أكذوبة الأخوة العربية الكوردية - 4

يا أخي لاتمل بوجهك عني       ما أنا فحمة ولا انت فرقد

معاهدة سيفر 1920

بعد أنتهاء الحرب العالمية الأولى وهزيمة ألمانيا وحليفتها الدولة العثمانية، أنحصرت عندها المنافسة الأستعمارية بين بريطانيا وفرنسا وأميركا وأيطاليا وكانت المحصلة أن وقعت تركيا على معاهدة سيفر في باريس في العاشر من آب عام 1920 ميلادية ومن جانبه أعترف ووافق المجلس الأعلى لدول الحلفاء على هذه المعاهدة. وبعد أن تمكنت تركيا من أستعادة نوعاً ما قوتها وهزمت اليونان في حربها اعوام 1921ـ 1922 م على يد الضابط الألباني الأصل مصطفى كمال أتاتورك الذي رفض بدوره معاهدة سيفر وكذلك تراجع المجلس الأعلى لدول الحافاء عن التزاماته بمعاهدة سيفر، حيث أصبحت معاهدة لوزان أساسا لبناء كيان الجمهورية التركية .

معاهدة سيفر وتسمى أيضا معاهدة الصلح (1) قبلت بها تركيا العثمانية في 10 أغسطس, آب عام 1920 عقب الحرب العالمية الأولى بين الدولة العثمانية وقوات الحلفاء وبعدها رفضت تركيا  ما جاء في هذه المعاهدة، واعتبرت أن بنودها تمثل ظلما وإجحافا بدولة القرداش (والكلمة تعني الأخ باللغة التركية وهي أيضا كذبة)، وذلك لأنها أجبرت على التنازل عن مساحات شاسعة من الأراضي التي كانت واقعة تحت نفوذها، وقد نصت هذه المعاهدة على:

 - منح تراقيا والجزر التركية الواقعة في بحر إيجه لليونان.

 - الاعتراف بكل من سوريا والعراق كمناطق خاضعة للانتداب.

 - الاعتراف باستقلال شبه الجزيرة العربية.

 - الاعتراف باستقلال أرمينيا.

 - اعتبار مضائق البسفور والدردنيل مناطق مجردة من السلاح وتحت إدارة عصبة الأمم.

وفيما يتعلق ببنود المعاهدة الخاصة بالشأن الكردي فقد نصت على:

 - حصول كردستان على الاستقلال حسب البندين 62 و 63 من الفقرة الثالثة، والسماح لولاية الموصل بالانضمام إلى كردستان استنادا إلى البند 62 وكان نص هذا البند كالتالي:

"إذا حدث خلال سنة من تصديق هذه الاتفاقية أن تقدم الكرد القاطنون في المنطقة التي حددتها المادة (62) إلى عصبة الأمم قائلين إن غالبية سكان هذه المنطقة ينشدون الاستقلال عن تركيا، وفي حالة اعتراف عصبة الأمم بأن هؤلاء السكان أكفاء للعيش في حياة مستقلة وتوصيتها بمنح هذا الاستقلال، فإن تركيا تتعهد بقبول هذه التوصية وتتخلى عن كل حق في هذه المنطقة. وستكون الإجراءات التفصيلية لتخلي تركيا عن هذه الحقوق موضوعا لاتفاقية منفصلة تعقد بين كبار الحلفاء وبين تركيا". وكان من بين بنودها أيضا

 المادة : 140

(حماية الأقليات) حيث تلتزم تركيا باعتبار الشروط الواردة في المواد 141 و145 و147 قوانين أساسية وبأن لا يتعارض معها أو يتدخل فيها أي تشريع أو قانون مدني أو عسكري أو إرادة شاهانية أو إجراء رسمي وبأن لا يتقدم عليها أي قانون أو تشريع أو إرادة شاهانية أو إجراء رسمي.

المادة :  148

في المدن والأقضية حيث تقيم نسبة كبيرة من الرعايا الأتراك الذين ينتمون إلى أقليات عرقية أو لغوية أو دينية، يجب أن تؤمن لهذه الأقليات حصة عادلة في التمتع واستعمال أية مبالغ تخصص من الأموال العامة في ميزانيات الدولة أو البلديات أو غيرها لأغراض تعليمية أو خيرية .وتدفع هذه المبالغ للمندوبين المعتمدين للطوائف المعنية .

