إكذوبة الأخوة العربية الكوردية  5

 

( ربي إحمني من أصدقائي, أما أعدائي فأنا كفيل بهم )

 

                                                         الإمام علي بن أبي طالب

 

 مشكلة ولاية الموصل أمام عصبة الأمم

 

 وقعت معاهدة لوزان في 24 تموز1923، بعد مساومات بين تركيا والدول الحليفة(1). وقت نصت الفقرة الثانية من المادة الثالثة فيها على تعيين الحدود بين تركيا والعراق بترتيب ودي بين تركيا وبريطانيا خلال تسعة أشهر. وفي حالة عدم التوصل إلى اتفاق نهائي، ترفع القضية إلى مجلس الأمم. ويلاحظ ان القضية التي سترفع إلى مجلس عصبة الأمم ليست قضية مصير الشعب الكوردي، صاحب الحق الشرعي في هذا الجزء من وطنه بل مسألة " تحديد الحدود بين العراق وتركيا" ليس إلا. وقد ضربت بريطانيا عصفورين بحجر في هذه المسألة. فأنها أخرّت إبرام معاهدة لوزان إلى ما بعد تصديق المعاهدة المفروضة على العراق عام 1922 والتي لاقت معارضة شديدة في المجلس التأسيسي العراقي ومن شعب العراق، لجعل ورقة "ولاية الموصل" ورقة للضغط على العراق للرضوخ لنصوص المعاهدة من جهة، ولتضمن الجهة التي ستلحق بها الولاية من جهة أخرى.

 

فشلت المفاوضات بين بريطانيا وتركيا، فتحول النزاع إلى عصبة الأمم. ناقش مجلس عصبة الأمم القضية وقرر المجلس في 30 أيلول عام 1924 أن يؤلف لجنة من ثلاثة أعضاء لدراسة الموضوع وتقديم تقرير بشأنه متضمنا المعلومات والإقتراحات لغرض إتخاذ القرار. وكان أعضاء اللجنة هم الكولونيل باوليس من بلجيكا، والكونت تيكيلي رئيس وزراء هنغاري سابق، وفيرسن السويدي الذي ترأس اللجنة. وصلت اللجنة إلى مدينة الموصل في كانون الثاني عام 1925. إقترحت تركيا إجراء إستفتاء, لكن بريطانيا رفضت الإقتراح باعتبار أن النزاع على الحدود وليس على منطقة من المناطق. وتقدمت بريطانيا وتركيا بمعلومات وأرقام مختلفة عن القوميات القاطنة في المنطقة. وأكدت بريطانيا أن الكورد آريون وليس لهم أية علاقة بتركيا في حين أن تركيا أعلنت بأنه ليس هناك فرق بين الترك والكورد وأنهما أمتين عاشتا بود جنبا إلى جنب طيلة قرون عديدة. (2)

 

خلاصة توصيات اللجنة:

 

اجتمعت اللجنة المؤلفةـ بعد أن أمضت أكثر من شهرين في (ولاية الموصل) واعدت تقريراً من تسعين صفحة، وجاء في الخلاصة النهائية للتقرير(3) " لو نظرنا في المسألة كلها معتبرين في ذلك مصالح الأهليين الذين يخصهم الأمر، فمن رأي اللجنة، انه من المستحسن عدم تقسيم المنطقة المتنازع عليها وان اللجنة، استناداً إلى هذه البواعث وتقديرها كل حقيقة من الحقائق التي ذكرتها، ترى أن هناك حججاً مهمة تساعد على ارتباط كل المنطقة بعضها بالبعض الآخر، من جنوب خط بروكسل في العراق. وأوصت اللجنة بما يلي :

 

1 -  أن تبقى المنطقة تحت انتداب عصبة الأمم لمدة 25 سنة

 

2 - يجب مراعاة رغبات الأكراد فيما يخص تعيين موظفين كورد لادارة بلادهم وترتيب الأمور العدلية والتعليم في المدارس وان تكون اللغة الكوردية اللغة الرسمية في هذه الأمور. ولم تخف اللجنة مخاوفها من حدوث مشاكل سياسية خطيرة عند إلحاق المنطقة بالعراق حيث قالت: "إن اللجنة مقتنعة أيضاً من أن المنافع الناجمة عن ارتباط المنطقة المتنازع عليها بالعراق تؤدي إلى مشاكل سياسية خطيرة". وواضح تماماً أن اللجنة قد شكلت أصلاً لتحديد الجهة التي ستلحق بها كوردستان الجنوبية، مقسّمة أوموحّدة، دون الالتفاف إلى الإدارة الحرة لسكان المنطقة، وقد لمست تلك اللجنة الإرادة لدى هؤلاء السكان, فأشارت إليها قائلة: "وفي حالة اعتماد النواحي العنصرية وحدها أساساً للاستنتاج، فأنها تقودنا إلى القول بوجوب إنشاء دولة كوردية مستقلة, فلأكراد يشكلون خمسة أثمان السكان. وإذا صار الالتجاء إلى هذا الحل، فان اليزيديين وهم عنصر مشابه للأكراد(حسب توصية اللجنة المذكورة) ، يجب أن يدخلو ضمن عداد الأكراد ، فتكون نسبة الأكراد حينذاك سبعة أثمان السكان"

 

وكان  إلغاء الخلافة (4) أحد هدفين هامين عند الإنجليز أولهما : (إلغاء الخلافة وسواء كانت  للخليفة سلطة فعلية أولا فإنها كانت تحمل على الدوام احتمال الظهور والوجود)

 

وكان الهدف الثاني اقتطاع لواء الموصل ومنابع النفط فيها من تركيا. 

