسبة, الكفيلة بتعزيز فرص التعاون بين سكان هذه الكيانات, وبشكل يساعدهم عمليا على العيش في ظل أنظمة ديمقراطية, تجسد واقعيا مصالحهم وتطلعاتهم المشروعة, وبعيدا عن القمع ولعنة الحروب, ومشاعر الحقد والكراهية, الطائفية والشوفينية, والتي تتصاعد راهنا وعلى نحو خطير للغاية, وهي مشاعر كانت وستظل, في العراق وغير العراق, الأساس والمنطلق الذي يسهل على الأوغاد دائما, مهمة إشعال الحروب الطائفية أو الشوفينية, لضمان مصالحهم الاقتصادية, ودفاعا عن نفوذهم السياسي أولا وقبل كل شيء, وبالطبع تحت شعارات دينية أو وطنية .....الخ ما يكفي لمصادرة عقول الناس, وتحويلهم إلى قطيع, تقوده المشاعر وردود الفعل طائفيا وشوفينيا ...الخ إشكال ومظاهر الحقد والتعصب والكراهية, بين المختلف من الناس, داخل البلد الواحد, أو بين المختلف من الشعوب!    

وباختصار شديد, يجب وفق قناعتي, الانطلاق دائما وأبدا, في تحديد المواقف فكريا وسياسيا, من مصالح الناس أولا وقبل كل شيء, قبل التفكير, في إجبار الناس  على مواصلة العيش المشترك بقوة القمع, وعلى النحو الذي ظل يسود في زمن السفاح صدام, أو في الواقع, منذ إقامة الكيان العراقي من قبل بريطانيا قبل أكثر من ثمانية عقود من الزمن.   

طالما أنك تذكر, عدم وجود من يدعو علنا, للتقسيم في الوسط السياسي والشعبي, إلا تعتقد أن الدعوة للتقسيم, يمكن أن تقود بالتالي إلى إشعال شرارة الحرب الطائفية؟!** 

هذا سؤال يتجاهل الحقيقة, حقيقة أن الحرب الطائفية, تدور بالفعل على أرض الواقع, ومنذ سقوط صدام, بعد أن رفض أنصار الطاغية صدام والقوى الدينية المتطرفة, والوثيقة الصلة مع عصابات القاعدة, الاعتراف بالواقع الجديد, واقع حرمانهم من النفوذ والسلطة, وحيث باشروا عمليا, من خلال عمليات التفجير الوحشية, وتحت غطاء محاربة الاحتلال, قتل العشرات من أبناء طائفة الأكثرية, ويوميا خلال السنوات الثلاث الماضية, إلى جانب استمرارهم بعمليات التطهير الطائفي في العديد من المناطق, وخصوصا في ضواحي بغداد, وحيث يجري وعلنا, قتل أبناء طائفة الأكثرية على  الطرق الخارجية, التي تربط ما بين بغداد ومدن الوسط والفرات, كما أن العديد من مناطق العاصمة, تحولت عمليا إلى مناطق تماس طائفي, تشهد باستمرار, عمليات القتل ومهاجمة مراكز العبادة والتطهير الطائفي, وبالشكل الذي تصاعد, وعلى نطاق واسع, في أنحاء مختلفة في بغداد والعديد من المناطق الأخرى, بعد جريمة مهاجمة إحدى المراكز الدينية المقدسة عند طائفة الأكثرية, في مدينة سامراء قبل أسابيع معدودة, وبمقدوري أن أقدم عشرات الأمثلة, التي تؤكد وبشكل ملموس, أن الحرب الطائفية تدور بالفعل في العراق, ولكن دون الإعلان عن ذلك, لان من يمثلون الأكثرية والأقلية سياسيا, كانوا والى ما قبل أسابيع معدودة, يرفضون رغم كل الدامغ دمويا من الوقائع, المجاهرة بالحقيقة, حقيقة ما يجري بالفعل على أرض الواقع, لان ذلك لا يخدم, تحقيق مصالحهم وأهدافهم المتعارضة جذريا, خاصة وأن من يمثلون الأقلية في الغرب من العراق, يعيشون على أمل حدوث, ما يساعدهم عمليا, وبعد اعتماد مختلف الوسائل والسبل, بما في ذلك استخدام القوة, استعادة سلطانهم المفقود, وبدعم من الأنظمة العربية وموافقة الأمريكان,*** في حين أن من يمثلون الأكثرية في الوسط والجنوب, يواصلون العيش على وهم, إمكانية رضوخ الأقلية للواقع الجديد, حتى بعد أن فقدت بسقوط صدام, سلطان النفوذ على مواقع القرار في الدولة والمجتمع, وبشكل يضمن بالتالي, فرصة دوام العيش المشترك, ما بين الأكثرية والأقلية, على الأقل, ضمن الباقي من الكيان العراقي في وادي الرافدين! 