وشكلت هذه العاهدة نواةً لحكومة كوردية في منطقة كوردستان العراق, والتي أشارت اليها معاهدة سيفر وخاصة في المادة (64) والتي نصت على ما يلي : (2)

  { إذا حدث، خلال سنة من تصديق هذه الاتفاقية أن تقدم الكورد القاطنون في المنطقة التي حددتها المادة (62) إلى عصبة الأمم قائلين أن غالبية سكان هذه المنطقة ينشدون الاستقلال عن تركيا، وفي حالة اعتراف عصبة الأمم أن هؤلاء السكان أكفاء للعيش في حياة مستقلة وتوصيتها بمنح هذا الاستقلال، فإن تركيا تتعهد بقبول هذه التوصية وتتخلى عن كل حق في هذه المنطقة } .

معاهدة لوزان

على أعقاب الطلب الكوردي الذي تضمنته المادة (62) من معاهدة سيفر الموقعة في أب 1920 , بتشكيل لجنة ثلاثية متكونة من ثلاث شخصيات دبلوماسية عسكرية يمثلون بريطانيا وفرنسا وإيطاليا, يكون مقرها القسطنطينية واجبها وضع مشروع لحكم محلي للمناطق التي تسكنها أغلبية كوردية, الواقعة شرق نهر الفرات وجنوب حدود تركيا مع سوريا وما بين النهرين, وبينت المعاهدة أيضا بأن الحلفاء لا يعارضون الاتحاد الطوعي بين الدولة الكوردية المرتقبة, وبين مناطق الأغلبية الكوردية في ولاية الموصل. جاء في المادة (16) من الإنتداب البريطاني للعراق نيسان 1920, لا يمانع الانتداب من تأسيس حكومة مستقلة إداريا في المقاطعات الكوردية. أما المادة (64) من معاهدة سيفر, يبقي على الاتحاد الطوعي (لاحظ: الاتحاد الطوعي) لسكان ولاية الموصل مع العراق, أي ولاية البصرة ولاحقا ولاية بغداد.  بعد إلغاء معاهدة سيفر, كان الظاهر للعيان بأنه حصل الإلغاء للمعاهدة, نتيجة ضغوط الدولة المهزومة تركيا, بالإضافة إلى التنافس البريطاني الفرنسي, ومن ثم دخول الأمريكان على الخط, لم تكون الرؤية واضحة لشعوب المنطقة نتيجة تراكمات المظالم والمآسي التي لحقت بشعوب المنطقة, على يد الأتراك العثمانيين, وفي العشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 1922م افتتح مؤتمر الصلح في مدينة لوزان للبحث في تعديل معاهدة سيفر، وكان المندوب التركي إليه (عصمت إينونو) وقد انفض المؤتمر في الرابع من شباط/ فبراير 1923م من غير أن يسفر عن نتيجة ما.. وكان الوزير البريطاني كرزون قد قال لعصمت وبكل صراحة: (إننا لا نستطيع أن ندعكم مستقلين، لأنكم تكونون حينئذ نواة يتجمع حولها المسلمون مرة أخرى، فتعود المسألة الشرقية التي عانينا منها طويلاً)

وعاد المندوب التركي إلى أنقرة مقر حكومة أتاتورك ليبلغه ما سمع من الوزير الإنجليزي وللمشاورة قبل أن يعود المؤتمر إلى الانعقاد مرة أخرى..

وفي الثالث والعشرين من نيسان/أبريل 1923م اجتمع المندوبون مرة أخرى، وبعد أن تعهد أتاتورك للإنجليز عن طريق مندوبه إينونو بالموافقة على شروطهم لإزالة مخاوفهم من أن يتجمع المسلمون مرة أخرى، قام الإنجليز بإملاء شروطهم عليه والتي عرفت بشروط كرزون الأربعة وهي:

- أن تقطع تركيا صلتها بالإسلام.

- أن تقوم بإلغاء الخلافة.

- أن تتعهد بالقضاء على كل حركة يمكن أن تقوم لإحياء الخلافة.

- أن تستبدل تركيا القوانين الوضعية بالشريعة الإسلامية، وأن تضع لنفسها دستوراً مدنياً بدلاً من الدستور العثماني المستمد من قواعد الإسلام..

عند ذلك وفق المجتمعون إلى إنجاز معاهدة الصلح في الرابع والعشرين من تموز/يوليو 1923م والتي عرفت باسم معاهدة لوزان وبموجبها: بسطت تركيا سلطانها من جديد على آسيا الصغرى كلها وعلى إستانبول وتراقيه الشرقية.. وبدأ الأتراك الذي كانوا لا يزالون في دول البلقان يعودون إلى الأناضول..