 

ثم عقد مؤتمر الصلح بلوزان بعد عشرين يوما من إلغاء السلطنة، وفي مفاوضات المؤتمر كان الإنجليز في بدايته ما يزالون يخفون رغبتهم في إلغاء الخلافة ولكنهم كانوا كما يقول الدكتور رضا نور( وزير الصحة التركي والممثل الثاني لتركيا في المؤتمر) في مذكراته عن مؤتمر الصلح بلوزان والذي كان في البداية معارضا  لإلغاء الخلافة بالرغم من موافقته على إلغاء السلطنة

 

- يظهرون تعصبهم المسيحي بإصرارهم على بقاء بطريركية الروم في اسطنبول!

 

 ويتوقف المؤتمر وتدور الاتصالات من وراء الكواليس، وتأتي شروط انجلترا للصلح وفيها الشرطان الأساسيان: إلغاء الخلافة وترك الموصل.

 

وبعودة المؤتمر للانعقاد بدأت الحكومة التركية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك تقدم سيل التسهيلات إلى انجلترا والعالم الغربي للحصول على الصلح: (وكأنهم يقولون لهم لقد تركنا الإسلام ودخلنا إلى طريق التشبه بكم فاحمونا) على حد تعبير كاتب "الرجل الصنم"(*) ، وهذا ما قاله رضا نور عضو الوفد التركي في كتابه "حياتي وذكرياتي": (كنت أول من تلفظ بهذه الكلمة في جلسات مؤتمر لوزان إذ قلت: ((إن تركيا أصبحت علمانية وقد انفصل الدين عن الدولة وإذا ما تم الصلح فإننا سنقوم بوضع القوانين المدنية)) ثم يقول: ((وكلامي هذا مسجل في محاضر الجلسات وقد قلت هذا من اجل الدفاع عن مصالحنا في لوزان، وقد كانت هذه من أهم نقاط الارتكاز والاستناد التي كنا نستند عليها في لوزان، وقد سبق أن وضعت شرط فصل الدين عن الدولة في التقرير الذي وضعته عن إلغاء السلطنة وهذا هو الأساس في العلمانية)))

 

 (إن معاهدة لوزان ليست إلا عبارة عن رشوة(5) وذلك بإعطاء استقلال صوري لوطن قلمت أظافره وقصت أجنحته مقابل التضحية بالإسلام، وقد وضعت مجلة "بيوك دوغو" لصاحبها نجيب فاضل الذي يعتبر من كبار أدباء ومفكري تركيا - وكذلك كتاب معاهدة لوزان انتصار أم هزيمة" في سنة 1958 هذه الحقيقة المرعبة أمام الأنظار) ويأت بعض أعضاء مجلس الأمة  الذي اصدر قرار إلغاء الخلافة في عام 1924 إلى كمال أتاتورك ويعرضون عليه الخلافة ولكنه يرفضها بكل نفور قائلا (إن الإنجليز سوف لا يرضون عن هذا), , وللحديث بقية

 

وأعتذر من أي قارئ يقرأ مقالاتي هذه لأنني أطلت عليه ولكن حلقتي القادمة ستكون الأخيرة وستكون بعنوان:

 

الحلقة السادسة والأخيرة: ماذا يريد الكوردي من العربي وماذا يريد العربي من الكوردي, شركاء الوطن الواحد قسريا؟ بعيدا عن شعارات الأخوة التي عفى عليها الزمن.

كريم عبد الله محمد

Kerimebdula@yahoo.com

المصادر

 

1 - كتاب: نحو حل صحيح للمسألة القومية الكردية في العراق.

 

المؤلف الدكتور مكرم الطالباني -يقع البحث في كتاب صغير الحجم، عدد الصفحات 184 صفحة. صادر عن (مركز خاك للنشر والاعلام) في السليمانية عام 2002

 

2 - عبدالرحمن قاسملو، كردستان والأكراد، بيروت ، ص 90

 

3 - الدكتور مكرم الطالباني -  نحو حل صحيح للمسألة القومية الكردية في العراق

 

4 + (*) -   كتاب "الرجل الصنم : أتاتورك" من تأليف ضابط تركي مات عام 1984 نشر كتابه وحجب اسمه ووضع صفته على غلاف الكتاب خشية التعرض للعقاب أو الملاحقة من جانب الكماليين ، والكتاب يتداول سرا في تركيا ، وقد ترجم إلى العربية في السبعينيات وطبع في بيروت والكويت، والنسخة التي نقلنا عنها نشرتها مؤسسة الرسالة بيروت 

 

5 – نفس المصدر السابق –  ص 294