أكذوبة الأخوة العربية الكوردية - 2

في عام 1957 جرى إحصاء عام في دولة العراق من شمالها الى جنوبها ولازال هذا الإحصاء يشكل العلامة الفارقة في التاريخ العراقي الحديث كونه تميزبالمصداقية وعدم التزوير ولا أعتقد بأن إثنين في كل مساحة العراق من أقصاه الى أقصاه يختلفون في هذا ولا أعتقد بأن أي دائرة إحصاء في عموم البلاد لاتعتمد في معلوماتها الشخصية والعامة على ذلك الإحصاء. وطالما كان المتخاصمون في كل الأمور الإدارية والإجتماعية يلجؤن الى ذلك الإحصاء لحسم إشكالاتهم الإحصائية السكانية, ولنر في ذلك الإحصاء كيف كان تقسيم النسب السكانية في مدينة كركوك.

 

نسبة المواطنين العرب في المدينة هي: 43000 مواطن

 

نسبة المواطنين التركمان في المدينة هي: 48000 مواطن تركماني

 

نسبة الكلدو آشوريين والأقليات الأخرى هي: 10000 مواطن

 

أما نسبة المواطنين الكورد في المدينة فكانت: 178000 مواطنا كورديا

 

وهنا لاتعليق سوى أن التاريخ القديم والحديث يثبت بأن سكان هذه المدينة هم يمثلون أطياف الشعب العراقي برمته ولكن كانت نسبة السكان الكورد هي الغالبة وكانت تشكل نسبة ثلثي سكان المدينة وباقي القوميات مجتمعين كانوا يشكلون الثلث الثالث منها. وعلى فكرة وفقط للتوضيح فإنه في تلك السنة كان الصراع بين الحركة التحررية الكوردية وحكومة نوري السعيد والقصر الملكي في أوجها وكان الملا مصطفى البارزاني في منفاه القسري في الإتحاد السوفيتي هو وكل القادة الكورد, قبل أن يعفو عنهم الزعيم عبدالكريم قاسم بعد إسقاطه للعرش الهاشمي في العراق وإعلان الجمهورية العراقية عام 1958 ويعودوا الى أرض الوطن عن طريق البصرة, ولهذا لم يكن هناك تأثير سياسي كوردي على موضوعة الإحصاء أو الذين قاموا بذلك العمل والذي تم في تلك السنة.

 

سأروي لكم قصة لايمكن أن تصدق ولكنها حدثت معي شخصيا لا بل هي تجربتي الشخصية.

 

أنا أيها ألأعزاء من مواليد مدينة الموصل ومسجل في إحصاء عام 1957 وكنت أمتلك الجنسية ذات الغلاف الأسمر والتي كانت كالدفتر وموضوعة في غلاف شفاف أنيق جدا (يعرفه جيدا جيل الخمسينيات من القرن الماضي), وبعد ذلك تحولت هذه الوثيقة الى هوية الأحوال المدينة المتعارف عليها حاليا, وعليها تأكيد بان فلان الفلاني يعني أنا, مولود في مدينة الموصل حسب تلك الوثيقة التي لازلت أحتفظ بها, وحدث أن تزوجت عام 1988 وكان من متطلبات الزوجية هو عشها الذي إخترته كشقة في عمارة تتكون من ستة شقق وكان صاحبها من الأخوة المسيحيين الذين لايحبون المشاكل والذين يسكنون بغداد ويأتي كل شهر مرة لإستلام الإيجارات وكانت زوجته ترافق والدتي الحجية رحمها الله لزيارة مرقد النبي يونس في الجانب الإيسر من المدينة في كل زيارة كانت تقوم بها الى الموصل, وكنت أنا أدفع في ذلك الوقت مبلغ خمسة الآف دينار كإيجار عن الشقة شهريا, وكان شاغلي باقي الشقق يدفعون فقط 250 دينار يعني مائتي وخمسون دينارا فقط, وعندما رجوت صاحب البناية أن يرأف بحالي, طلب مني أن آتي له بعقد إيجار مصدق من البلدية ودائرة الضريبة وإذ ذاك سوف يجعل قيمة إيجار شقتي كما هي قيمتها عند الآخرين, والحق كان الرجل محقا في كلامه, ولم أكذب خبرا وذهبت الى البلدية أو دائرة الضريبة لاأذكر وأخذت معي كل ما يؤكد عراقيتي ومصلاويتي ومن ثم مواطنيتي في هذا البلد لكي أحصل كما يحصل كل مواطن عراقي على عقد إيجار وهو جزء ضئيل جدا من حقوق المواطنة, الذي كان يكفله الدستور المؤقت, وإستلم الموظف المختص كل أوراقي ودفعت الرسوم الخاصة والمتعلقة بالمعاملة ورجاني بكل أدب ومودة أن أعود إليه بعد إسبوع واحد لإستلام معاملتي وهكذا إنتهى الأمر بكل حسن النية من الطرفين, وبعد إسبوع ذهبت الى الدائرة المختصة والموظف الودود المختص وسألته عند الشباك عن معاملتي فأعطاني ربع ورقة فلسكوب مختومة بختم دائرة الشريط الإحصائي البغيض, ومكتوب عليها بآلة الطابعة (ثبت أنه من القومية الكردية) وعليه وبسبب هذه التهمة العظيمة فإني لا أستحق الحصول على عقد إيجار لشقة في المدينة التي ولدت فيها والتي تربيت فيها ومارست طفولتي وعشت فيها مراهقتي وشبابي ودرست فيها دراستي وطالما حلمت على ضفاف دجلتها, وطالما لعبت في سوق الميدان وسوق العتمي وقيصرية إسباهي بزار وسوق العطارين وقرة سراي وقلعة باشطابيا وجوبة البكارة وجوبة العكيدات والسرجخانة وشارع النجفي والفيصلية والدركزلية والعطشانة ووادي حجر ووادي عكاب وراس الكور وباب لكش وباب شمس وباب جديد والمجموعة والغابات والجيلة وحمام علي وتل السبت وتل عبطة وحمام الشط والجسر العتيق والجسر الجديد والدواسة وشارع حلب ومحلة اليهود والكمبز ومحطة القطار, وهنا حاولت أن أسأل الودود ولكنه أقفل الشباك وأخرج وجهه الحقيقي القبيح قائلا, أخرج ولا تعد الى هنا أبدا فليس عندي جواب لأي سؤال لك, فقلت له يا أخي أنا مولود في هذه المدينة, فقال لي: أولا أنا لست أخيك وثانيا أنا لست سلطة لكي أقرر, فالرجاء أن تترك المكان بلا مشاكل. وهنا تساءلت, ترى كم واحد مثلي كوردي ولد في هذه المدينة وتعرض الى ما تعرضت له؟