ولم يبق معلقاً غير مشكلة الموصل ذات الأهمية الاقتصادية البالغة بسبب آبارها النفطية ولتستخدمها إنجلترا، كعادتها عندما تقرر الخروج من بلد ما، لإثارة المشاكل وبقاء الخلافات مستعرة بين الجيران الأخوة (العراق وتركيا) حتى تضمن تحقيق مصالحها..

وبدأ أتاتورك في تنفيذ شروط كرزون الأربعة: (ووطن نفسه أنه يسير بالدولة التي أنشأها في طريق الحضارة الأوروبية، وهي طريق تقتضي السائر فيها أن لا يقف ليلقى أية نظرة إلى الماضي الإسلامي، لأن مثل هذا النظر خليق بأن يعوق صاحبه عن بلوغ الغاية!) وفي الثالث من آذار/مارس 1924م ألغيت الخلافة وأخرج الخليفة من البلاد، وفي العشرين من نيسان/أبريل 1924م أعلنت صيغة جديدة للدستور التركي.. غير أن هذه الاجراءات لم تمر بسلام بل قاومها الشعب وقدم الكثير من التضحيات، إلا أن القوة التركية الطورانية الجديدة تمكنت منهم، وأبعدت الكثيرين عن مواطنهم الأصلية.. لذلك حدث نوع من خلط الأوراق لدى شعوب المنطقة الغير الطورانيين, بعد معاهدة لوزان أرسلت عصبة الأمم لجنة تحقيقية إلى ولاية الموصل, و قد أيدت اللجنة المتكونة من سويدي وإيطالي وسويسري, في تقريرها إلى عصبة الأمم في آذار 1925 م , سيادة الهوية الكوردية واللغة الكوردية في الولاية. بعد تأسيس الكيان المستحدث آمن الكثرة من الكورد والعرب بالعيش المشترك, كي يتواصلوا معا للعمل معا على تفعيل المصالح والمنافع المشتركة, سرعان ما ظهر التيار المذهبي ومن ثم ظهر التيار العربي العنصري, ودخلت دول الجوار الإقليمي على الخط كما يحصل الآن, مع كل ذلك لم تصبح العلاقات بين الشعبين معقدة, وكانت مساحة تسامح الكورد أوسع, رغم كونهم الضحية دائما نتيجة ممارسات الشقيق الأكبر(الأكذوبة الأكبر), وانسحبت جيوش الحلفاء من تركيا، ومع ذلك لاقى ذلك الانسحاب معارضة شديدة من قسم من النواب الإنجليز مما اضطر الوزير البريطاني كرزون إلى الرد على احتجاجاتهم ومعارضاتهم بقوله: (لقد قضينا على تركيا الإسلامية التي لن تقوم لها قائمة بعد اليوم، لأننا قضينا على قوتها المتمثلة في أمرين: الإسلام والخلافة..) عند ذلك لم يكتف النواب بالسكوت، ولكنهم صفقوا له استحساناً وإعجاباً.. وفي حزيران/يونيو 1925م أغلقت زوايا الدراويش وقضت الحكومة في قسوة وعنف على كل نقد ديني للإجراءات التي اتخذتها والتدابير التي أعلنتها.. وحوّلت مسجد آيا صوفيا إلى متحف، ومسجد الفاتح إلى مستودع.. ووضعت قانوناً مدنياً استمدته من القانون السويسري بدلاً من الشريعة الإسلامية(3) وغير ذلك من إجراءات تهدف إلى سلخ تركيا عن ماضيها الإسلامي نهائياً، وكان من أخطر تلك القرارات استبدال الأحرف اللاتينية بالعربية والأذان باللغة التركية.(4)

 

ويبدو أن استمرار الإحجام التركي عن القبول التام بواجباتها لحماية حقوق الأقليات فيها عائد في جانب كبير منه إلى المفهوم الضيق الذي ما تزال تتبناه لمفهوم الأقلية. وهذا المفهوم الشديد الحصر الذي تتبناه الدولة يفضي إلى إنكار حقوق العديد من الأقليات، باستثناء الأقليات الأرمنية واليونانية واليهودية.