ولكن حتى على افتراض قبول الأكثرية والأقلية, على مبدأ التقسيم, إلا تعتقد أن ذلك, يمكن أن يقود لتفجر الصراع المسلح وعلى نطاق واسع بين الطرفين, نظرا لان  كل طرف, سوف يسعى بالتأكيد, إلى  تنفيذ التقسيم بالشكل الذي يخدم مصالحه أولا؟!

ذلك احتمال وارد بالفعل, وخصوصا أن هناك العديد من المناطق المتداخلة والمشتركة جغرافيا وسكانيا, ما بين أتباع طائفة الأقلية والأكثرية, وبشكل خاص في بغداد ومناطق الضواحي من حول بغداد, وحتى في بعض المدن في الوسط, ودون أن نغفل بالطبع, وجود مراكز عبادة تابعة لكل طائفة في مناطق الطائفة الأخرى, كما هو الحال مثلا, مع المراكز المقدسة لطائفة الأكثرية في مدينة سامراء, ولكن ورغم كل مظاهر وأشكال الاحتقان الطائفي, لا تزال هناك بتقديري, ولغاية اليوم, إمكانية واقعية, للتواصل, إلى حلول مناسبة لجميع هذه الإشكاليات, بما في ذلك موضوع الاستفادة من الثروات الطبيعة....الخ العوامل التي يمكن أن تعطل عملية التقسيم, وتفتح الباب بالمقابل, أمام تصاعد الاحتمالات راهنا, باشتعال الحرب الطائفية, وكل ما تقدم بصدد التفاوض, على مبدأ التقسيم, يتوقف نجاحه باعتقادي, وبشكل أساسي, على مدى فعالية دور الأمم المتحدة, على هذا الصعيد, وليس فقط في مجال التقريب بين وجهات النظر المتعارضة, وإنما  تقديم ما يكفي من الضمانات العملية, بما في ذلك خصوصا عسكريا, لحماية ما سيجري الاتفاق بصدده, وبالاستفادة من الوجود الراهن والكثيف, لقوات المتعددة الجنسيات في العراق, إلا إذا كان المطلوب اشتعال الحرب الطائفية أولا, وإشاعة أكبر قدر ممكن من الأحقاد والكراهية, قبل أن يوافق مجلس الأمن الدولي, على إرسال قوات للفك بين الأطراف المتصارعة, والمباشرة في عملية التفاوض لتقسيم العراق, إلى كيانات, تعد العدة وتجمع الصفوف, وتشترى المزيد من السلاح  (من أمريكا خصوصا) من أجل انتظار المناسب من الظروف, لمهاجمة العدو في الطرف من الحدود!   