 

هذا هو نموذج صارخ للأخوة العربية الكوردية, أو هو ذلك الشعار الذي تحت ظله إرتكبت أكبر جرائم التاريخ والإنسانية ضد الكورد, فالكوردي لكي يكون أخ للعربي عليه أن يضحي ويقبل كل ظلم بإسم ظروف المرحلة ويتقبل كل شيئ بإسم معركة المصير العربي وقضيته القومية وعليه أن لايطلب أي شيئ لأن الشعب العربي قاطبة مشغول في معركته تلك وإذا حصل وطالب الكورد حسب كل الإستحقاقات التي وقعتها الحكومات المتعاقبة مع القيادات الكوردية على مختلف مشاربها, فأنه سوف يتهم بالخيانة والعمالة والتابع الذليل للأجنبي, ولكون اكثر من ثمانين سنة من عمر الدولة العراقية الحديثة كانت حبلى بالمشاكل السياسية والعسكرية وقضية فلسطين, ولم يستكن هذا الوطن ولو لفترة محدودة, بقيت كل مطاليب الكورد وغيرهم من أطياف الشعب العراقي موضوعة على الرفوف تعلوها أمتار الغبار, وأي كلمة أو همسة من أي كوردي كانت تأخذ دويها وتسقط في خانة العمالة, هذا الإتهام السخيف والمتخلف, ولا أعرف لأي دولة يعمل الكورد؟ هل لإيران التي لازالت تضربهم بالمدفعية الثقيلة كل يوم؟ هل لتركيا التي لاتعترف أساسا بكونهم كوردا وتهاجمهم ليل نهار وتطالب جهارا نهارا بولاية الموصل متظمنة مدينة كركوك؟ هل لسوريا التي لاتعطي الكورد الجنسية وأي حق من حقوقه الوطنية؟ هل لأميركا التي باعت القضية الكوردية لصالح الشاه الفارسي وصدام حسين عندما وقعوا إتفاقية الجزائر المشؤومة عام خمسة وسبعين من القرن الماضي تحت سماء جزائر بوتفليقة وبرعاية أكبر مجرمي التاريخ الدبلوماسي الأميركي العالمي هنري كيسنجرصاحب سياسة الخطوة خطوة؟ هل لفرنسا صديقة العرب وراعية مصالحها ومصالحهم؟ هل لروسيا حليفة الأنظمة الديكتاتورية العربية؟ الكورد هم فعلا عملاء ولكن عمالتهم هي لصديقهم الوحيد الجبل وجبال كوردستان أفضل أصدقاء الكورد, ولهم فقط يعمل الكورد. وللموضوع تتمة.

كريم عبد الله محمد

 

kerimebdula@yahoo.com