 

وتستمد تركيا مفهومها الضيق للأقليات من معاهدة (لوزان) للسلام، جاعلة من تلك المعاهدة المصدر الوحيد لتعريف الأقليات وحمايتها. ضاربة الصفح عن أن تلك المعاهدة كانت مجرد نظام من أنظمة عصبة الأمم لحماية أقليات معينة، لم يكن بتطور الأنظمة الراهنة المتعلقة بالحماية الكلية لسائر الأقليات. إذن فمن الطبيعي أن لا تتواءم تلك المعاهدة مع المعايير الحالية، وبخاصة أنها تتناول الأقليات غير المسلمة وحسب. علاوة على ذلك، عمدت الدولة التركية إلى تضييق مفهوم الأقليات أكثر مما تسمح به المعاهدة نفسها، لينحصر اهتمامها في محيط الأقليات الأرمنية واليونانية واليهودية دون غيرها من الأقليات الدينية في تركيا.

 

وثيقة الأمن القومي التركي

 

في أواخر شهر تشرين الأول/ اكتوبر عام 2006 اقر مجلس الأمن القومي التركي ما يسمى ب (وثيقة سياسة الأمن القومي) التي تحدد المبادئ الاساسية لهذه السياسة والأخطار التي تهددها وسبل مواجهتها. وقد استغرق درس هذه الوثيقة اكثر من سنة بين المؤسسة العسكرية والحكومة. وقد كشفت صحيفة (جمهوريت) العلمانية اليسارية، النص الكامل لهذه الوثيقة التي تضمنت ما هو لافت ومثير في العديد من فقراتها. وتنقسم الوثيقة الى ثلاثة اقسام يتطرق القسم الاول الى الموضوعات المتعلقة بالأمن التركي داخليا وخارجيا. تقول الوثيقة هنا ان اساس سياسة تركيا هو ما قاله أتاتورك (سلام في الوطن، سلام في العالم). في الأمن الداخلي يرد ما يلي: تركيا دولة ديمقراطية علمانية حقوقية ذات بنية واحدة، والطريق الأساسي لحماية وحدة الاراضي التركية هي (القومي الاتاتوركية).

 

العناصر الاساسية المهددة للأمن القومي هي: الرجعية (الاسلاميون)، والانفصالية (الاكراد)، والتيارات اليسارية المتطرفة. وفي إطار كسب القاعدة الاجتماعية يجب ألا يسمح للنشاطات التبشيرية الاستغلالية بممارسة تأثير في هذا المجال. لا يسمح بتاتا لأي لغة اخرى غير التركية ان تكون معتمدة في مؤسسات التربية والتعليم، هذا مبدأ أساسي. إن معاهدة لوزان هي المرجعية الاساسية في كثير من القضايا، وفي مسألة الأقليات فإن معاهدة لوزان والاتفاقية الموقعة بين تركيا وبلغاريا في 18 تشرين الاول/ اكتوبر 1925، هما الأساس. بعد ذلك تعرض الوثيقة للحلول الواجب اعتمادها للقضايا المطروحة في الأمن الداخلي: جمهورية تركيا لم تتأسس على أسس اثنية. أساس التأسيس هو: دولة واحدة، أمة واحدة، علم واحد، ولغة واحدة. إن قول أتاتورك: (إن شعب تركيا الذي أسس جمهورية تركيا يعني الأمة التركية) هو مبدأ أساسي. إن الأمة وحدة سياسية واجتماعية يشكلها مواطنون مرتبطون ببعضهم بوحدة اللغة والثقافة، وفي هذا الإطار فإن اللغات والثقافات المحلية تقع في نطاق الحرية الفردية، ويجب عدم الاستغلال السيئ لهذه الحريات ولا سيما في جانب المنظمة الانفصالية ويجب عدم السماح باستغلال المشاعر الدينية وعدم التنازل في قوانين الثورة، وعلى الدولة ان تستمر هي المسؤولة عن التعليم الديني . . وللحديث بقية

كريم عبد الله محمد

Kerimebdula@yahoo.com

 

الحلقة الخامسة : مشكلة الموصل أمام عصبة الأمم وأشياء أخرى

المصادر

 

1 - عبد الوهاب الكيالي - معاهدة سيفر - موسوعة السياسة،، ص 403، المجلد 3، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت ط 2 سنة 1993.

 

2  - الدكتور حامد  محمود عيسى - المشكلة الكردية - ص  207

 

3 - مجلة الأمة، العدد 14، ربيع الثاني  1402هـ

 

4 – مجلة الأحكام العدلية – بدون عدد