السفير الأمريكي في العراق, كتب مؤخرا, محذرا من خطر اشتعال الحرب الأهلية, وللتأكيد على أن الوجود الأمريكي في العراق, لا يتحمل المسؤولية عن وصول الوضع في هذا البلد, إلى حد احتمال اشتعال الحرب الطائفية, وأن دور القوات الأمريكية على هذا الصعيد, لا يتعدى حدود الكشف عن الاحتقان الطائفي, الذي كان موجودا بالفعل قبل سقوط صدام, هل تراك توافق على مثل هذا التوضيح لما يجري اليوم في العراق؟

جواب ذلك في القسم التالي من هذا الحديث الطويل وبالعراقي الفصيح!

سمير سالم داود  25  آذار 2006

alhkeka@hotmail.com

* هذا بعض ما ورد في تقديم العبد لله, لمستمعي الإذاعة السويدية, يوم العشرين من هذا الشهر, وذلك ضمن حوار مفتوح عن الوضع في العراق, بمناسبة مرور ثلاثة أعوام, على بداية الهجوم الأمريكي من أجل إسقاط صدام بالقوة,  وسوف يجري تقديم مجمل هذا الحديث لاحقا, ومن الضروري التوضيح أن الصحفية السويدية, كانت خلال سياق الحديث, تستخدم الشائع والمتداول من التعبير إعلاميا في الغرب, كما هو الحال مع تعبير ( الحرب الأهلية)  عوضا عن الحرب الطائفية, أو عند توصيف الأقلية والأكثرية طائفيا, وهو توصيف أرفض استخدامه, وفي الواقع, أحتقر جميع من يستخدمون مثل هذا التوصيف عراقيا, وتحديدا أولئك الأغبياء, ممن يمارسون, فعل تعهير الكتابة على شبكة الانترنيت, وسواء كانوا ينطلقون من مزاعم الدفاع عن طائفة الأكثرية أو طائفة الأقلية!

** شخصيا لا أدري, ما إذا كان سكان تكريت والموصل, يمكن أن يقبلوا العيش مع سكان الرمادي, في إطار كيان واحد, نظرا لان هناك اتجاهات مختلفة حول هذه القضية, وخصوصا بين سكان الموصل, حيث يوجد هناك, وعلى نطاق متزايد,من يعتقدون أن من الأفضل, ارتباطهم في حال حدوث التقسيم, مع الكيان القائم في إقليم كوردستان, وعلى النحو الذي كان سائدا طوال قرون من الزمن, ولغاية إقامة الكيان العراقي, على مقاس المصالح البريطانية الاستراتيجية في الشرق الأوسط في أعقاب الحرب العالمية الأولى! 

*** ضمن هذا السياق من الفهم, ينبغي إدراك الهدف الحقيقي, من حديث علاوي البعث, وبعد خراب بغداد قبل البصرة, عن الحرب الأهلية,  والذي بتقديري لا يستهدف ما هو أكثر من تصعيد, حدة مشاعر الخوف والقلق, إلى أبعد الحدود, تمهيدا لظهور الفارس المنقذ, المختوم على مؤخرته ( صنع في أمريكيا) والذي سيكون, بمقدوره وبدعم من سلطان الاحتلال, والأوغاد الذين يملكون مفاتيح الإرهاب,في مناطق الأقلية, أن يضع حدا للسائد من الفوضى, حتى يصير دون سواه (رجل المرحلة) , وبحيث يغدو بمقدوره, كائن من كان, زيارة الحضرة الحيدرية, دون أن يتعرض للضرب بالنعل هههههههههههه و..........مبروك سلفا لكل من عمل ويعمل, وبالاعتماد فقط لا غير, على دعم مقتداه الصغير, على أن تجري الأمور بهذا الاتجاه ودون سواه, وبالشكل الذي يكاد أن يطيح حظ الأكثرية, ويحقق عمليا, كل ما تريده ماما أمريكا, والأوغاد ممن يتصدرون المشهد السياسي, في مناطق الأقلية, وفي المقدمة من الجميع, هيئة قاطعي الأعناق بقيادة ضاري الدناءة!